وليد طوغان
عودة السياسي الموسمي بمقال بلاستيك
خيال المآتة.. الألعبان
عاد خيال المآتة الألعبان.. عاد البرادعى من جديد. أو هو يحاول العودة من جديد. طبيعى احتفاء قناة الجزيرة بمقاله الأخير.. رجعت ريما لعادتها القديمة.. عاد الألعبان لحيل الحواة.. وعادت الجزيرة لألعاب العيال.
مرة جديدة يعود فيها خيال المآتة لكلام عن التغيير فى الشرق الأوسط. مرة أخرى يحاول الظهور بحديث منزوع المعانى، لا قال فيه ماهية ما يقصده من تغيير، ولا كينونة ما يعتبره تغييرًا.. ولا تفاصيل ما يعنيه بالتغيير.
مازال البرادعى يكذب ويكذب حتى يُكتب عند الله كذّابًا. يحقد البرادعى على الدولة المصرية، لا يتصور للآن، كيف مرقت مصر من خرم الإبرة، وكيف تغلّبت الدولة على ما كان يُحاك ضدها فى الظلام، ولا كيف أفشلت الدولة ححج التغيير والديمقراطية والحريات والحاجات والمحتاجات، التي أتى البرادعى والذين معه على إثرها بالإخوان!
لا يُصدّق البرادعى نفسه، أو قل إن المشكلة أنه مازال يُصدّق نفسه، لذلك بدا مقاله الأخير عن التغيير أشبه بالنكات على الطريقة الفرنسية، النكتة لدى الفرنسيين بلا ضحك، وبلا صوت.. تفتقر للمفردات الذكية وتخلو من اللمحات الطريفة.
يضحك الفرنسيون وهم صامتون، كما يفتح البرادعى فمه، ويقول كلامًا «بلا معانى». يُتقن البرادعى للآن، حديثًا يبدو حُلوًا مُزَوّقًا، يُخفى سموم الأفاعى، ويقصد به (فى الغالب) محاولة تربُّح جديدة فى حلقة اعتادها مرتزقة السياسة وتُجّار الكلام الفارغ.
يُحاول البرادعى صيدًا جديدًا فى ماء عكر، بوصلات غزل لإدارة أمريكية دخلت البيت الأبيض توًا، لكن لا الظروف الآن هى ما كانت عليه قبل 2011، ولا مصر هى مصر التي كانت قبل 2011، ولا خريطة السياسات والتوازنات والقدرات المصرية فى الإقليم هى نفسها التي كانت عليها المنطقة فى 2011.
عادته ولا هيشتريها؟
ليست المرة الأولى التي يرغى فيها البرادعى ابتغاء مرضاة الأمريكان. ليست الأولى التي يلوى فيها أذرع الحقيقة، ويغلوش على الواقع بمفردات اعتادها، فيحاول القفز على الحبال، ويتعمد السير على خطوط مُعلقة فى أسقف سيرك السياسة لعله يجد مكانًا فى إحدى فقرات ما بعد منتصف ليل الربيع العربى.
منذ ظهوره عام 2010 للآن، يزحف البرادعى على بطنه مخافة أن يظل فى مقاعد المتفرجين.
لا يعرف البرادعى أن خطاياه وآثامه فى حق الوطن قد لفظته حتى من مقاعد المتفرجين.
( 2 )
يظل المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية شخصية كارتونية أقرب إلى رسومات رؤساء العصابات فى قصص الأطفال.
يعرض البرادعى نفسه من جديد.. يرفع يده لإدارة بايدن: أنا أهو. يحاول الدخول من باب سبق ودخل منه من قبل.. لكن على سذاجة رؤساء العصابات فى قصص الأطفال، لا يدرك البرادعى أن الأقنعة سقطت، وأن الظروف تغيرت، وأن الشارع أصبح أكثر وعيًا. لا يُدرك أن مفردات التغيير على طريقته لم تعد تنطلى على أحد بعد أن أتت بالإخوان، وبعد أن قادت دولًا إلى التقسيم، وبعد أن قتلت شعوبًا.. وأراقت الدماء على حوائط شوارع مدن على خريطة الشرق الأوسط.. أصبح فيها الاستقرار والأمان فى خبر كان.
على كل.. من عادات السذاجة تبع رؤساء العصابات فى قصص الأطفال عدم القدرة على الفهم، وعدم القدرة على الاعتبار.
يتغير مفهوم التغيير لدى البرادعى حسب الظروف وحسب الهوى، وحسب الجالس فى المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض. عام 2010 طرح البرادعى للمرة الأولى أحاديث التغيير، فى إطار ما سمى وقتها بالجمعية الوطنية، فى مرحلة تبين بعدها أن ما قصده بالتغيير وقتها لم يكن إلا مرادفًا لتسهيل وصول الإخوان إلى قصر الاتحادية.
خدع البرادعى الشارع بأحاديث مضللة بعدما زغلل الإخوان عينيه بثمار اكتشف فجأة أنه لم يجنها.
فى العام 2013 عاد البرادعى بنفس أحاديث التغيير، فى مفارقات مختلفة، بدا من أبرزها أن الرجل الذي كان يدعم الإخوان ضد جيش مصر وشعبها فى 2012، كان هو نفسه الذي قال إنه انضم إلى جانب شعب مصر وجيشها لطرد الإخوان باسم التغيير عام 2013. وكان هو نفسه الرجل الذي عاد وأعلن استقالة دراماتيكية عام 2014 دعمًا لمعتصمى إخوان الإرهاب فى رابعة.. دعمًا للتغيير أيضًا!
يُتقن البرادعى اللعب على الحبال.. هذا صحيح.. لكن مشكلته بينه وبين نفسه أنه لا يستطيع الاستمرار لجنى الثمار!
فى عالم السياسة، فارق كبير بين الساسة وبين ألعاب الصغار، فارق كبير بين أفكار وتهويمات على تويتر، وبين استراتيجيات حقيقية لتقرير مصائر دول وبلاد وعباد، والدخول بالأوطان إلى حقول التنمية والاستقرار .
لا يُدمن البرادعى إلا سياسات «الكى بورد». صدّق الرجل نفسه.. ويبدو أنه ما زال يُصدق أنه كان واحدًا من أيقونات ما سُمّى بالربيع العربى، مع أن أنجح تجار العملة لا يوصفون بالأيقونات.. وأحرَف القتلة لا يصفُهم عاقلٌ بالرموز.
هل صحيح أن الألعبان لم يفطن للآن أنه لم يكن إلا واحد من عرائس ماريونيت، يُحرك من أعلى، ويستغل من أعلى، ويُلعب به من أعلى.. كى يظهر على خشبة المسرح بألوان مُزركشة غير ملابسه، وأصوات غير أصواته.. وقسمات وجه لطّخَته الأصباغ.. تمهيدًا لدخول المنطقة دائرة الخراب؟
( 3 )
يظل محمد البرادعى أكبر تاجر صفقات للأوطان فى سوق روبابيكيا ابتكره دعاة التغيير قسرًا ورغمًا عن الشعوب فيما يسمى بالربيع العربى، فتاجروا بالمواطن، واسترزقوا بالشعوب، وعقدوا صفقات مع الشيطان. لذلك تظل السياسة عند هؤلاء مواسم، ويظل الكلام هلوسات، ولا تخرج شعاراتهم عن حدود الإدمان.
مشكلة البرادعى للآن فى نفسه.. وأزمته هى نفسه. مازال تجار الروبابيكيا يحاولون للآن أن يحشروا أنفسهم وسط جماهير رفضتهم، وشعوبٍ لفظتهم. لذلك يبقى مقال البرادعى الأخير محاولة ضعيفة لإعادة إحياء ألعبان.. بدفعه إلى أعلى الشجرة من جديد، لكن مَن غيرُ الله يُحيى العظام وهى رميم؟
دخل البرادعى مرحلة التحلل الرمى؟.. ويُكابر، لا تُجدى مع تلك المراحل أقراص الأنتابيوتك، ولا حقن المضادات الحيوية، لا يقوم الموتى إلا بمعجزات الأنبياء والأولياء والقديسين. لا يقوم الموتى بمقالات.. ولا تُعاد الجثث للحياة بالكلام ابن عم حديث.
يعرف البرادعى أنه ميت.. ويكابر، يعرف أنه شبع موتًا.. ويعافر، يعرف البرادعى أن الناس قد علمت أن مفرداته غير خالصة، وأن تخرصاته ظاهرة لكنه يغالط، كما يُغالط بقايا الإخوان.. ويُكابرون.
يعى الألعبان أن الظروف كلها تغيرت، ويعرف جيدًا أن الشارع العربى قد فطن ما كان يدور تحت الترابيزات، وما كان يجرى خلف كواليس ما يسمى بالربيع العربى فى مكتب الإرشاد وفى البيت الأبيض زمان.. لكنه أيضًا يُكابر.
كما لو أن الكلام عند الألعبان اسطمبات بلاستيكية على أرفف مكتبه الأنيق على أطراف العاصمة النمساوية فيينا. يأخذ البرادعى من اسطمباته ما يُناسب الوقت والظروف، ويتعامل مع شعاراته كما يتعامل مع الكرافتات، وساعات اليد المُذهبة، لذلك تظهر مقالاته كما تويتاته، محاولات يائسة للتذاكى السياسى.. لا يخرج منها خاسرًا إلا هو، وبمزيد من الأقذار على الساعة، وبمزيد من الأوساخ على الكرافتة.
كيف لم يفطن الرجل للآن، إلى أن الأوساخ تعدت ساعته الذهبية، وأن الأقذار تخطت كرافتاته الشيك إلى كيانه كله، فصار الألعبان نموذجًا لتاجر أوطان بامتياز.. توارى فلم يعد يراه أحد، لأنه كان طريقًا لأكبر محاولات الخراب؟
من مجلة صباح الخير