عاجل
الجمعة 2 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

أساطير خلق الكون في مصر القديمة وإفريقيا

دار الكثير من الحكايات والأساطير عن أصل خلق الكون في الحضارة المصرية القديمة، وفي إفريقيا قامت غالبيتها على تصورات ومعتقدات بدائية جسدها العقل الإنساني في مرحلة معينة من مراحل البشرية.



ومن أهم الحكايات في الحضارة المصرية عن أصل خلق الكون أنه خُلق من الفوضى ليأتي النظام مع الآلهة، ولذلك وجب احترام ممثلي الآلهة على الأرض كالفرعون وكهنته من رجال الدين، الأمر الذي يوضح الجذور العميقة لاحترام القوانين القادمة من السماء لدى شعوب الشرق وتقديسهم لرجال الدين.

 

ومن أساطير المصريين القدماء في مذهب التاسوع بمصر القديمة في هليوبوليس- عين شمس حاليًا- في البِدء لم يكن هناك إلا بحر هائج توجد فيه قوى الخير والشر، قوى الخير تحوي البذرة لكل ما هو حي، في حين قوى الشر كانت تقطن الحية العظيمة Apofis، لكن في لحظة ما خرج الإله آتوم Atum من أعماق البحر، رافعًا معه الأرض من رحم البحر، وفي نفس الوقت صعدت الآلهة رع لتُصبح شمسًا، ثم أنجبت رع مع الإله آتوم طفلين هما شو آلهة الهواء والريح وتفنوت التي كانت آلهة الخصب، لكن كلا الطفلين اختفى، فارسل "آتوم" عينه الإلهية لتبحث عن الطفلين وعندما وجدتهما بكى من الفرح، لتتحول دموعه إلى البشر الأوائل، ثم أحب الأخان شو وتيفوت بعضهما بعضًا ليتناكحا ويحصلا على أبناء توائم، ولتكون الأولى آلهة السماء نوت والثاني آلهة الأرض جيب، وذلك من أجل المحافظة عليهم بعيدين عن بعضهم البعض حتى لا يرتكبا الخطأ الذي ارتكبه والداهما بالزواج من بعضهما البعض، ومع ذلك كان فراعنة مصر يتزوجون أخواتهم في سبيل التشبه بالآلهة، إذ كان سائدًا أن الآلهة فقط يحق لها الزواج بالأخوة.

 

بينما تدور حكاية خلق الكون في إفريقيا حول أسطورة الكونو -Kono وتقص أن الموت هو القوة الأصل في العالم وتسبق وجود الآلهة، وعند المالوزي Malozi يبدو الرب فاقدًا للقوة التي تمكنه من السيطرة على الإنسان، أما عند الإيجو Ijaw فإن الإنسان قد قرر بنفسه مصيره الخاص قبل مجيئه إلى العالم. 

 

أما الوابانكوا –Wapangwa فإنهم يقولون بأن الأرض قد خُلقت من براز النمل، في حين يعتبر اليوروبا –Yoruba الرب مسؤولًا ومذنبًا عن التشويهات التي تلحق بالإنسان، كما أنهم يفسرون وجود أكثر من آلهة متعددة بوصفها أجزاءً مكونة للوجود الإلهي المفرد، كما تضمنت الأساطير الإفريقية الكثير من الأفكار المألوفة والمشابهة لتلك التي وردت في التراث الشرقي حيث يؤمن اليوروبا -Yoruba بأن الماء خُلق قبل اليابسة، ويؤمن الفانك -Fang بأن هناك خليقة أصلية قد لُعنت ودُمرت ليس بالماء ولكن بالنار، ويقصدون هنا الجن، كما أنهم يؤمنون بوجودٍ منحدر من النعمة الإلهية، وهو يقوم كخصم للرب ممثلًا في الشيطان. 

 

وغالبية الحكايات الإفريقية تتبنى الفكرة القائلة بأن الإنسان كان في الأصل يعيش في انسجام هو أقرب إلى الرب (مثل قصة البيني–Bini  حول (السماء المنبسطة قريبًا من الأرض)، وبسبب من خطأ الإنسان نفسه فإن تلك العلاقة الحميمة آلت إلى الخراب، أما المالوزي -Malozi فلديهم قصة تذكرنا بقصة برج بابل– حيث يحاول رجل أن يصل إلى الرب بواسطة بناء برج عال في السماء. 

 

أما آكل الفاكهة المحرمة فيظهر بين الايف Efe وكثير من الشعوب تؤمن بخلق الإنسان من طين، وتتضمن أسطورة الأوباتالا لليوروبا فكرة الخلاص من خلال المعاناة القائمة في الفكر المسيحي، ويمتلك الوايانكوا من تانجنيكا مفهومًا شديد التعقيد والتجريد، بأن الكلمة كانت هي القوة الأولية الباعثة على الخلق. 

 

وفي بعض الحالات يبدو التشابه بين تلك الأساطير والميثولوجيا التوراتية مثيرًا للدهشة، إلى الحد الذي قد يدفع المرء إلى التشكيك بوجود تأثير للإرساليات والبعثات التبشيرية، وعلى سبيل المثال فإن قصة الفيضان أو الطوفان موجودة عند الإسكيمو، ليبدو التأثير الشرقي المباشر على تلك المنطقة وكأنه مسألة لا تقبل الجدل، ثم إن ازتيك المكسيك بنوا أهرامات بالرغم من أنهم لا يمكن أن يكونوا على اتصال بمصر، ما يؤكد توارد الأفكار والمعتقدات بين كثير من الشعوب القديمة، والملاحظ في تلك الحكايات تضمنها لبعض الأفكار الدينية الإسلامية عن بدء الخلق، مثل الأكل الشجرة من المحرمة، ووجود الشيطان الذي أغوى البشر، كما تشابهت الحكايتان المصرية والإفريقية رغم تنوع الأخيرة بتعدد القبائل، ويبقى القاسم المشترك بينهما فكرة تعدد الآلهة واقتسام الوظائف والمهام فيما بينهم، فضلًا على الصراع بين الآلهة، والانفصال والاتصال.

 

وكانت فكرة أصل الكون من أهم أفكار العقل البشري التي جسدتها ميثولوجيا الشعوب من خلال الحكايات والأساطير على مدار تاريخ البشرية. 

 

الباحثة الأنثروبولوجية- كلية الدراسات الإفريقية العليا جامعة القاهرة  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز