والسؤال.. هل تعيد الجمهورية الثانية إحياء القومية المصرية؟
حركة التاريخ تنحاز إلى مصر والشخصية المصرية تفرض نفسها على التخطيط الوطني
اعتراف حق أن أسجله رُغم مرور سنوات عليه.. أقرّ أننى لم أكن من السعداء بتصريح الرئيس «السيسي» قبل خمس سنوات بإعلانه حينها أننا نعيش فى (شبه دولة) وأننا عايزين نبنى دولة بجد.. ربما غلبنى إحساس الشيفونية الوطنية.. أو أنها غُصَّة الصّدمة بالواقع آنذاك.. ولكن عندما بدأتُ التحضيرَ لهذه السلسلة من المقالات حول (الجمهورية الثانية)، وهو الإعلان الذي أطلقه الرئيس «السيسي» فى خطابه بمناسبة يوم الشهيد.. أدركتُ دقة المصطلح وبلاغته.. فلا يوجد قطاع أو عنصر مميز للتكوين المصري إلا وتجد أنه بالفعل بحاجة إلى إعادة بناء وأننا كنا نتعايش مع (شبه حالة) ونقنع أنفسنا بإشباع الاكتمال.. فى المقال الأول كنّا نبحث فى فلسفة الجمهورية الثانية، وقدّرنا أنها الجمهورية القابلة للبقاء وسَندها التخطيط الاستراتيچى بعيد المدَى.. فأدركتُ أننا كنا نَرضى بشبه (تخطيط).. ثم فى المقال الثانى سعيتُ للبحث عن مصير الصحافة ومستقبلها فأدركتُ أيضًا أنها بحاجة إلى إعادة بناء شامل وأننا ارتضينا بـ(شبه صحافة).. ومن هنا كانت ولا تزال المُناشَدة بحتمية إعادة بناء الكادر الصحفى.. وفى المقالات التالية سنكتشف الحالة نفسَها عندما نبحث فى كل أنسجة وشرايين عناصر التميز المصري.. والمُحصلة أن هذا الوطن العظيم وهويّته الفريدة وشخصيته العبقرية نالها الكثيرُ بفعل فاعلين أصليين وتجرُّؤ أفكار دخيلة عليها قامت بتشتيتها ومسخها دون مبالغة، وأن هناك من سعَى لإقحام القومية المصرية داخل قوميات أخرى فنالت الشخصية المصرية نصيبًا ليس هَيّنًا من ندبات الهزيمة وحملت فوق طاقتها.
ولكن تضافرت فى الصورة عناصر عدة دفعت الأمل إلى معانقة السماء.. عناصر تُكمل الحلقات الناقصة والمساحات الفارغة فى العناوين.. أولها أن الشخصية المصرية هى المِداد الذي يُكتَب به التخطيط الوطني المصري الآن.. وأن هذا الحضور للشخصية المصرية هو العنصر الأكثر سطوعًا فى الخطاب السياسى للدولة المصرية منذ تولى الرئيس «السيسي» المسؤولية.. أكثر من ذلك أن كل اتجاهات عمل الدولة المصرية ومؤسَّسَاتها بالإضافة إلى المبادرات الرئاسية المتعددة الموجهة لقطاعات مجتمعية مختلفة والتي يحمل ظاهرها ومضمونها اتصالًا مباشرًا بين رئيس الدولة والشعب وبداخلها عُمق إنسانى لا يحتاج إلى شرح، ولكن.. الآن ندرك معنى آخر بالغ الأهمية وهو استدعاء جديد للقومية المصرية قد حدث بكل سماتها المتحضرة والمتسامحة والمتصالحة مع نفسها ومع العالم من حولها.. القومية المصرية التي لا تفرِّق بين الناس على أساس دينى.. أنت مصري وكفَى.. القومية المصرية التي اختزلت كُتُب ومجلدات فى مفهوم التعايُش الوطني بعبقريتها عندما قامت بصَك شعار (الدين لله والوطن للجميع).. القومية المصرية التي تدفع بالمساواة بين جميع أبنائها لا فرق فى الحقوق والواجبات بين رجل وامرأة.. القومية المصرية التي ينصهر بداخلها جميع أبناء القُطر المصري دون تمييز.. القومية المصرية التي من فرط تأثيرها تجعل الغريبَ إذا تعايش معها يُعاد تشكيله ويتمَصَّر.. القومية المصرية التي لا تحضر إلا بأمر واستدعاء وطني.. وقد صدر أمرُ استدعائها فى ثورة 1919.. ثم تكرّر النداءُ والاستدعاءُ والأمرُ فى ثورة 30 يونيو.. الاستدعاءُ الوطني الذي يمكن تلخيصه بأن مصر أولاً وقبل كل شىء وأن مصر وحدها هى الحل.. ولهذا يمكنك تفسير النطاق الجغرافى الجامع بين الثورَتَيْن والذي لم يترك بقعة على أرض مصر إلا وكان عليها النداءُ والاستدعاءُ والأمرُ حاضرًا بكبرياء عَلم مصر.. القومية المصرية التي تستجمع شموخَها من عُمقها الحضارى بأننا امتدادُ الحضارة الفرعونية التي علّمتْ الإنسانية كل المعانى.. وعندما تستدعى مصر عُمقها التاريخى تنحاز حركة التاريخ إلى مصر، وهو ما أحاول رصدَه فى هذه السطور وعمّا إذا كانت الجمهورية الثانية موعدًا قدريّا لإعادة إحياء القومية المصرية بعد تخلصها من كل أفكار الانتماء إلى خارج حدود مصر؟
• هل تنحاز حركة التاريخ الآن إلى مصر؟
قبل سنوات أهدانى الصديق العزيز الدكتور محمد البدرى، سفيرنا الحالى لدى بكين، مؤلفه القيّم (حوارات الموتى)، الذي يبحث فى بحور التاريخ داخل أزمنة مختلفة بطريقة شيّقة من خلال حوارات افتراضية مع شخصيات تاريخية كانوا مؤثرين فى رسم ملامح زمنهم.. ولعل أهم استنتاجات هذا الكتاب أن التاريخ فى حد ذاته له شخصية.. وأن بعض السنوات تكون صاحبة قرار فى تغيير مسار حركة التاريخ.
من هذا الفهم وهذه الفلسفة أستطيع الآن أن أقرأ العام 2011 بزاوية أكثر عمقًا وأبعاد أكثر اتساعًا.. وأن هذا العام ورُغم قسوته والجُرم الذي جرَى فى حق مصر خلاله من جرّاء محاولات إسقاط الدولة المصرية؛ فإنه كان إعلانًا تاريخيّا بأن التاريخ يعيد ترتيب أوراقه إذا تعاملنا مع سياقه الإقليمى والعالمى، الذي بدأت نتائج هذا السياق تظهر بعد مرور عقد كامل عليه وبدأت تظهر فى الربع الأول من العام الجارى 2021.
بمعنى.. أنه وإن كان حديثنا عن القومية المصرية فإن علينا أن نعرف ماذا جرَى لها؟ لكى نكتشف ماذا جرَى للشخصية المصرية نفسها؟ .
انطلقت القومية المصرية مع ثورة 1919 مُشَكّلةً تيارًا وطنيّا فريدًا محددَ الأهداف.. هذا التيار أنجز دستور 1923 وبدأ حركة تنوير غير مسبوقة وتطوّر وبناء فى العقل المصري بهدف التحرّر الوطني من الاحتلال البريطانى، واستمر مدادُ هذا التيار بإسهاماته فى كل مناحى الحياة المصرية حتى بداية أربعينيات القرن الماضى.. فى هذه الفترة كانت ثمرة الاحتلال الخبيثة التي قام بزرعها لضرب هذا التيار قد بدأت تفرض حضورَها وهى جماعة الإخوان الإرهابية، التي تم تأسيسها قبل مرور العقد الأول لثورة 1919، وتحديدًا فى مارس 1928، والدور الذي لعبه مرشدها الإرهابى الأول «حسن البنا»، الذي عمد إلى إخراج المجتمع المصري من مسار التيار الوطني إلى فكرة الانتماء إلى خارج الحدود، وأن الهدف هو فكرة (الخلافة الإسلامية) أو تحقيق (المجتمع الإسلامى) حسب المصطلح الذي كان يستخدمه فى البداية وليس تحرير الوطن من المحتل.
هذا الارتباك فى المسار الوطني كان أحد أهم مُحفّزات تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، ومعظمهم انخرط مع العمل السياسى فى مرحلة التكوين والنشأة، ووجدوا أنه لا سبيل للخلاص من الاحتلال إلا بتغيير شامل للمعادلة كلها (الإنجليز - المَلك - الأحزاب)؛ لأن الأحزاب كانت جزءًا من المُشْكلة ولم تكن طريقًا إلى الحل، إذ تفرّغ الجميع إلى المؤامرات والتحالفات السّرّيّة، أمّا الوطن وأهله فلم يلتفت لهم أحد.. فكانت ثورة يوليو وتأسيس الجمهورية الأولى ومعها بدأ صراع وجودى بين الجمهورية المصرية وجماعة الإخوان الإرهابية من جهة وصراع أكثر خطورة على القومية المصرية والشخصية المصرية من جهة أخرى، إذ سعى كل تيار لدفعها وتوظيفها تجاه مشروعه.. إذ دفعت القومية المصرية إلى الانخراط فى القومية العربية فى عهد الرئيس «عبدالناصر»، وبعد نكسة 1967 بدأ تيار الإسلام السياسى، وكان يتمركز وقتها فى دول الخليج العربى توظيف الأهداف القومية لخدمة مشروعه دون أن يلحظ أحد، وبدأ مسار المتاجرة بالقضية المركزية للتيار القومى، ومن العام 1977 بمواءمة غير محسوبة الأبعاد من الرئيس «السادات» أطبق تيار الإسلام السياسى على القومية المصرية والشخصية المصرية مدمرًا أبعادَها وملامحَها وتاريخَها ورموزَها وعمقَها الثقافى والفنى والحضارى إلى أن وصلنا لعام الانفجار 2011.. وظن تيار الإسلام السياسى أنها لحظة التمكين الإقليمية، ولم يرفع علم فلسطين التي تاجروا بها عقودًا فى أى ميدان عربى مُظهرًا وجهَه الحقيقى، وحينها بدأ إدراك حقيقة انتهاء التيار القومى وأنه كان يخدم مشروع خصمه.. لينتهى أول تيار أثقل الشخصية المصرية وأقحمها فى هزائم متتالية ويشتد الظلام الكاحل ويطبق الإخوان على مصر.. أو هكذا ظنّوا.. ويأتى العام 2013.. لتُكتب كلمة النهاية لأخطر وأحقر فكر عرفته الإنسانية، ويُعلن «السيسي» بيان تحرير مصر منهم فى 3 يوليو 2013.. باستدعاء التيار الوطني المصري الذي استجمع چينات القومية المصرية داخله.. لتبدأ الهجمة المرتدة بكتابة نهاية هذا التيار وهذه الجماعة وهذا الفكر من المنطقة إلى الأبد، وقد بدأ إسدال الستار فى مارس 2021 .. وهنا علينا أن ندرك أن حركة التاريخ تنحاز إلى مصر رُغم قسوة المواجهة والتحديات؛ بل والمؤامرات التي تعمد إلى ضرب المشروع الوطني المصري ومنع بزوغ القومية المصرية من جديد، وفى هذا الأمر تحديدًا لا تستغرب من تحالفات غير منطقية قد تجمع بين صديق أو شقيق مع عدو!.
• الشرق الأوسط وإعادة التشكيل فى مرحلة ما بَعد الإسلام السياسى
ربما يكون العنوان الأول للمتغيرات المتسارعة فى الشرق الأوسط هو صدْق القراءات الغربية التي تتحدث عن شرق أوسط فى مرحلة ما بعد الإسلام السياسى، وإن كان هذا لا يعنى نهاية الإرهاب؛ لأن الإرهاب فى شكله الراهن هو مجرد أداة لتصفية الحسابات بين الدول.. وهذه المرحلة هى عنوان العقد الزمني الحالى من «2021» حتى «2031».
وبينما يلفَظ الإسلام السياسى فى عنصرَه السُّنى ممثلاً فى جماعة الإخوان الإرهابية أنفاسَه الأخيرة بعد قطع شرايينه من مصر ومؤشرات طرده من أوكاره الإقليمية.. وفيما تظهر تحالفات إقليمية ما كان لأحد يتوقعها هدفها الاستراتيچى التخلص من العنصر الشيعى لفكرة الإسلام السياسى، ممثلاً فى نظام الملالى فى إيران وأذرعه الإقليمية.. هذه الصورة تجعل من الشرق الأوسط منطقة رمال متحركة بامتياز.. ونطاقًا جغرافيّا من الصلصال يُعاد تشكيل توازناته.. يحتفظ بقدره داخله مَن يقف على أرض صلبة ويصمد أمام تفاعلاته متمسكًا بالكَمِّ الاستراتيچى الذي يمتلكه.. وقبل أسابيع كنت قد كتبتُ عن (الكم الاستراتيچى الذي حققته مصرُ خلال الفترة من 2014 إلى يومنا هذا)، وهو ما يُعَد معجزة تاريخية بكل المقاييس جعلت من الكيان المصري كتلة صلبة فى ظل هذه السيولة الإقليمية.
وهنا علينا أن نستجمع مجموعة من الحقائق لتظل حاضرة أمامنا، أن محاولات إضعاف مصر وتمزيقها داخليّا على مدار العَقدَيْن الماضيَيْن لم تكن صدفة،ومحاولات إسقاطها فى 2011 لم تكن صدفة ،ومحاولات منع قواتنا المسلحة من امتلاك القدرة دائمًا والسعى لتشويهها من أطراف دولية لم تكن صدفة.. وكذلك فإن صمود مصر أمام هذه الموجات المتتالية من الحروب النوعية المختلفة لم يكن أيضًا صدفة .. ويظل مرجعه الحضور الأصيل للقومية المصرية فى البنيان المصري وداخل مؤسَّسَات الدولة الوطنية المصرية.. وعلينا أن ندرك أن ما تواجهه مصرُ الآن فى تحدّى مياه النيل أيضًا ليس صدفة.. الهدف الاستراتيچى لخصوم مصر واضحٌ ومكشوفٌ وهو عدمُ بقاء مصر على حالها بعد فشل إسقاطها وتقسيمها وحرمانها من الاحتفاظ بالنطاق والتأثير الذي يليق بها فى التقسيم الإقليمى الجديد.. وهو التقسيم الذي قد يدفع بكيانات إقليمية صغيرة وحديثة إلى مواقع دول وكيانات إقليمية رئيسية، وفى المقابل يبعد الكيانات الرئيسية عن ساحة التأثير ويُضعفها ويجعل من حجمها وكمِّها إن لم يكن أقل من الكيانات المستحدثة فعلى أقصَى تقدير يكون مساويًا لها.. ولهذا أعتقد أن تحدّى مياه النيل هو آخر التحديات المصرية الجسيمة، وهو تحدٍّ وجودىّ، ولهذا فإن اصطفاف الأمة المصرية خلف القيادة السياسية فى معالجة هذا الملف ليس وجهة نظر.
• الجمهورية الثانية وواقعية الاستناد على القومية المصرية
يقول عميد الأدب المصري والعربى الدكتور «طه حسين»، الذي يُعَد أحد أهم (المنظرين للقومية المصرية).. «الحضارة المصرية والفرعونية متأصلة فى نفوس المصريين وستبقى كذلك.. بل يجب أن تبقى وتقوَى.. والمصري فرعونى.. قبل أن يكون عربيّا ولا يطلب من مصر أن تتخلى عن فرعونيتها وإلا سيكون معنى ذلك أن يقول أحدهم اهدمى يا مصر أبا الهول والأهرامات وانسى نفسك واتبعينا.. فلا تطلبوا من مصر أكثرَ مما تستطيع أن تعطى».
هذه المقولة تضمنها مقال للدكتور «طه حسين» فى منتصف الثلاثينيات من القرن الماضى، وهى تعكس حالة بداية التجاذبات الداخلية بين الأفكار الدخيلة على مصر وصراعها على القومية المصرية والشخصية المصرية.. وقد رأينا وعايشنا المرحلة التي سعى خلالها البعض أن ينسى مصر نفسها لكى تتبعهم، ولقد رأينا وعايشنا المرحلة التي خرجت فيها أصوات تطلب بهدم الآثار الفرعونية باعتبارها أصنامًا.. وقد درسنا الثمَن الذي دفعته مصر عندما تم تحميلها ما يفوق طاقتها.
محصلة هذه القراءة أن السياق الزمني وتحوّلاته التي تكفلت من تحرير القومية المصرية من القيود التي أثقلتها على مدار ما يقرب من قرن من الزمان ثم السياق الإقليمى الذي يُعاد تشكيله وامتلاك مصر لقيادة وطنية استثنائية تشكل قوة الدفع المركزية للمشروع الوطني المصري.. لأن الرئيس «السيسي» فى حد ذاته يمثل الوجه القوى للقومية المصرية.. سواء من ناحية المنطلقات التفكيرية الحاكمة لكل خطواته عنوانها الحاضر (مصر أولاً) كذلك رفضه مخاطبة المصريين على أساس انتمائهم الدينى؛ بل إنه يرفض استخدام المصطلح نفسه لا يقول مصري مسلم أو مصري مسيحى، وانفتاحه فى كفالة حرية الاعتقاد والعبادة لكل المصريين واحترامها، وهذه قناعته، وجميعنا يدرك الآن أن كل مجتمع عمرانى جديد يراعى فى تخطيطه وجود الكنيسة مثلما يراعى وجود المسجد، وتدخل الدولة فى تجديد كل دُور العبادة الإسلامية والمسيحية؛ بل واليهودية أيضًا.. كل هذا يمثل تجسيدًا للقومية المصرية. قيامه بالتصدّى لمحاولات تحقير وتهميش المرأة المصرية وإعادة بناء الاحترام المجتمعى للمرأة، وأضف إلى ذلك الرسائل التي تضمّنتها كلمة السيدة «انتصار السيسي» قرينة السيد الرئيس التي ألقتها مؤخرًا أمام منظمة التربية والعلوم والثقافة الإسلامية (الإيسيسكو)، والتي كشفت عن السياق الشامل الذي تعمل عليه الدولة المصرية فى ظل قيادة الرئيس «السيسي» من أجل دعم وتمكين المرأة، وهى الأمور التي ظهر بعضٌ منها خلال احتفالية يوم المرأة الأسبوع الماضى من خلال المعلومات التي تضمّنها حديث رئيس المجلس القومى للمرأة ووزراء التضامن الاجتماعى والتخطيط.. كل هذا يمثل تجسيدًا للقومية المصرية.
أن يتم اتخاذ شعار بناء الإنسان كمحور استراتيچى للحُكم فى مصر.. بناء الإنسان صحيّا واجتماعيّا وثقافيّا وتحقيق جودة حياة له والعمل على تحقيق ذلك رُغم قسوة التحديات.. فكل هذا يُعَد تجسيدًا للقومية المصرية.
مصرُ لم ترفع شعارًا غير مصري فى عهد «السيسي».. وباشرت دورَها الإقليمى بقوة وفاعلية أيضًا من منطلقات (القومية المصرية)؛ لأن القومية المصرية قومية منفتحة ومتصالحة وتستمد ذلك من النسق الحضارى لدولة نهرية، والدول النهرية يؤصّل لعمقها الحضارى بأسُس التعايش والتبادل والسلام، وهو ما يختلف عن الثقافة التي يعانى منها البعض وتؤثر على سلوكه الاقليمى، وهى ثقافة الندرة التي تكونت عليها بعض المجتمعات، وهى تلك الثقافة التي تتلخص فى إمّا أن تعيش أنت أو أعيش أنا.. أمّا أهل الحضارة النهرية فمفهومهم عن الحياة هو العيش المشترَك.
تعمّد الرئيس «السيسي» والدولة المصرية الحفاظ على دور الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية المصرية، وهى المساحة التي سعى خصوم هذا الوطن الى تعكير صفوها للنيْل من النسيج الوطني المصري.. هذا الإدراك من قِبَلِ الرئيس والدولة المصرية ما هو إلا تجسيد للقومية المصرية، وأذَكّرك بشعارها الأصيل (الدين لله والوطن للجميع).
رسائل الرئيس المتتالية للإعلام وللثقافة وحرصه على امتلاك مصر نظامًا تعليميّا متطورًا وحرصه على دعم الدراما فى هذه المرحلة إلى حين قطف ثمار النظام التعليمى الجديد هو تجسيدٌ للقومية المصرية التي اعتمدت على (الوعى) باعتباره الطريق الأمثل فى تحقيق الغايات الوطنية.
أكثر من ذلك.. إذا عُدنا إلى سبتمبر 2014.. البيان الأول الذي ألقاه الرئيس «عبدالفتاح السيسي» أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. راجع محتوَى هذا البيان وما تضمّنه من إشارات وعبارات عندما أراد الرئيس تعريف العالم بالواقع الجديد لمصر؛ ستجد أنه خطاب يُشكل فى حد ذاته مسودةً لتعريف ماهى (القومية المصرية)؛ إذ استمد واقع مصر والمستقبل الذي ينتظرها من عمقها الحضارى أولاً واتصاله وتتابعه بمكوناته المختلفة.
وبالتالى؛ فإن حضور القومية المصرية كأساس فكرى وثقافى وفلسفى للجمهورية الثانية سياقٌ له منطقه .. هذه القومية التي ننتمى إليها باعتبارها المكون الأصيل للشخصية المصرية، التي أنتجت أعلام الفكر والثقافة والفنون والسياسة خلال النصف الأول من القرن العشرين وشكلت مجتمعًا متصالحًا مع نفسه ومع عالمه مؤثرًا فيه .. مجتمع كان البناء الواحد فيه يضم «حسن ومرقص وكوهين» ثم أقحمه تيار فى مشروعه فأصبح البناء يضم «حسن ومرقص» فقط، ثم تمكن تيار ظلامى فأراد أن يجعل البناء خاويًا لا يسكنه إلا «حسن» لا.. يسكنه «الأخ حسن)».
أستبشر كثيرًا بالقادم.. مصر على طريقها.. عندما نقول إن مصر أولاً.. مصر تمتلك زمنها، عندما يكون شعارنا (مصر هى الحل).. رُغم كل التحديات.. مصر قادرة .. وللحديث بقية.
من مجلة روزاليوسف



