فن الدبلوماسية .. الدبلوماسية الاقتصادية وأدوات تنفيذها
الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة النموذجيَّة تُعَدُّ مفتاح رفاهيَّة الشُّعوب، وأدواتها ليسَتْ بإقامة المؤتمرات والنَّدوات المبالغ بها دُونَ نتائج على الأرض بوقتٍ قصير، ومن أهمِّ أدواتها هي القيادة الرَّشيقة، أمَّا كثرة البحوث والمؤتمرات والتَّحليل ودراسة الجدوى الاقتصاديَّة الَّتي تأخذ أشْهُرًا فيُعَدُّ ذلك من معوِّقات الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة أو بالأحرى اللّغم الَّذي سوف يفجِّر ويُنهي كُلَّ شيء بسبب عقليَّة بعض المسؤولين والموارد البَشَريَّة غير المؤهّلة بصورةٍ مهنيَّة وأكاديميَّة، وأنَّ المستثمرَ سوف يغادر هذا البلد أو الجهة بسبب البيروقراطيَّة المَقيتة.
في إحدَى الدّوَل العربيَّة (أتحفَّظ على ذِكْرِ اِسْمِها) أُعطيتْ صلاحيَّات لرئيسِ الهيئة لِتَشكيلِ خليَّة عملٍ علميَّة لدراسة كيفيَّة إنتاج الخلايا النَّسيجيَّة كان ذلك عام 2002م، وخلال أقلَّ من ستَّة أشْهُرٍ وبكفاءات وطنيَّة أكاديميَّة بحتة، ولا يزيد عددهم على أصابع اليَدِ حقَّقوا طفرةً علميَّة تُنافس الدوَل الكُبرى وذلك بإنتاج أنواع الأنسجة البَشَريَّة، ولولا الظُّروف الخاصَّة لذلك البلد لكان الآن من الدوَل المُتقدِّمة في هذا المجال، ويَجني بذلك ثمار الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة واضعًا الموارد النِّفطيَّة بالمرتبة الثَّانية أو الثَّالثة؛ لأنَّه كاد يتحوَّل إلى دَولةٍ صناعيَّة عظمى؛ بسببِ تنفيذِه بدقَّة جميع مفردات وأدوات الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة.
الجامعات البريطانيَّة المُتخصِّصة بالعلوم السِّياسيَّة والعلاقات الدّوليَّة تَعُدُّ الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة الحجر الأساسَ لَهُما، وهذه النَّظريَّات أعتمدتْ في ستينيَّات القرن الماضي بعد أن أدخلتْ عَلَيْها بعض التَّعديلات، من ضِمنها عقليَّة وكفاءة الموارد البَشَريَّة، إدارة الوقت (التَّكتيك والاستراتيجيَّة)، مفاهيم البروتوكول والإتيكيت الحكومي والاجتماعي، القيادة الرَّشيقة ومركزيَّة القرار، البيئة الاستراتيجيَّة المحيطة، أيديولوجيَّات العمل الاقتصادي ومفردات الدَّخل القومي، الموارد الطَّبيعيَّة والاقتصاديَّة.. وغيرها من الموارد المعروفة.
الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة لا تعتمدُ في أدواتها على الموارد النِّفطيَّة فقط، وإنَّما عَلَيْنا أيضًا أنْ نركِّزَ على العصفِ الذِّهني الاقتصادي لِتَخطِّي الرُّكود والرّوتين اليومي وصولًا إلى الكفاءة المُتحقِّقة ضِمْن الأهداف الاستراتيجيَّة المرسومة ضِمْنَ أجندة الأولويَّات.
كثير من الدوَل تملك موارد نفطيَّة كبيرة، إلَّا أنَّها ما زالتْ أسيرةَ الاستيرادِ لأغْلَبِ وأبسَطِ السَّلع الخدميَّة، سواء (الطَّعام، الأجهزة الكهربائيَّة، الإنشائيَّة).. وغيرها من احتياجات البلد.. وهذا يرجع إلى غياب تطبيق نظريَّة الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة وأدواتها، في حين على العكس من ذلك نرَى بعض الدوَل ليس لدَيْها أيُّ موارد نفطيَّة، ولكن لدَيْها فائضٌ تجاري ومالي ضَخم، ولم نسمعْ أنَّها استضافتِ المؤتمرات أو النَّدوات عَبْرَ وسائل التَّواصُل الإعلامي المرئي أو المسموع؛ لأنَّ أهمَّ أدواتِ الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة هو مهارة مركزيَّة التَّخطيط والتَّنفيذ والمتابعة والصَّلاحيَّات والمهام بعيدًا عن ديمقراطيَّة القرار، وانتظار مبدأ التَّصويت من هذا المجلس أو ذاك. لذلك القيادة المركزيَّة عَلَيْها أن تعملَ ضِمْن خليَّة عمل نموذجيَّة والَّتي تعرف قِيمة الوقت (الثَّانية والدَّقيقة والسَّاعة) وليس دراسة جدوى تأخذ أشْهُرًا وموافقات رسميَّة وحلقات إداريَّة مُعقَّدة هنا وهناك وآراء شخصيَّة مرتبطة بالماضي، وبعيدة كُلَّ البُعد عن الطَّفرات التكنولوجيَّة المُتحقِّقة.
يُعَدُّ والدنا جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ حامل راية الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة بكُلِّ اقتدار ضِمْنَ الإمكانات المتوافرة؛ وذلك من خلال الزِّيارات الرَّسميَّة (زيارة دَولة) لبعض الدوَل، ومِنْها السُّعوديَّة، قطر، الإمارات، البحرين، الهند وسنغافورة وأخرى حيث استراتيجيَّة الاجتماع مع رجال الأعمال وتشكيل لجان اقتصاديَّة مشتركة وصندوق مالي استثماري مشترك بَيْنَ سلطنة عُمان وتلك الدوَل، وهذه الجهود تُعَدُّ من أهمِّ أدوات الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة؛ لأنَّها سوف تُذلِّل الكثير من الصِّعاب والحلقات الروتينيَّة الَّتي تدمِّر الاقتصاد وتأخذ به إلى قاع البحر، وليس إلى قمَّة الهرَم، وبالتَّالي يتحوَّل البلد إلى مدينٍ وليس دائنًا، وهذا ما يؤثِّر حتمًا على رفاهيَّة الشَّعب والدَّخل القومي للمواطن. وهذه الجهود الجبَّارة المبذولة من قِبل جلالة السُّلطان المُعظَّم والَّتي تأتي من خلال دراسة مستفيضة وثريَّة للواقع الحالي، وأنَّ هذه الجهود سوف تذهبُ (هباءً منثورًا) إن لم يكُنْ هناك فريق عمل نموذجي بعقليَّة القيادة الرَّشيقة والإدارة الحديثة للمتابعة، وإلَّا سوف ترجع بِنا إلى المربَّع الأوَّل وهي البيروقراطيَّة من حيثُ الهياكل الإداريَّة المختلفة والَّتي تُعقِّد الإجراءات.
ختامًا بدأتِ المدارس الدبلوماسيَّة المُتخصِّصة وبعض الجامعات البريطانيَّة العريقة بتحليل ودراسة نقاط القوَّة والضَّعف في مجال الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة الَّتي ترفدُ ميزانيَّة وخزينة الدَّولة بأعلى مستويات الموارد الاقتصاديَّة وبمختلف تفرُّعاتها، ومن أهمِّ سِماتها التَّسلُّح بمفاهيم البروتوكول والإتيكيت الحكومي النَّموذجي؛ لكَيْ يكُونَ الشَّخص الَّذي يَشغل منصبًا ما بمختلف المُسمَّيات والوظائف والمسؤول عن الملف اقتصاديًّا أن يتحلَّى ويتسلَّحَ بأهمِّ المفردات الرَّاقية والَّتي تُعَدُّ مغناطيس لجلبِ رؤوس الأموال من خلال اللِّقاءات والدَّعوات الجانبيَّة الشَّخصيَّة مِنْها أو الرَّسميَّة بعيدًا عن تبذير وإسراف أموال البلد بالمؤتمرات والنَّدوات.
دبلوماسي سابق
والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت