عاجل
الأحد 4 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

"رجال التماسيح".. حكاية قبائل البمباره الإفريقية

قبائل البمباره الإفريقية
قبائل البمباره الإفريقية

يُطلق اسم "بمباره" على القبائل المنتشرة في المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي وحتى منحنى نهر النيجر، وهي تسمية مرادفة للكلمة العربية "كافر" أي غير المسلم، وهذه التسمية تحريف لكلمة "بامانا" وهي اسم لغتهم التي يتحدثون بها وتعني "الصخرة ذات النُتُوءات الحادة، ويُعد شعب البمباره من فروع ماندنجو الشمال المعروفين بماندي تان Mandi- tan))



 

 

 

 

 

 

وقد وقد ذكر المؤرخ الفرنسي "بازين" (Bazin) أن اسم البمباره مشتق من كلمة "رجال التماسيح"، إلا أن الجغرافي الفرنسي "اليسي روكولوس"Elisee Reculus)) يبين أن كلمة بمباره تعني "رجال الصخر الكبير"، حيث يقول إن موطنهم الأصلي هو الجبال الجنوبية الكبرى، وأنهم لم يسكنوا ضفاف نهر بوخوي إلا عندما اضطرتهم الحروب إلى ذلك.

 

 

 

 

ونتيجة لاختلاط البمباره بغيرهم من الشعوب والقبائل وخاصة قبائل الفلاني تغيرت ملامحهم الجسمانية، فهم دائمًا أقوياء البنية وتمتزج لديهم النواحي الدينية والدنيوية، وكان يرأس كل عشيرة من عشائر البمباره شخص منتخب يتولى السلطتين الدينية والدنيوية، ويُعرف باسم "دوجوتيجي" أو "سيد الأرض".

 

 

وكانت تعيش هذه القبائل في قرى صغيرة تمتد من الضفة اليمنى لنهر النيجر الأعلى أي من مرتفعات سيجيري (Siguiri) حتى الضفة اليسرى من أعالي منطقة باجبي (Bagbé) التي تبدأ منها أراضي شعب السينوفو، ولهذا فإن موطنهم يضم أيضًا نهر باولي (Baoulé) وإقليم واسولو (Ouassoulo) من الجنوب، وتمتد مجالات البمباره إلى المجرى الأسفل لنهر السنغال، وبذلك فإن أراضيهم تشكل مثلثًا قاعدته إلى الشمال وزاويته إلى الجنوب، وتعيش هذه القبائل حاليًا في أغلب بلاد السودان الغربي، غير أن الأكثرية توجد في جمهورية مالي الحديثة، على شكل عشائر وأسر كبيرة.

 

 

كما سكنت ثلاث عشائر تنتمي لقبيلة البمباره بعض القرى الزراعية، أشهرها قرية تدعى يَنْعَ Yanaa وكانت الحرفة الرئيسة لأهلها الزراعة، وقد سيطر جيش منسا موسى 1312– 1337 ميلادية عليها، وأصبحت هذه القرية تابعة لملك مالي واتخذهم أسرى، لكنه أبقاهم في فلاحة أراضيهم مقابل ضريبة قدرت بأربعين ذراعًا من المحصول كانت تدفعها الأسرة سنويًا، وعندما تمكنت أسرة سني التي حكمت مملكة صنغي من السيطرة على معظم أملاك مالي قامت تلك القبائل بفلاحة الأرض مقابل أداء الضريبة المقررة عليهم لأسرة سني حتى نهاية عهده في 1464- 1492 ميلادية، وإذا فسدت الزراعات كانت تفرض عليهم غرامات.

 

 

ويتميز البمباره بالبشرة شديدة السواد، وتكسو ذقونهم لحية كثيفة ولهم قامة متوسطة لكنهم أقوياء جدًا، إلا أن عشيرة كورباريس (kourbaris) ظلت تمثل النموذج البمباري الحقيقي الذي لم يختلط بأقوام أخرى، وكان البمباره يتصفون بقلة تحضرهم وميلهم للعدوانية بسبب انعزالهم وعدم تعاملهم مع غيرهم، بالإضافة إلى قوة بأسهم وشدتهم التي جعلت منه أقوامًا محاربين، وقد استخدموا النبال في حروبهم وكان يتقنها رجالهم ونساؤهم على حد سواء، كما يتكلم البمباره لهجة قريبة من لهجات كل من الديولا والمالنكي التي تنتمي إلى اللغة الماندية، لكنها تختلف كثيرًا عن لهجات الصوصو والسونينكي، وبدرجة أكثر من لهجة الفلاني.

 

 

ونتيجة للصراعات السياسية والقبلية الداخلية في منطقة السودان الغربي، ظهرت دويلات قبلية صغيرة، وكان منها انقسام قبائل البمباره إلى دويلتين، هما: سيغو، وكارتا، اللتين تعاونتا في فرض نفوذهما على جماعات الفلاحين على طول مجرى نهر النيجر، وعلى القبائل المجاورة التي تم إخضاعها بالقوة، وما لبثت أن وقعت الحروب بين الدويلتين بسبب الاختلاف على غنائم الحروب، وكان للكهنة قدر كبير من السلطة الروحية والعقائدية، وأخذوا يستخدمون الطلاسم والتعاويذ التي ترجح كفتهم في الحرب، بل إن أحد الملوك خلال هذه الحرب ويدعى "ماري" أراد إقامة حصون حول عاصمة دولته، واستدعى الكهنة لهذا الغرض، فأشاروا عليه بضرورة دفن ستين شابًا وستين شابة بكرًا أحياء تحت الحصون قبل إنشائها، بهدف إرضاء الآلهة، وحتى تكون الحصون قادرة على حمايتهم من هجمات الأعداء.

 

 

-مدرس التاريخ والحضارة الإسلامية – جامعة الأزهر

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز