رشاد كامل
نصيحة رئيس تحرير جريدة روزاليوسف لكامل الشناوى!
عن ذكريات «كامل الشناوى» مع روزاليوسف السيدة والجريدة والمجلة كتب يقول: فى عام 1935 كنت محرراً فى روزاليوسف لم يكن لى عمل محدد، أحيانا أسهم فى تحرير الصفحة الأدبية وصفحة الشباب وأحياناً أكتب التعليقات الساخرة الخفيفة، وأحيانا أحرر باب «من أدب القرآن» وهو باب كنا نستغله فى معارضة الحزب الذي كانت الجريدة تنتمى إليه دون أن نقول إننا معارضون.
وكنت إلى ذلك الحين لا أكتب مقالات تحمل اسمى، كنت أدخر ظهور الاسم لأكتب موضوعا جديدا أو حديثا فيه شيء جديد وفكرت أن أنشر عدة أحاديث مع بعض رجال السياسة اللامعين واخترت للحديث الأول «حافظ رمضان باشا» رئيس الحزب الوطني وكان إنسانا ذكيا واسع الثقافة والأدب والتاريخ وبرلمانيا خطيرا!
وذهبت إليه فى بيته ووجهت إليه أسئلتى ودونت إجابته بأمانة ودقة وحملت أوراق الحديث إلى الأستاذ «محمود عزمى» - رئيس التحرير - والفرحة تكاد تقفز على ملامحى فقد استطعت أن أفعل شيئا وإذا برئيس التحرير يقول لى: هذا مقال بقلم « حافظ رمضان» وليس حديثا صحفيا، أنا أريد حديثا يقوم على الحركة الأخذ والجذب بينك وبينه، ووصفا لتلقيه السؤال وكيف يبدو وهو يجيب عنه.
ثم فتح «محمود عزمى» درج المكتب ورمى فيه بالأوراق، وخرجت من عنده وأنا أجرجر قدمى من الإحساس بالفشل، وفكرت أن أتراجع عن مهنة الصحافة ولكنى جمعت كل قلبى وعقلى وتأملت خطوط وملاحظات رئيس التحرير، وفكرت فى ضرورة البدء على هداها فى إعداد حديث صحفى خطير.
وعاودت الحديث مع «حافظ رمضان باشا» وكتبت حديثه مرة ثانية ونجحت إلى الدرجة التي كان« محمود عزمى» يدرس أحاديثى الصحفية على طلبة معهد الصحافة آنذاك وكان الفارق بين أن أتراجع وبين إقدامى على التجربة هو أننى عرفت لماذا فشلت ودفعنى إحساسى بالفشل إلى إعادة التجربة.
وحكاية أخرى لا تقل أهمية يرويها الأستاذ الكبير« يوسف الشريف» -رحمه الله -فى كتابه الممتع والمهم «كامل الشناوى آخر ظرفاء ذلك الزمان» فيقول: ذات يوم كتب كامل الشناوى مقالا سياسيا طالب فيه بعودة الدستور -دستور سنة 1923 -الذي ألغاه رئيس الحكومة إسماعيل صدقى باشا وكانت وزارة« نسيم باشا »قد وعدت بإعادة الدستور ولكنها تلكأت فى البر بوعدها، وبدأ كامل مقاله ببيت قديم من الشعر هو : «كلما قلت غداً موعدنا ضحكت هند وقالت بعد غدٍ»!!
وقدم كامل الشناوى مقاله للدكتور «محمود عزمى» وقرأه ثم دار بينهما هذا الحوار: ما دخل هند فى عودة الدستور؟
أجاب كامل: هذا شعر جميل يقرب المعنى!
قال محمود عزمى: الشعر يصلح للغناء ولكنه لا يصلح لمعالجة الموضوعات السياسية، ومقالك فى غاية القوة والوضوح والاستشهاد بالشعر يضعفه!
قال كامل: ولكن هذا البيت سهل الفهم، فقال له محمود عزمى: نصيحتى لك ألا تستشهد فى المقالات السياسية إلا بأقوال السياسيين الذين تناقشهم أو تنتقدهم أو توجههم وألا تعتمد إلا على المنطق والوثائق والإحصائيات.
ولم يقتنع كامل الشناوى بهذا الرأى -فى ذلك الحين - وانتزع من مقاله بيت الشعر وهو فى غاية الألم، ولكنه لم يحاول بعد ذلك أن يستعين بالشعر فى مقالات السياسية!
وللذكريات بقية!