أشرف أبو الريش
مخطط تقسيم الدول العربية.. وأمن مصر القومي
جاء الاجتماع الأخير للرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، بعدد من قادة القوات المسلحة والشرطة المدنية والأجهزة الأمنية المختلفة بمقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة هو الأول من نوعه منذ بداية حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي عام ٢٠١٤ وحتى الآن، هذا الاجتماع المهم عقد بحضور الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والفريق أول عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، واللواء محمود توفيق وزير الداخلية، والفريق أحمد خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وحسن رشاد رئيس المخابرات العامة، والمحافظين، وكبار قادة القوات المسلحة، وعدد من الإعلاميين والصحفيين، دليلا قاطعا على أن مصر تنظر بعين الاعتبار على ما يدور في محيطها العربي والإقليمي، وانعكاس ذلك على الأمن القومي المصري.
هذا الاجتماع يأتي في توقيت بالغ الحساسية والأهمية القصوى بعد أحداث سوريا، والتي تلقى بظلالها على أمننا القومي.
من هذا المنطلق يجب أن نتحدث عن خطة تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات وأقاليم وفقًا لمصالح الدول الغربية في المنطقة، وهدف هذه الخطة وهي الحفاظ على أمن دولة إسرائيل في المقام الأول، هذا الحلم الذي طالما داعب الدول الإمبريالية الكبرى، من بريطانيا العظمى وفرنسا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، على الأرض ظهرت نتائج تلك المؤامرة فى صورة تحريض واستعمار وحروب بالوكالة، نجحت في نهاية الأمر في تغيير الخريطة السياسية والعسكرية على الأرض.
تعود بداية مخططات التقسيم إلى عام 1916، حين قررت كل من بريطانيا وفرنسا تقسيم أرضي الدولة العثمانية «الرجل المريض»، عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، لتظهر مؤامرة «سايكس بيكو» التي أدت إلى تغيير معالم دول الهلال الخصيب، في فلسطين ولبنان وسوريا وقبلها في العراق وليبيا واليمن وظهور دولة الكيان الصهيونى على حساب احتلال الأراضى الفلسطينية.
محاولات هذا التقسيم جاءت عام 1957، حين أعلن الرئيس "أيزنهاور" ما عرف بـ«مبدأ أيزنهاور»، والذي كان يقضى بأحقية الولايات المتحدة في التدخل لصالح أي دولة في الشرق الأوسط تعاني من تهديدات المعسكر الشيوعي، ليأتي بعد ذلك الحديث عن مخطط الشرق الأوسط الكبير، بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وعقب تفتت الاتحاد السوفيتي، حيث دعمت الإدارة الأمريكية وقتها "برنارد لويس" لوضع مخطط يهدف إلى تقسيم الدول العربية إلى دويلات وأقاليم على خلفيات دينية وعرقية.
ويتماشى الحديث المتداول حول تقسيم العراق وليبيا وسوريا، وتدعيم النزعة الطائفية لدى الأقليات فى سائر دول الوطن العربى، بشكل أو بآخر إلى إتمام تلك المخططات القديمة.
لا ينكر منصف ومتابع لما يدور في المنطقة من أحداث سياسية أن محاولات التفتيت والقضاء على القوى والجيوش العربية بدأت من الخريف العربي الذي قسم الدول العربية بالفعل من ٢٠١١ وحتى أواخر نهاية هذا العام ٢٠٢٤، بانتهاء أحداث سوريا والقضاء قبلها على حلم إقامة الدولة الفلسطينية، وتدمير غزة والمدن الفلسطينية، والقضاء على كل ما يمكن أن يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية بالفعل وعاصمتها القدس الشريف في المستقبل، وفقًا لمخططات التقسيم، تأتي مصر في قلب هذه الأحداث ليست ببعيد لأنها قلب هذا الوطن وشريانه النابض، والتي لم يقدر عليها بفضل الله مخطط واحداث يناير ٢٠١١.
من خلال تقرير نشر في بعض وسائل إعلام أمريكية تمثلت خطط التقسيم التي وضعت لتغيير خريطة مصر فور أحداث يناير ٢٠١١ في ثلاثة استراتيجيات أساسية، عن طريق فصل المناطق الحدودية، وتوسيع دولة إسرائيل على حساب الحدود المصرية خاصة في شبه جزيرة سيناء، واستبدال قيادة بأخرى غير وطنية، تسمح بتدخلات غربية واسعة مثل ما كان يسعى له فصيل الإسلام السياسي لجماعة الإخوان وقت حكم محمد مرسي العياط في ٢٠١٢.
المؤامرات الصهيونية تسير بخطى سريعة في المنطقة، لمنع استقرار معظم دول الهلال الخصيب في فلسطين وفي لبنان وفي العراق وفي سوريا مؤخرا بهدف حماية أمن إسرائيل القومي، ومحاولات العدو تصدير الجماعات الإرهابية التي تكفر المجتمع المصري، والتي دخلت الأراضى المصرية في سيناء بعد ثورة يناير ٢٠١١ خير دليل.
التقارير الاستخبارتية أظهرت مصر في خريطة الشرق الأوسط الكبير مقسمة إلى أربع دويلات، دولة تضم سيناء وشرق الدلتا، تحت النفوذ الإسرائيلي، وهذا ما حاولت إسرائيل تنفيذه ولكن هذا المخطط فشل، وفي عام ٢٠٢٣ كانت محاولات تهجير الأشقاء الفلسطينيين إلى أرض سيناء بعد عملية ٧ أكتوبر عام ٢٠٢٣ واضحة للجميع أيضا فشل، نتيجة يقظة هذه الدولة والقيادة السياسية والتحركات العسكرية لقواتنا المسلحة والزيارات الميدانية للقائد العام ورئيس الأركان لبعض المناطق الحدودية المصرية، وهذه كلها رسائل مهمة لا يمكن أن تكون من قبل المصادقة، والدولة الثانية التي أرادوا ان تكون في مصر وهي الدولة المسيحية، عاصمتها الإسكندرية، وتمتد من الفيوم وجنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط، أما الدولة الثالثة فهى الدولة النوبية، فيها تنضم القرى النوبية في جنوب البلاد إلى مناطق مستقطعة بشمال السودان، لتكون عاصمتها أسوان، إضافة إلى دولة رابعة إسلامية عاصمتها القاهرة.
هذا التقسيم لن يفلح بإذن الله نظرا لوجود خصائص ذاتية الصنع طبيعية الخلقة الربانية لهذا الشعب، مع الاعتبار لبعض الحقائق التاريخية لهذا الوطن، وهي أن مصر خلال مئات السنيين من الاستعمار والحروب، من الدولة الفرعونية وحتى جلاء بريطانيا، لم يكن شعبها يومًا عرضة لتقسيم، مع العلم أن التاريخ يثبت انصهار الغزاة من فجر التاريخ وحتى القرون الأخيرة في باطن هذه الدولة وشعبها، وهذا لغز يحير الكثيرين من علماء التاريخ والجغرافيا وحتى العسكريين في معاهد وكليات الحرب العسكرية، والمحاولات لتنفيذ هذا المخطط مستمرة ولن تتوقف.
مصر بشعبها وجيشها لم يستطع أحد من المفكرين المحللين الاستراتيجيين فك طلاسم هذا الجين العجيب.
ننتقل إلى العراق، فبعد الغزو الأمريكي عام 2003 أصدر الحاكم المدنى وقتها، بول بريمر، قرارًا بحل الجيش الوطني، لتتخلص الإدارة الأمريكية بذلك من أحد أهم جيوش الدول العربية، والتي كانت تمثل تهديدًا مباشرًا للحليف الأكبر لأمريكا فى المنطقة، وهو دولة إسرائيل.
مشاهد غزو العراق ستظل عالقة فى أذهان المواطن العربى، كونها إحدى لحظات الضعف العربى، بدءًا من اقتحام القوات الأمريكية دون مقاومة تذكر، مرورًا بإلقاء القبض على الرئيس العراقي صدام حسين في أحد الخنادق بقرية الدورة بتكريت، وإعدامه العلنى عقب محاكمة هزلية، وانتهاء بتحول العراق إلى منطقة صراعات شيعية سنية، مفككة ومستعدة لخطط العالم الغربي للتقسيم.
دويلات العراق وقد كانت دولة العراق إحدى الدول التي وقعت فى حدود الخطة الفرنسية الإنجليزية «سايكس بيكو»، بهدف تقسيم إرث الدولة العثمانية، والتي تضمنت استيلاء فرنسا على غرب سوريا ولبنان وولاية أضنة، واستيلاء بريطانيا على منطقة جنوب ووسط العراق، بما فيها مدينة بغداد، فضلًا على استيلاء روسيا على الولايات الأرمنية فى تركيا وشمال كردستان، على أن يخضع ميناء الإسكندرية للنفوذ المشترك للدول الثلاث.
ربما يكون العراق أقرب الدول العربية إلى تحقق المخطط الكامل للشرق الأوسط الكبير، بالانقسام إلى ثلاث دويلات، هي دويلة شيعية فى الجنوب حول البصرة، وأخرى سنية حول العراق، وثالثة كردية تقتطع أراضي إيرانية وعراقية وسورية.
وربما يكون إقليم كردستان بدوره أولى تلك الدويلات التي تعلن استقلالها، بسبب دعم الدول الغربية لها من جانب، كأقلية لها الحق في تقرير مصيرها، وكذلك لعدم نجاح الحكومات التي أعقبت غزو العراق في احتواء تلك الأقلية.
سوريا أيضًا كان لها نصيبها فى خرائط التقسيم في مخطط «سايكس بيكو»، وقد كان الجزء الأكبر من الدولة السورية يقع تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي، وعقب هزيمة 67 احتلت دولة إسرائيل هضبة الجولان التي باتت تمدها بما يزيد على 40% من مياه الشرب، الأمر الذي تسبب في عرقلة جميع المفاوضات بين الجانبين العربى والإسرائيلى، فيما يخص العودة إلى ما قبل حدود 67، ووصولها إلى طريق مسدود.
وفي خارطة الشرق الأوسط الكبير، تقسم سوريا إلى أربع دويلات، على أساس ديني ومذهبي، وهي دولة علوية على امتداد الشاطئ، وأخرى سنية في منطقة حلب، وثالثة سنية أيضًا فس منطقة دمشق، ورابعة درزية في الجولان ولبنان، وقد بدأت إرهاصات ذلك التقسيم تبدأ بالفعل، بسبب القوى المتناحرة على الأرض، والتي قسمت بموجبها سوريا إلى مناطق حكم للنظام السورى السابق، وأخرى للمعارضة، وثالثة لسيطرة داعش، وقد تحقق هذا التقسيم وسقطت دمشق مؤخرا، وسقط حكم الأسد ودخلت الميليشيات العسكرية إلى دمشق فجر ٨ ديسمبر ٢٠٢٤، وهذا المخطط نشر من ١١ عاما، ووضع هذا التخطيط منذ مايقرب من ١٠٠ عام أصبح حقيقية واقعة بنهاية هذا العام.
أما دولة السودان، فقد تحققت رؤية "برنارد لويس" المستشرق اليهودي والمتخصص في تاريخ الإسلام وأبرز المخططين لتقسيم الوطن العربي، حيث أكد على انفصل الجنوب عن الشمال في عام 2011 بعد استفتاء شعبى، وما زال إقليم دارفور يسعى للانفصال منذ اشتعال النزاعات به عام 2003، على خلفيات عرقية وقبلية، ليتحقق مخطط تقسيم السودان إلى ثلاث دويلات.
التقارير الاستخباراتية الأمريكية البريطانية تؤكد أن الصراع القادم ديني، سيتخذ شكل صراع سني شيعي، وهذا ما ستلوح بوادره في الأيام القادمة خاصة في سوريا الجديدة.
السيناريوهات التي من الممكن أن تحدث في الشرق الأوسط، تشير إلى إنشاء دويلات على أساس ديني، الأمر الذي سيؤدى إلى إشعال صراع لا ينتهي في الشرق الأوسط.
ويمكن القول إن سوريا والعراق وليبيا واليمن من أكثر الدول القريبة من سيناريوهات التقسيم وهذا ما نراه للأسف على أرض الواقع، ومن خلال تصريحات بعض الأشقاء من هذه الدول نفسها وهي تتحدث عن الانقسامات الداخلية في دولهم بعد أحداث الخريف العربي.
أحداث السودان، وتلك المعارك الدائرة تهدف إلى محاولات تقسيم السودان إلى ثلاث دول بعد تقسيم السودان إلى الشمال والجنوب، وهناك قور دولية تنفخ في هذا الصراع العسكري الدائر في السودان، الذي لن يجلب غير الخراب والدمار على الأخوة الأشقاء في الجنوب.
معظم دول المنطقة أصبحت باللون الأحمر على الخريطة، صراعات وحروب وانقسامات، وتشريد ودمار وخراب يلحق بالشعوب. هنا.. ينبغي أن نتذكر جيدا ان مصر هي الجائزة الكبرى في قلب هذا المخطط الرهيب، هنا.. علينا أن نقف كالبنيان المرصوص خلف مصر، وخلف جيشها وشرطتها وقيادتها الحكيمة، والتي نظرت إلى المستقبل منذ بداية ٢٠١٤ وحتى وقت قريب، عندما سلحت قواتنا المسلحة وافرعها الرئيسية كما يجب أن يكون، هنا.. وطن يعيش فينا قبل أن نعيش فيه كما كان يقول قداسة البابا شنودة، هنا.. خير أجناد الأرض ونحن في رباط إلى يوم القيامة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، هنا.. مصر.. وتحيا مصر.