د. قيس العزاوي
الشرق الأوسط بنظر جو بايدن: محاولات لاستيعاب القوة الإيرانية
عن دار أريك بونييه في باريس صدر كتاب "الشرق الأوسط بنظر جو بايدن" باللغة الفرنسية لمجموعة الباحثين العرب والفرنسيين والسويسريين باشراف وإدارة الدكتور حسني عبيدي مدير مركز الدراسات المتوسطية في جنيف واستاذ العلوم السياسية في جامعة جنيف.
وهذا العدد المهم من الباحثين “15 باحثاً” قد غطى كل جوانب الاهتمام الذي تبديه الادارة الأمريكية الجديدة بالشرق الأوسط وأجاب على كل الأسئلة التي يمكن ان تطرح عن رؤية إدارة بايدن حول القضايا العربية.
يحتوي الكتاب على مقدمة دبجها الأستاذ عبيدي وثلاثة أبواب رئيسة وهي: الباب الأول جو بايدن أمريكا تعود، والباب الثاني جو بايدن والشرق الأوسط: الطموحات والحدود، والباب الثالث: شمال افريقيا أزمات وانتظارات، فضلاً على 14 بحثاً تناولت الموضوعات التالية: الاستراتيجية الامريكية، والسياسية الخارجية لبايدن، والتغيير في الشرق الأوسط، وبايدن وقوس الازمة في المشرق، وحدود الاخلاق في السياسة الامريكية في الشرق الأوسط حالة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. ومجلس التعاون الخليجي بين التغيير المنتظر والاستمرارية، وعسكرة السياسة الخارجية التركية، والعلاقات التركية- الامريكية وبايدن ومصر، والعراق والإدارة الامريكية، والسياسة الإيرانية الجديدة لواشنطن، وشمال افريقيا وعودة القيادة الامريكية، والاعتراف بمغربية الصحراء وتطبيع العلاقات المغربية مع إسرائيل، ونحو تخفيف التوترات بين تونس وواشنطن، وآفاق العلاقات الامريكية- الجزائرية.
في المقدمة "الاعدادات الجديدة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا" يسلط عبيدي الأضواء على اول خطاب القاه الرئيس الـ46 للولايات المتحدة جو بايدن، الذي تمرس بالسياسة الامريكية لاربعين عاماً في الكونجرس ولتقلده منصب نائب الرئيس أوباما مما اكتسب خبرات لا مثيل لها لمواجهة طبقة الاوتوقراط.
أكد بايدن في خطابه ضرورة إصلاح التحالفات وإعادة تصويب السياسة الخارجية بالعودة الى اتفاق باريس حول المناخ، وإعادة تثبيت الاتصالات مع منظمة الصحة العالمية، والوقف الفوري لاي مساعدات أمريكية سواء بالأسلحة او الاستخبارات في حرب اليمن التي خلفت كوارث إنسانية واستراتيجية.
ويرى الكاتب ان هناك تغييرات في مسار السياسة الخارجية الامريكية على المسرح الدولي وفي الشرق الأوسط خاصة، ودليل ذلك تعيين بايدن للدبلوماسي العريق والخبير في الشرق الأوسط تيموتي ليندركنج الذي يعكس ارادته بلعب دور محرك لتنشيط مفاوضات السلام.
يشير الكتاب الى عدد من الحقائق التي ينبغي اخذها بالاعتبار مثل الموقف من الدول الإقليمية للعرب وهي إسرائيل وايران وتركيا: فالموقف من اليمين الاسرائيلي المتطرف يجعل بايدن الحريص على امن إسرائيل يشعر بالحرج من الاستمرار في بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة لان واشنطن تتحمل مسؤولية في هذا الصراع فهي التي تقدم الدعم الدبلوماسي والعسكري والمالي لإسرائيل. وتشكل العودة الى الاتفاق النووي مع ايران الأولوية القصوى في برنامج بايدن. ويأتي اختيار بايدن لانطوني بلنكن- وهو احد افضل مفاوضي الاتفاق النووي مع ايران في عهد أوباما- وزيرا للخارجية ليكون الدليل الأمثل على توجهات الإدارة الجديدة إزاء ايران. اما تركيا فقد وصل بايدن الى الرئاسة في وقت تقوم فيه تركيا بعسكرة سياستها الخارجية، وتأخذ مسافة من تحالفاتها الغربية وتقترب من روسيا وتشتري منها منظومة الدفاع الجوي اس 400 ويلقي الاتراك باللائمة على السياسة الامريكية التي تهدد الامن القومي التركي بدعمها للاكراد وتسليحهم، إن اقرار المسؤولية المشتركة سيدفع واشنطن وانقرة لاصلاح ما فسد.
أما العراق الذي اهتم به بايدن على مدى سنوات، وكان السيناتور الديمقراطي الوحيد الذي دعم حرب جورج بوش على العراق، فإن بايدن لم يذكره أبداً في خطابه في الرابع من شباط/ فبراير الماضي على الرغم من حدة المواجهات مع الجماعات المسلحة وقصفها للمصالح الامريكية، وهو ما يشكل امرا لافتا للنظر.
إن إدراك بايدن لأهمية تغيير السياسة الامريكية إزاء الشرق الأوسط عموما هو الذي دفعه لتعيين الثلاثي: تيموتي وبلنكن وجاك سوفان كمستشار الامن القومي.
وفي نقاش لي مع المشرف على الكتاب عبيدي أكد لي أنه شعر بأهمية هذه الخطوات التي عززها بايدن عندما استعان ايضاً باليساري روبير سيمون مالي ذي الأصول المصرية، وكلفه بملفين مهمين جدا وهما الملف الإيراني والملف المصري.. وتلك خطوات تبين الادراك الواضح لادارة بايدن بأهمية خفض التوترات في دول الشرق الأوسط، وذلك بالعمل على استيعاب القوى الإيرانية التي هي في نظره مصدر ضغط كبير في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن والخليج، وطالما هي كذلك فلابد من التعامل الهادئ معها والكف عن معاقبتها وتشجيع القوى الاقتصادية الداخلية المحركة لطموحاتها باعتبارها قوة إقليمية مهمة تقتضي المصالح الامريكية التنسيق معها لتحقيق فضاء شرق اوسطي اكثر استقرارا واكثر انفتاحاً على العالم، يسمح للولايات المتحدة بالتفرغ لمواجهة القوة الصينية الصاعدة.