د. قيس العزاوي
ما بعد الانتفاضة المقدسية ماذا يعدون؟
"الانتفاضة المقدسية" أذنت ببداية مرحلة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مرحلة أجاد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عندما قدر في مقالة اخيرة له بانها تتيح إمكانية تحويل الجهود الامريكية في الشرق الأوسط من ذهنية إدارة الصراع إلى ذهنية العمل على حله.
وهذا الرأي يتوافق مع ما تنتظره منطقتنا العربية الإسلامية وما وصلت اليه المجتمعات الدولية وذلك للأسباب التالية:
أولًا: انطلقت الانتفاضة هذه المرة بواسطة مواطنين إسرائيليين من الشباب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه مما أربك الحكومة الإسرائيلية وأبطل قوتها، فلم يعد بمقدور اسرائيل استخدام قوتها العسكرية لإخماد انتفاضة مواطنيها في يافا وحيفا وعكا والناصرة والنقب والقدس ونابلس والخليل ورام الله وجنين وطولكرم وأريحا. الامر الذي وحد فلسطينيي الداخل مع الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان لهذا وقع عربي إسلامي ودولي كبير.
ثانيًا: فضح بطش قوة التدمير الإسرائيلية، حيث شهدت مؤسسات المجتمع المدني الغربية عامة ومنظمات حقوق الإنسان خاصة ومراكز التفكير وبعض وكالات الاعلام تحولًا كبيرا في موقفها من جراء مشاهدة المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين، فقد سمحت الانتفاضة بانتشار مشاهد التدمير واستخدام الأسلحة الفسفورية المحرمة وهدم الابراج وقتل الاطفال من جيش الاحتلال إلى جانب انتشار التقارير الدولية التي تتحدث عن التفرقة العنصرية في التعامل مع الفلسطينيين، مما جعل منظمات امريكية مثل هيومان رايتس ووتش وأحد أقدم مراكز البحث (كارنيغي) يدينون إسرائيل وينعتوها بنظام الفصل العنصري الابارتهايد.
ثالثًا: ازدياد التعاطف الدولي مع الفلسطينيين، واقتناع المزيد من المنظمات الحقوقية الدولية بضرورة محاسبة إسرائيل على عدم تنفيذها قرارات الأمم المتحدة التي بلغ عددها 19 قرارا منذ عام 1948 ومنها القرار 2334 الذي يطالب إسرائيل بالوقف الفوري لأنشطتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمطالبة بإلغاء الاستثناء الإسرائيلي المدعوم غربيًا، ووقف اسرائيل لانتهاكاتها للقرارات الدولية.
رابعًا: ظهور جناح تقدمي في الحزب الديمقراطي الامريكي ورفعه لشعار "حياة الفلسطينيين مهمة" على غرار شعار "حياة السود مهمة" الذي انطلق في أمريكا ولقي صداه دوليًا. ومطالبة 22 نائبا "ديمقراطي" في الكونغرس من بينهم النائبتين رشيدة طليب وبيتي ماكولم بربط المساعدات الأمريكية لإسرائيل، باحترامها حقوق الإنسان ووقف المساعدات بشكل نهائي إذا لم تلتزم إسرائيل بذلك، ونشر مخاطبة النائبة بيتي ماكولم الرئيس الأمريكي جو بايدن بقولها إن "الفلسطينيين لهم حقوق ويستحقون الحرية وليس القمع اليومي من جانب إسرائيل والاحتلال العسكري المستمر".
وبالمقابل يسعى جناح غالب في الأوساط السياسية والبحثية للحزبين الديمقراطي والجمهوري لنصرة إسرائيل ويروجون لمقولة ان حل النزاع أمر مستحيل وليس لواشنطن خيارات سوى خفض التصعيد ولا جدوى لاستثمار الموارد الدبلوماسية في محاولة لحل النزاع.. فعلى سبيل المثال يضع روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن برنامج متكامل لمعاقبة غزة مكون من اربعة أهداف رئيسية وهي:
-إزالة أي مكاسب سياسية حققتها غزة أو على الأقل الحدّ منها لاستخدامها قوة الصواريخ.
-حرّمان غزة بشكل قاطع من القدرة على التسلح مجددًا وإعادة بناء شبكة أنفاقها.
-دعم "السلطة الفلسطينية" وتقويتها باعتبارها الحكومة الشرعية الممثلة للشعب الفلسطيني.
-إشراك "تحالف سلام عربي" لدعم هذه الجهود وطلب المساعدة من جميع شركاء السلام العرب ومواصلة واشنطن الارتكاز على عامل التطبيع العربي- عبر "اتفاقيات إبراهيم".
ولتحقيق هذه الأهداف يجد ساتلوف ضرورة توافر شروط مسبقة مثل: نشر مراقبين دوليين في قطاع غزة على نطاق واسع؛ فرض نظام لا يسمح بوجود منافذ موازية إلى غزة؛ الإشراف على السلع من خلال وجود فعلي للمراقبين؛ فرض نظام جمركي تتدفق مكاسبه بشكل أساسي إلى "السلطة الفلسطينية" والتزام حازم بوقف جميع الواردات في حالة اكتشاف أي انتهاك.
تلك هي بعض مستجدات الأوضاع السياسية الدولية وفي الولايات المتحدة وهي أكبر قوة دولية داعمة لإسرائيل والتي باتت عليها مسؤولية حل الصراع وليس ادارته والكف عن تأييد يهودية الدولة لخطورته!