عاجل
الخميس 12 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
الإرهاب عندما يتَلوّن

الجولانى.. متطرف يسعى للديمقراطية بالذبح والمقابر الجماعية

الإرهاب عندما يتَلوّن

 الإرهاب هو الإرهاب. 



الإرهاب سم زعاف.. أقوى من السيانيد.. هو يتحين الفرصة ويتوغل ويتسرسب فى العروق.. ثم يفجر الجسم من الداخل.. بحجة الله ورسوله.. أو بحجج الديمقراطية وحقوق الإنسان.. وحق المواطن. 

بعد التمكين.. أثبتت الشواهد أن الإرهاب يقتل المواطن، ويقضى على حقوق الإنسان.. باسم الله وبسنة رسول الله. 

يظل الإرهاب أسود من قرون الخروب، حتى لو ارتدى البدل الأنيقة، وشذب اللحى.. وشد شعر ما فوق الذقن والجبهة. 

تسقط الدول بالإرهاب، وتسقط الدول بسقوط الجيوش الوطنية. تسقط الدول من الداخل أيضًا، إذا بلع الداخل طعم الإرهاب، وصدّق حيله وألاعيبه.

يُسقط الدول أبناؤها، إذا كان الوعى الوطني عندهم لغوًا.. وإذا صدّقوا أن الإرهاب قد يتعاطى مع الجميع، أو أنه راغب، بعد التمكين، فى التعامل مع الجميع.. وقبول الجميع.. ومنح الحرية للجميع.

لم يحدث هذا من قبل. فى مصر هدم الإخوان الكنائس، وحرقوها، وتكلم بعضهم عن إعادة الجزية على غير المسلمين، وبعدها قتلوا المصريين فى الشوارع، وأمسكوا بالسلاح وضربوا الناس فى الشارع بالرصاص، وسعوا لإسقاط الدولة، ومؤسساتها، فى الطريق لأخونتها. 

لا يمكن أن يصدق أحد أن الإرهاب حل.. أو أنه واحد من الحلول، لكن فى الولايات المتحدة، للآن، هناك من يعتقد أن من فصائل الإرهاب من يمكن أن يقدم ما يسمونه «إسلام معتدل». 

لم يحدث أن قدم الإرهاب تجربة واحدة لإسلام معتدل.

لا فى الجزائر.. ولا فى اليمن، لا فى إيران، ولا فى أفغانستان. إخوان الإرهاب فى مصر كانوا دليلًا.. وإشارة.. واللى ما يشوفش من الغربال.

(1) 

فى الإعلام الغربي يصفونها بالفصائل المسلحة فى سوريا.. وفى إعلام آخر يسمونها المعارضة.

لا هى معارضة، ولا هى مجرد فصائل مسلحة.. هم مرتزقة إرهابيون متطرفون، و أبو محمد الجولانى متطرف شديد البراجماتية، وهو قاتل محترف، ارتكب المجازر فى السابق ضد كثيرين منهم المسيحيون والشيعة، قبل أن يعود اليوم فى ملابس عصرية ويقول إنه لا يعادى لا هؤلاء ولا هؤلاء. 

أبو محمد الجولانى عاد إلى الظهور الفترة الأخيرة فى نموذج بارز للإرهابى عندما يتلون، ويتغير، ويمارس التضليل والخداع من جديد. 

 ظهر الجولانى بشكل مختلف، من دون غطاء رأس ولا جلابية.. تكلم مع الأمريكان، بعد أن كانت جماعته تصف أمريكا بالعدو والشيطان، ظهر على شاشة «سى إن إن».. وبدأ أحاديث عن حرية الشعوب، وعن أياد ممدودة للتعامل مع الغرب. 

أعاد إعلام الغرب الكرة.. اليوم يصف الإعلام الغربى أبو محمد الجولانى بقائد الفصائل المعارضة، فيما كانت الولايات المتحدة بالأمس هى التي رصدت 10 ملايين دولار لمن يدلى بمعلومات تقود إلى اعتقال الإرهابى أبومحمد الجولانى.

يخضع الشعب السورى الآن لعملية تزييف وعى شديدة.. سواء من فصائل الإرهاب، أو من إعلام الغرب. فى سوريا وعلى الأرض، فإن ما يحدث لا هى ثورة شعبية، ولا هى انتفاضة اجتماعية، ثم إن الفصائل المتقدمة على الأرض ليست هى الشعب. 

الجارى على الأرض فى سوريا، تقوده تنظيمات متطرفة مسلحة، جاءت بالسلاح من تركيا والولايات المتحدة، لتنفيذ مخطط أُنفق عليه ملايين الدولارات، وتدربت تلك الفصائل على مستويات عالية فى الخارج بملايين الدولارات أيضًا. 

المسألة ليست فى إسقاط الأسد بادعاء أنه الرئيس فاقد الشعبية.. الخطة هى إسقاط الدولة السورية، وإنهاء ما يسمى بمحور المقاومة اصطلاحًا، فى الطريق للتقسيم، وفى الطريق لتغيير المعادلات على الأرض فى الشرق الأوسط.

واضح أن هوجة الربيع العربى مثل الكوليرا، ميكروب باطن، يتحين الفرص، ويتحين الظروف وينتظر على أحر من جمر الضعف فى أجسام الدول، لأن الضعف إذا حل، حلت البلاوى والمصائب والكوارث على الشعوب. 

واجهت الدولة السورية، حرب استنزاف منذ العام 2011، خلال الأعوام الماضية، كان الهدف الأول إضعاف جيشها وقدراتها وتشكيك الناس فى الجيش وفى معنى الدولة، وتشكيك الناس فى مفهومها، ومفهوم الوطن وتشكيكهم فى مفهوم الاستقرار. 

حدث نفس السيناريو فى العراق.. سقط صدام حسين، بحجج تبين أنها لم تكن كلها صحيحة، ومع صدام سقط النظام، وسقطت الدولة، ودخل العراق طوال السنوات الطويلة الماضية رحلة بات يبحث فيها المواطن عن وطن، وسعت فيها الدولة دون جدوى للتوصل إلى دولة!

سقط العراق، عندما حلت قوات التحالف جيشه الوطني، وجاءت بالمرتزقة، وألبستهم رداء القوات المسلحة، وسلمتهم السلاح، فبات فى البيوت دبابات، وفى الحقول آر بى جى، وخرجت العرقيات تعلن عن نفسها، وتستحوذ على المناطق، فصار للكلدان ضياع، وأصبح للسريان مناطق نفوذ، وسيطر الشيعة هنا، وتمسك السنة بهناك.. وتحول بعض العراق إلى أراض فارسية، وبعضها كردى، وبعضها يبحث عن من يحكمه بسطوة وضع اليد! 

فى سوريا، كما فى العراق، تجرى حروب بالوكالة، فى محاولات تخريب ممنهجة للدول والمنطقة كلها، حيث تعاد رسم الخرائط، وأكثر من يعانى من إعادة رسم الخرائط هى شعوب تبحث عن الاستقرار وتبحث عن التنمية، قبل أن تدخل دوامات البحث عن وطن.

(2)

لا يمكن فصل أحداث سوريا عن الخريطة التي تحدثوا عنها فى إسرائيل بعد السابع من أكتوبر. 

فى إسرائيل توعدوا بتغيير موازين القوى وتغيير منطاق النفوذ السياسى والعسكرى فى المنطقة.

بعد ضربات موجعة للنفوذ الإيرانى فى لبنان، خرج حزب الله مؤقتًا من الخدمة.. لم يبق فى سوريا إلا حفنة من روح إيران، فى وضع كان يكفى لأن يكون فرصة لأن تبدأ أحجار الدومينو فى التساقط. 

لم يكن من الممكن أن تلوح أفضل من هكذا فرصة لتظهر تركيا المنافس الإقليمى لإيران، وتعمل على إحلال نفسها محل النفوذ الإيرانى. 

ضربت تركيا بالحذاء اتفاقات استانا، غضت الطرف عن اتفاق سوتشى.. لا يمكن أن يصدق عاقل أن ما يجرى على الأراضى السورية سببه الوحيد رفض نظام الأسد التطبيع مع أردوغان.

تبقى نكتة.. لو صدقت هذا. أو هى الطرافة الكبرى لو تعللت تركيا بتلك الحجة. الأمر أكبر.. والأمور على درجة أعلى من التعقيد. 

الجارى أحداث جسام، ليست فقط هى محاولة لإعادة ترتيب المعادلة السياسية فى المنطقة، إنما هى محاولة أكبر لفصل سوريا عن إيران، فى مصالح ظاهرة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما تمنح تركيا نفسها تطمينات عملية على الأرض، ومساحات مطلوبة فى أنقرة منذ زمن.

(3) 

هل يمكن أن يكون الجولانى.. وهو على تلك الهيئة، وبذلك التاريخ، وبتلك السوابق حاكمًا لدولة؟

هل يمكن أن يصدق أحد أن الجولانى زعيم المرتزقة الأجانب بديل ديمقراطي؟ 

الإجابة: لا يمكن ولا يتصور وغير معقول وغير منطقى.

أبومحمد الجولانى، الذي عاد لاسمه القديم الآن أحمد الشرع.. إرهابى من الطراز الأول. لا يعرف الإرهاب ولا التطرف معنى الديمقراطية، ولا ماذا يعنى حكم الدول، ولا يعرف هؤلاء ماذا تعنى مؤسسات الدول ولا كيف يمكن حكم الشعوب.

البدل الغربية لن تغير من سيرة الجولانى شيئًا. وحتى لو كتب على وجهه اسمه الجديد: أحمد الشرع، فإن محمد الجولانى.. صاحب اللحية الكثة المخيفة سيبقى هو الجولانى، أو أوس الأنصارى.. الذي كان يأكل الخراف بيده فى بطون الجبال، كما أكل «الإخوان المسلمون» على أراضي قصر الاتحادية.. بالبدل والكرافتات.

أحمد الشرع نموذج للحرباء. لا تدخل الحرباء الجنة، وأغلب أهل النار منها. مر الجولانى بمراحل مختلفة، تعددت فيها انتماءاته، وتغيرت فيها مع تعدد الانتماءات الولاءات. 

أحمد حسن الشرع (أبو محمد الجولانى) من الجولان.. وتنتمى عائلته للمرتفعات المحتلة، لكنه قضى فترة من حياته فى أحد الأحياء الراقية بدمشق.

هو من أسرة ميسورة، عمل والده فى مجال النفط فى السعودية، المعنى أنه لم يعان فى طفولته فقرًا ولا حرمانًا. 

يقول متابعون إنه كان منطويًا فى طفولته.. وزاد من عزلته أنه أحب فتاة علوية رفض الأهل بشراسة، من أهله السنة، ومن أهلها الشيعة.

ربما هذا ما جعله يشب من مراهقته على كره الفصائل السورية، خصوصًا «العلويين».. وكان هذا ربما مرة أخرى سببًا مهمًا فى تطرفه الدينى.

لجأ الجولانى إلى المساجد، وعرف عناصر من الإخوان المسلمين وبعض عناصر من حماس فى مسجد الإمام الشافعى فى سوريا. 

مع احتلال العراق، وبداية ظهور تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، دخل من سوريا إلى العراق وانضم إلى جماعة سرايا المجاهدين، ثم دخل فى جماعة أبومصعب الزرقاوى فيما بعد.

اعتقل الجولانى حوالى 6 سنوات فى العراق، وفى السجن تعرف على قيادات متطرفة منها أبوبكر البغدادى. 

بعد مقتل أبو مصعب، تولى أبوبكر البغدادى قيادة التنظيم، وفى هذه الأثناء قامت ثورة فى سوريا عام 2011، وبدأ الجولانى فى الظهور، واستخدم حيلته فى التقرب من صديق السجن القديم.. للحصول على منصب قيادى.

أقنع الجولانى صديقه البغدادى فى العمل على تأسيس فرع للتنظيم فى سوريا، ثم عاد عبر الحدود العراقية إلى سوريا. 

بعد مراحل، غير الجولانى الاتجاه بجبهة النصرة، التي كانت تابعة وقتها لتنظيم الدولة وغير اسمها إلى «جبهة تحرير الشام»، وأعلن مبايعته للقاعدة. 

بعد فترة، انشق عن القاعدة، وبدأ فى تقديم نفسه على أنه قائد معارض فى سوريا. 

فى مسيرته لم يتخل الجولانى عن السيف، حتى ولو بدا أنه يعتد بالرأى الآخر، فعندما بدأ الحوار مع باقى الفصائل المسلحة فى الشمال السورى، كان يقتل من يخالفه. 

بعد فترة، دخل الجولانى مرحلة أخرى، فتخلص من كبار معاونيه، مثل أحمد سلامة مبروك، وطارد وسجن قيادات القاعدة وجماعة حرّاس الدين المرتبطين بالظواهرى، مثل أبى همام السورى، وسامى العريدى وقتل العديد منهم.

ويقال إنه كان يقتل بالعشرات، ويحفر المقابر الجماعية، بلا صلاة على الكفرة المعارضين!

فى إدلب، شكّل الجولانى حكومة إنقاذ، وأجبر الفصائل المتطرفة الأخرى على الاندماج فى هيئة تحرير الشام.

وبعد سنوات، كانت هيئة تحرير الشام قد ضمت أكثر من 26 تنظيمًا مسلحًا، وآلافًا من المرتزقة.

اليوم يتكلم الجولانى عن الديمقراطية.. ويرتدى بدلة غربية.. وكرافتة.. ويظهر فى السى إن إن!

نقلاً من مجلة صباح الخير

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز