
روايات المؤرخين العرب عن مملكة "قبائل التكرور"

د. ياسر حنفي محمود
"التكرور" اسم أطلقه البربر على مدينة كبيرة تقع على الضفة اليسرى لنهر السنغال، وحرفه المؤرخون الفرنسيون إلى "توكولور"، وقد وصف القزويني هذه المدينة بأنها مدينة طيبة مشهورة، وينقسم أهلها إلى قسمين: قسم حضر يسكن المدن، وآخر رُحل يسكنون البوادي، كما أطلق اسم التكرور على المملكة التي قامت في الضفة اليسرى لنهر السنغال، وكانت مدينة التكرور مقرًا لحكامها، كما أطلق أيضًا على الشعب السوداني الذي سكن حوض نهر السنغال وأقام تلك المملكة.
وقد حدث خَلْطٌ عند العديد من الجغرافيين والمؤرخين المسلمين في مؤلفاتهم وكتاباتهم بين مصطلحي بلاد السودان الغربي وبلاد التكرور، ومنشأ هذا الخلط يرجع إلى: عدم زيارتهم تلك المناطق، وقلة المعلومات الواردة عنها، وعدم وضوحها بالشكل الذي يؤدي إلى تحديدها بدقة.
ومصطلح "التكرور" أصبح مع تعاقب العصور يطلق على كل سكان بلاد السودان الغربي، التي تشمل المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي غربًا إلى بحيرة تشاد شرقًا، والتي يُطلق عليها الآن غرب إفريقيا، ويسجل العمري في منتصف القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، أن أهل مصر أطلقوا على بلاد السودان الغربي سكان التكرور، وفي القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي ألف محمد بلو وهو من كُتَّاب غرب إفريقيا كتابًا أسماه "إنفاق الميسور في ذكر بلاد التكرور"، وكان يقصد ببلاد التكرور كل الغرب الإفريقي، ويخالف هذا التحديد الجغرافي ما ورد عند كل من البكري والإدريسي، وقد أصاب هذان الجغرافيان حين ذكرا أن مدينة التكرور أو المملكة التي كانت عاصمتها هذه المدينة تقع على الضفة اليسرى لنهر السنغال، وقد تنبه العمري لهذا الأمر وفرَّق بين ما يقصده العوام وبين التحديد الجغرافي الصحيح للبكري والإدريسي، فذكر أن عامة أهل مصر يطلقون بلاد التكرور على كل سكان مملكة مالي التي حكمت السودان الغربي 1230-1390 ميلادية، لكنه يقول أيضًا: إن التكرور إقليم من أقاليم بلاد السودان الغربي "غرب إفريقيا"، وهكذا أُطلق مصطلح التكرور على قبائل من السودان.
وقد وطن ابن خلدون "التكرور" في منطقتين مختلفتين، إحداهما شرق مدينة كوكو والأخرى غربها، وهذا التوطين هو الأرجح في رأي بعض المؤرخين.
ومدينة التكرور التي حدثنا عنها البكري وهو يسجل كتابه سنة 1068 ميلادية كانت في ذلك الوقت مملكة صغيرة، وقد تطورت كثيرًا واتسعت في القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، ومن خلال كتاب الإدريسي المتوفى عام 1164 ميلادية أصبحت مملكة إسلامية ذات أهمية من الناحية السياسية في بلاد السودان، وامتد نفوذها جنوبًا في اتجاه مناجم الذهب قرابة أربعمائة كيلومتر، وعلى هذا الأساس أصبحت مدينة بريسي خاضعة لسلطانها.
أما عن إسلام قبائل التكرور فلم يأت الثلث الأول من القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي- أي قبل قيام الحركة المرابطية- إلا وأسلم ملك التكرور ويدعى ورجابي بن رابيس، وأصبح الدين الرسمي لمملكة التكرور في عهد هذا الملك الذي توفي عام 1040-1041 ميلادية، ويذكر البكري أن أهل التكرور في عهده كانوا كلهم مسلمين.
والراجح أن إسلام شعب التكرور قد سبق إسلام الملك ورجابي، ويرجع ذلك لمجاورتهم مناطق استقرار قبائل المرابطين في الصحراء، فقد وصلت مناطقهم إلى الضفة الشمالية لنهر السنغال.
وتؤكد المصادر التاريخية أن سكان التكرور تعرفوا على الإسلام واعتنقه البعض منهم في فترة مبكرة قد ترجع إلى القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، عقب الحملة التي قادها حفيد عقبة بن نافع، القائد حبيب بن أبي عبيدة الفهري، عام 734 ميلادية، والتي تجاوزت الصحراء إلى أن وصلت إلى بلاد السودان، ونعتقد وصولها إلى بلاد التكرور، كما نعتقد أيضًا تسرب الإسلام السلمي إلى تلك البلاد منذ بدايات القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، وقد أثمرت جهود الدعاة والتجار المسلمين في انتشار الإسلام بين بعض سكان التكرور.
وقد عاصرت مملكة التكرور مملكة غانة، وكانت المملكة الأولى لا تقل عن المملكة الثانية من الناحية السياسية، لكن يميز الأولى أنها كانت أسبق في الإسلام، فحاكم التكرور أسلم في الثلث الأول من القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، أما مملكة غانة فقد طرقها البكري الذي كان يدون كتابه في الثلث الثاني من القرن الخامس الهجري وحاكمها كان وثنيًا.
كما خضعت مملكة التكرور لسلطان مملكة مالي الإسلامية، ومصدرنا في هذا العمري 749 هجري/ 1349م)، والذي أشار إلى أن مملكة مالي كانت تضم أربعة عشر إقليمًا من بينها إقليم التكرور التي انتقلت تبعيتها بعد انهيار مملكة مالي إلى مملكة صنغي، وريثة مالي في السودان الغربي.
مدرس التاريخ والحضارة الإسلامية – جامعة الأزهر