"فتاة الفستان" و"ابنة هبة قطب".. واقعتا تنمر متناقضتان
مروة فتحي
واقعتان متناقضتان شهدهما المجتمع في نفس التوقيت يجمعهما التنمر بسبب الملابس لكن يفرقهما نوعية هذه الملابس بما يدل على أننا نعيش في مجتمع غريب يكيل بمكيالين، أصبح فيه التنمر لهجته الأساسية ولغته الوحيدة في التعامل مع الآخرين.
لم تهدأ الدنيا من واقعة التنمر التي كانت ضحيتها حبيبة طارق، الطالبة بالفرقة الثانية بكلية الآداب جامعة طنطا، والمعروفة إعلامياً باسم فتاة الفستان، من قبل مراقبي لجنة الامتحان بالجامعة حيث كانت تؤدي امتحان آخر العام، بسبب ملابسها حتى شهدنا حادثة تنمر مماثلة ضحيتها هذه المرة دينا هشام ابنة الدكتورة هبة قطب الطبيبة الشهيرة المتخصصة في علوم "الطب الشرعي" والاستشارات الزوجية، بسبب ارتدائها "مايوه شرعي" بأحد حمامات السباحة بأحد الأندية الشهيرة بالقاهرة.
وكانت دينا قد أكدت في تصريحات صحفية أنها عضوة في ناديين، والناديان لا يسمحان للمحجبات بالنزول لحمام السباحة، "بيقولولنا فيه بسين هناك روحوا عوموا فيه، ولكن البسين الحلو المنور ده مش هتنزلوا فيه".
تعاطف كبير بين المصريين لفتاة الفستان
وكانت الدكتورة مايا مرسى رئيسة المجلس القومى للمرأة، قد على الواقعة المعروفة إعلامية بـ"فتاة الفستان" عبر تدوينه لها على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وقالت مايا مرسي: "البنت تحترم.. تلبس فستان تحترم.. تلبس حجاب تحترم.. تلبس مايوه تحترم.. تلبس بوركيني تحترم".
وتابعت: "حضرتك مالك هو حد بيعلق عليكي انت لابسة ايه؟ فرض الوصاية على الناس كدة جريمة؟ والقانون موجود".
كما رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا خلال الساعات الماضية مقطع فيديو تتحدث خلاله ابنة هبة قطب عن تعرضها للتنمر بأحد الأندية الشهيرة بالقاهرة، مستعرضة ما تملكه من أنواع مختلفة من المايوه الخاص بالنساء المحجبات من بكيني وبوركيني، ثم ظهورها وهي تنهار من البكاء.
وقالت ابنة هبة قطب خلال مقطع الفيديو إنها منعت من نزول حمام السباحة بسبب المايوه الخاص بالمحجبات موضحة: "رحت مع صاحبتي فندق شهير بالقاهرة، وهناك منعوني من نزول حمامات السباحة بسبب الحجاب، ومايوهات الحجاب"
تقول دكتورة إيمان عبد الله، استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري إننا أمام قضية مجتمعية خطيرة تضرب في جوانب المجتمع كلها، ونلاحظ أن التنمر يمارس بجميع أنواعه في كل مكان في الحرم الجامعي وفي المدارس وفي الأسرة وفي النادي وفي الشوارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وهناك زيادة في هذه الظاهرة، لأن الأسباب لا تعالج ولا يوجد رد قاطع على هذا الموضوع كنوع من أنواع العقاب وتطبيق القانون في الحال، فيجب الإبلاغ عن المتنمر في المؤسسة المعنية بذلك سواء في المدرسة أو النادي أو أي مكان.
وأكدت أنه يجب أن ننشر الوعي في اعتبار المتنمر مثله مثل المجرم ومثل صاحب السلوك العدواني، لأنه بيستغل الآخر ويستعرض قوته عليه ويكرر نفس السلوك في المجتمع بأشكال عدوانية متنوعة، فالسلوك المتكرر الذي يدل على إبراز عيوب الآخر من وجهة نظره وهي ليست بعيوب، فليست الديانة بعيوب ولا الملبس بعيوب وكل شخص يفعل ما يريد طالما لم نقتحم خصوصيات المجتمع وبالتالي من يتنمر لا ينقد نقدا حميدا لكنه يسيء للآخر نفسياً ويؤدي به إلى العديد من الاضطرابات ومنهم من تعرض فعلا إلى الانتحار.
وأشارت استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري إلى أن المتنمر صاحب شخصية مزدوجة مريضة تمارس العنف والعدوان بشكله وطرقه المتنوعة، لا يعجبه احتشام ولا عري، تجده تارة يشجع على الاحتشام ولكن يقزز الطرف الآخر بأسلوبه بأنه يحشتم، وهناك من يتنمر على العري ويقزز الآخر على أنه محتشم ويكرهه في هذا الاحتشام، لافتة إلى أن هذا كله بسبب عدم اكتساب المهارات وعدم اكتساب السلوك الأخلاقي وتدني المستوى الأخلاقي وعدم تربية الأسرة تربية دينية وإيجابية لأبنائها فيعيشون ازدواجية مع أسرهم، فالأب الذي يتحدث بشكل سيئ عن الديانة ويتحدث أمام صاحب الدين بشكل جيد، والسوشبال ميديا مليئة بالتنمر طوال الوقت على الآخرين، فلم يجد من يمارس التنمر ردا قانونيا أو عقابا حاسما ومعلنا، وبالتالي تزيد الظاهرة إن لم يجد المتنمر أنه يقبض عليه ويسجن ويدفع غرامات.
ولفتت إلى أنه ل ابد على وسائل الإعلام أن تبث هذه الموضوعات في برامج ومسلسلات لأن التنمر يسبب أذى نفسيا، والدين الإسلامي لا يوجد به تنمر على الديانات الأخرى ولا يوجد ترهيب على الآخر، وهذا نوع من أنواع الرعب ضد الآخر، ولذا يجب أن نرفع شعار احترام الآخر وتقوية الروابط لأن هذا الأسلوب يفسخ العلاقات ويجعل المؤسسات المعنية في المجتمع مؤسسات غير لائقة وضعيفة أمام المتنمرين وإن لم يؤخذ حق الذين تعرضوا للتنمر تتحول المؤسسة لبؤرة تزداد وتنتشر في نفس المكان.
وشددت على ضرورة تعليم مهارات ممارسة الرياضة تشجثع المؤسسات على فتح أبوابها في الإجازة وتكون هناك علاقة طيبة بين الأبناء ومعلميهم وبينهم وبين الفنانين وكذلك رموز الدين حتى يكون هناك دمج بدلاً من الازدواجية، واتباع أساليب تربوية عصرية، ونشر وعي الإبلاغ عن أي واقعة تنمر أيا كان نوعها ومكانها، وضرورة عدم الرد علي التنمر بالتمر بل بالقانون، ونشر ثقافة تقبل الآخر، واحترام إنسانية الإنسان وتدريس الأخلاق.
من جانبه، يقول دكتور مصطفى محمود، استشاري العلاقات الأسرية، أننا نعيش فى فترة أصبح التنمر فيها أسلوب حياة، فلم يعد له مقياس محدد، فالالتزام بالحجاب لم يعد نافعاً ولا ارتداء الفستان العادى مقبول ولا ارتداء السواريه حتى ينفع، وإذا ارتدت الفتاة أيا من الملابس العادية، فللأسف لن تسلم من التنمر لأن الذي تغير هو قيمنا وأخلاقنا وعادتنا وتقاليدنا التي تربينا عليها.
وأوضح أن الذي تغير هو سلوكياتنا وليست طريقة ملابسنا، ففي فترة الخمسينيات والأربعينيات كانت الملابس على الموضة وكانت بتصميم معين ولم يكن هناك تنمر ولا إشكاليات بالسلوك وكل شخص كان دائما في حاله، ورغم أننا من المفترض أننا نعيش فى وقت فيه حرية أكثر وحياة منفتحة وكل شخص يحكمه الدين والقانون والعرف ولكن أصبحنا نتدخل فى حياة بعضنا البعض بصورة سيئة للغاية، أصبحنا نعشق التناقض فلا يعجبنا الفستان ولا يعجبنا المايوه الشرعي وكل واخد هو ونصيبه وحسب الشخص الذي أمامه فإذا كان مختلفا في الفكر معك لن يحترمك، فغاب عننا احترام الاختلاف وشعارنا حالياً "أنا صح والباقي كله غلط".
ويكمن الحل كما يقول دكتور مصطفى في احترام وتقبل الآخرين واختلافاتهم الفكرية والشكلية والجنسية وحتى عاداتهم وتقاليدهم، وأن يكون النقد موجهاً للرأي (الفكرة) وليس للشخص المتحدث الذي يطرح الرأي حتى لا يكون الموضوع متعلقاً بالجانب الشخصي فقط، وعدم إسقاط الآخر اجتماعياً، مع حق ابداء الرأي للجميع، ونشر ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر في المدارس والتعليم منذ الصغر.