وليد طوغان
الإخوان هم الإخوان
فى شوارع مصر احتفل السوريون بسقوط نظام بشار الأسد.. على مواقع التواصل قلبوا الدنيا، وأطلقوا الهاشتاجات.. لكن يقال إن ليس كل ما يلمع ذهبًا.
قل على نظام بشار الأسد ما تقول.. لكن على كل الأحوال، فإن الدول لا تقيمها الجماعات المسلحة، ولا تقوم بها الميليشيات.
مهما قال الإسلامويون فى سوريا.. فإن القادم لابد أن ينظر إليه بحذر شديد. التجارب السابقة شواهد.
طالبان فى أفغانستان، جبهة الإنقاذ فى الجزائر، الحوثيون فى اليمن، والثورة الإسلامية فى إيران.
تجارب أخرى على الخريطة أشارت وبالثلث إلى أنه أولًا: لا عهد ولا ميثاق للإسلامويين أو الإخوان، وثانيًا: أن الأصل هو صدام حاد لا بد أن يحدث بين الإسلامويين وبين مجتمعاتهم.
لمّا جاء الإخوان إلى مصر وعدوا المصريين بالمن والسلوى.. وعدوا بأنهار العسل، والألوف المؤلفة من قناطير اللبن.. لكنه لم يحدث.
بالعكس.. قتلوا المصريين فى الشوارع، وحاصروا المحاكم، وحرقوا أقسام الشرطة، واستهدفوا القوات المسلحة، ولعبوا ألعابًا قذرة بالقوانين والدستور.. وأصدروا مراسيم دستورية كانت أشبه بممارسات كيد النساء.
(1)
لم يئن الأوان للفرحة فى الشوارع، فالدول، مرة أخرى، لا تحدد مصائرها من على مواقع التواصل. الأيام القادمة لا بد أن يكون فيها الحذر شديدًا.. خصوصًا أن سوريا جريحة، جسمها مسجى، مفتوحة القلب على سرير فى غرفة عمليات.. فى فترة عصيبة من حياتها.
ثلاث وقائع ذات دلالة الأسبوع الماضى توضع فى الحسبان. ثلاث وقائع ممكن اعتبارها إشارات لما سوف يطرأ فى الداخل السورى الأيام المقبلة.
أولًا: فى اجتماع محمد البشير رئيس الحكومة الجديد، لوحظ فى الخلفية وجود علمين.. الأول علم الدولة السورية، والثانى علم الفصائل مكتوبًا عليه «لا إله إلا الله محمد رسول الله».
ثانيًا: ظهرت كل مذيعات ومراسلات القنوات التليفزيونية بغطاء رأس تقليدى فى كل المقابلات التليفزيونية مع أحمد الشرع، وقالت الصحافة السورية، إن الشرع رفض أكثر من مرة استقبال المذيعات من دون الحجاب.
ثالثًا: حديث الحكومة الجديدة عن حل الجيش السورى، وحل أجهزة الأمن السورية، وكل ما كان من مؤسسات فى عهد بشار الأسد.
الملاحظات الثلاث لها دلالات.. والدلالات إشارات.. والإشارات عناوين لما هو آت. وفى العناوين الخلاصة. وفى الخلاصة إفادة.
علم الحكومة الإسلامى هو علم الفصائل المسلحة، أو هو الشعار الرئيسى لجبهة النصرة قبل أن تتحول أسماؤها ومسمياتها.
العلم كان دلالة على توجهات الحكام الجدد، لذلك أثار قلق كثيرين ممن يأملون فى مستقبل من الاعتدال والتسامح.
قبل سنوات، وقبل أن يغير محمد الجولانى بدلته الغربية، ويشذب ذقنه ويقول إنه منفتح على الجميع، سبق وقال إنه: «لن يكون هناك مكان للأقليات الدينية فى سوريا الإسلامية»، وهو نفسه الذي قال إنه «سوف يصدر الإرهاب للغرب ما لم ينسحب الغرب من حروب الشرق الأوسط».
صحيح غير الجولانى اسمه، وأعاد صياغة هويته، وقص لحيته، وارتدى زيًا مختلفًا، وتبنى خطابًا يبدو منه التسامح مع الأقليات فى سوريا.. لكن ظل علم جبهة النصرة شعارًا معتمدًا.. كتبوا فيه الشهادتين.. وصدّروه فى دوائر الدولة، ونصبوه فى اجتماعات الحكومة.
رؤية علم بميول إسلامية جهادية، فى أروقة السلطة السورية يضع الكثيرين فى حالة من التأهب بشىء من التشاؤم مما يأتى.
قال مراقبون، إن ظهور علم الفصائل المسلحة فى الخلفية باجتماع الحكومة، لم يكن خطوة حكيمة، أو هى لفتة ربما مرت على هؤلاء الحكام الجدد فى سوريا، لأنه فى حقيقة الأمر يعكس أصول الفصائل التي كانت فى إدلب، وهى الفصائل التي يبدو أنها مهما قالت عن الآخرين وحقوق الآخرين وأن سوريا للجميع.. سوف يظهر سريعًا أنها لن تفى بتلك الشعارات.
لاحظ أن هيئة تحرير الشام، ظلت لسنوات تعرف نفسها صراحة بأنها إسلامية، وسوف يكون من السذاجة الشديدة اليوم، أن يتصور البعض، بأنها بمجرد دخولها دمشق، فإنها سوف تتخلى عن أيديولوجيتها.. وتنفتح على الجميع.. وتقبل الجميع، فى الوقت الذي يشترط مكتب الجولانى على مراسلات القنوات الأوروبيات ارتداء غطاء الرأس فى حضرته.
(2)
فى تشكيل الحكومة السورية الجديدة رسائل سلبية كثيرة.
محمد البشير على رأس الحكومة رسالة سلبية أهم فى سياق آخر.
تشكلت الحكومة السورية الجديدة من شخصيات موالية، وعلاقة البشير بجماعة الإخوان المسلمين ثابتة. أغلب أعضاء الحكومة، جاءوا من إدلب.. أو من حكومة إدلب، التي لم تكن تدير فى السنوات الماضية إلا قطاعًا واحدًا من قطاعات الأراضى السورية، وفى ظروف لم تكن تؤهل لوصفها بحكومة حقيقية.
تسيير الأمور فى بلدات وأجزاء من المحافظات، يختلف عن إدارة دولة.
الدولة السورية كبيرة، على القطاع الجغرافى لسوريا مساحات مترامية، تضم عرقيات وإثنيات وطوائف مختلفة.
الحكومة الجديدة حكومة إخوان مسلمين، أو هى حكومة على الهوى الإخوانى، فلا هى كما قالوا حكومة للجميع، ولا هى حكومة لكل السوريين.
خلوها من أى ممثلين للأحزاب والمكونات الأخرى وعلى رأسها الائتلاف السورى المعارض دليل.
مرة أخرى.. الحكومة عنوان، وفى عناوين سابقة فى ليبيا وفى أفغانستان وفى السودان تذكرة وعبرة.
كلها تجارب وصل فيها الإخوان للحكم بالشعارات ليظهر بعد قليل أن الإخوان هم الإخوان، وأن الإرهاب هو الإرهاب.
التجربة المصرية دلالة كبرى.. فعندما استولى إخوان الإرهاب على الحكم، ظهر أنهم أصحاب ميول إقصائية إلى أبعد مدى.. استباحت فيه كل شىء.. حتى دماء الأبرياء.
سوريا الآن على مفترق الطرق.
فترة تحول تاريخى بامتياز.
وهى على الحافة الآن بين طريقين، فإما إعادة تماسك الدولة بمؤسسات قادرة على إقامة مشروع وطني شامل وحقيقى، وإما الانزلاق نحو مزيد من الفوضى.
حتى الآن.. الخيار الثانى هو الظاهر.. أو هو ما يبدو فى الأفق. القادم، كما يبدو فى سوريا لا يبشر.
أبرز خسائر سوريا هو الجيش، والجيوش الوطنية هى فى كل الأحوال أبرز العوامل المؤثرة فى استقرار البلدان واستمرار الدولة على شكل الدولة.
الحديث عن جيش وطني قوى، يظل حديثًا محوريًا فى الكلام عن المستقبل السورى.
تقوم الدول أول ما تقوم على مبدأ السيادة الوطنية. الجيوش الوطنية أول مبادئ تلك السيادة الوطنية وفق ذلك المفهوم.
فى غياب الجيش السورى، سوف تتنازع الفصائل المسلحة، على المناطق، وعلى المكاسب، وعلى مناطق النفوذ.
الحفاظ على مؤسسات الدولة، ومؤسسة القوات المسلحة على رأسها، هى جزء لا يتجزأ من مفهوم سيادة الدولة.
لكن فى سوريا قالت الحكومة الجديدة إنها تبحث فى إعادة هيكلة مؤسسة الجيش، بعد حلها.. ودمج ميليشيات الفصائل بسلاحهم فى جيش جديد.
لم تنجح أبدًا تجربة.. حاول فيها بعضهم، تشكيل جيوش من مرتزقة فى فصائل مسلحة، بعد حل الجيوش الوطنية!