عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لمسات الخواجة ألبير

الغربة الأولى 15

لمسات الخواجة ألبير

ذاع صيت ما قمنا به في بيروت, و كان له رجع صدى في أوساط الصحافة و دور النشر. و فوجئت بإتصال هاتفي من مكتب اللواء عبد الخالق أنور, يدعوني للقائه في مكتبه الخاص في "الشركة المصرية للسياحة والفنادق".



واللواء المتقاعد كان, في هاتيك الزمن, رئيس مجلس إدارة الشركة العملاقة, التي تملك و تدير العديد من الفنادق المعروفة, المنتشرة في أنحاء مصر منها "ماريوت", " مينا هاوس" ,"شبرد" في القاهرة, " فلسطين" في الإسكندرية، "كاتراكت" في "أسوان", و فندق "وينتر بالاس" في "الأقصر", و تملك كذلك تسع شركات تعمل كلها في مجال السياحة و الفنادق و التنمية السياحية  ، منها "إيجوث" و "مصر للصوت و الضوء" .

 

كان اللواء مقتضباً معي و مباشراً, طلب أن نتولى تنفيذ حملة دعائية من خلال مطبوعات الشركة, على أن ينفذ كل شيء في بيروت, و مهما إرتفعت كلفته.

 

قبلنا, و بدأت أضع مسودة للتصاميم, و قمت مع المصور الفنان لطفي ابو زيد, بتصوير الفنادق و المنتجعات التي تملكها الشركة, إضافة الى المناطق السياحية المحيطة بها.

 

وعندما إكتملت عناصر التصميم, حسب المسودة التي عكفت عليها, جمعت كل شيء في حقائبي,  للسفر بها الى عاصمة المطابع, الى ... بيروت .

 

في الموعد المضروب, قابل إسلام شلبي الدكتور محمود الشنيطي, وحيداً , بسبب إنشغالي بحملة "الشركة المصرية للسياحة و الفنادق" الدعائية المتطلبة, أبلغه الخبر اليقين: إجماع أعضاء مجلس إدارة "هيئة الكتاب" على مشروع المطبعة في بيروت, وصرف الاعتمادات المالية للبدء بالتنفيذ. و الحلم, مثل نجاحنا, الذي كان على الورق, تحول الى يقين.

 

عدنا الى بيروت. غدوت الى المكتب باكراً, حملت الصور الفوتوغرافية التي أبدع لطفي أبو زيد في إلتقاطها, وما زودني به مسؤول العلاقات العامة في الشركة من مواد تحريرية, وبدأت في رسم تصميم عام لكتيبات,  و"بروشورات" , و"بوسترات", جذابة و ملفتة, ومعبرة عن تراث مصر, وحضارتها, فتضعها على خريطة السياحة العالمية, كل ذلك في توافق مع ثقافة وحضارة السائحين الآتين من كل بقاع العالم لزيارة مصر.

 

بعدما نفضت قلمي وريشتي من تلك التصاميم, بدأت افكر في التنفيذ : بعد فرز ألوان الصور, تم تجهيز الأفلام  وإعدادها للطباعة, فحملتها الي مطبعة "يونايتد" التي كان يملكها ويديرها "الخواجة ألبير" في "شارع المقدسي", في "منطقة الحمرا", وهي على الرغم من صغرها, فإختصاصها الطباعة الفنية الرفيعة المستوى, و"الخواجة ألبير" ينتقي الزبائن على "الفرازة", كما نقول عندنا, و هو خبير عتيق في طباعة الالوان, طيب النفس, دمث الأخلاق, اذا أحبك و وثق من فهمك و تقديرك لمهنته, و بمعرفتك بفنون الطباعة, سلمك مزاليج مطبعته و معها " فاروچ ", معلم الطباعة عنده, شاب أرمني في مطلع العشرينيات من سنيّه, من أمهر من عرفت في حياتي في طباعة "الأوفست", و كان تتلمذ على يد "الخواجة ألبير", و تفوق عليه في المهنة. و" فاروچ " مثال آخر للمبادرة الفردية, التي حدّثت محمد حسنين هيكل عنها, فذلك الشاب, بادر, أقدم, و أصبح من أصحاب المطابع المرموقين, مطبعته في منطقة "الدورة" مقصودة و يزداد عليها الطلب, إلاّ أن "فاروچ" نَسَجَ على منول "الخواجة ألبير", في إنتقاء الزبائن وفي تميز ورفعة الانتاج . 

 

 

كانت طباعة الألوان في هاتيك المرحلة تعتمد على طباعة اللون  الواحد في كل مرة, لذلك على معلم الطباعة أن يكون ماهراً, و قادراً على إحتساب الكثافة اللونية في كل مرحلة من المراحل الأربع, و المعلم " فاروچ " كان واحد من هؤلاء. إتفقنا على العمل مساء كل يوم, بعد أن إنتهي من عملي في مكتب "الهيئة", و بعد إنتهاء الأعمال الخاصة بالمطبعة .

 

حضر اللواء عبد الخالق أنور الي بيروت, و نزل بضيافة "الخواجة ألبير", ليتابع بنفسه, طباعة حملته الدعائية, فكان يأتي الى المطبعة, يعاين الورقات الأولي المتدفقة من فم الآلة , و هو يستمتع بحبات " الفستق " السوداني, المولع به و "بقرقشته", و كان "الخواجة ألبير" يحرص على توفير الفستق "العجيب", كما كان يسميه, و تفاجأ اللواء, ليلة سفره عائداً الى القاهرة, بعلبة فيها ثلاثة أكياس من الفستق, هدية من "الخواجة البير".

 

إنتهت المهمة الطارئة محققة نجاحاً جديداً. ثم تفرغت للبحث عن مقر لمطبعتنا الجديدة، كان من الصعب إيجاد المساحة المطلوبة في قلب بيروت، فلجأت الى الضواحي, و وقع إختياري على منطقة "المكلس" الصناعية في المتن الشمالي, و هي على بعد 16 كيلومتراً من قلب بيروت, لتوفر المساحات المطلوبة و توفر اليد العاملة في صناعة الطباعة من لبنانيين, و أرمن لبنانيين, و فلسطينيين.

 

المكان مساحته ألف متر خالٍ من أي اعمدة , و هذا ليس بالسهل معمارياً, و هو يتيح سهولة الحركة للعمال, و الورق حول الآلات,  و ملحق يتضمن مخزن للخامات, و إستراحة للعمال, مجهز بالماء و الكهرباء, و أمامه مساحة تسهل حركة المقطورات حاملة الآلات و ورق الطباعة, و فسحة مرآب للزبائن. 

 

و بعد مداولات و أخذ و رد, تمكنت من الحصول على عقد إيجار مدته سنوات عشر.  لما زار إسلام شلبي المكان, أعجب به, كذلك الدكتور محمود الشنيطي, الذي كان حضر خصيصاً من القاهرة ليعاين المكان, و يقف مني على ما أعددت, لبدء إختيار الآلات المناسبة , و خطط العمل الأخرى …

 

إستفسر الشنيطي, سأل, وفكر, و أقترح , وسمع مني كل ما جعله على يقين من نجاح المشروع. وبدأت اتصالاتي بوكلاء شركات ومصانع الآلات العالمية في بيروت .      

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز