بين إقبال الشباب ومحاربة الظروف.. حاضر الفن التشكيلي في مصر
أروى رافت
عرف المصريون الفن التشكيلي منذ العصور القديمة، حيث عكست تماثيل الملوك والخاصة واللوحات المصورة والمحفورة مفاهيم فنية هدفت لخدمة طقوس الآلهة والملوك والموتى.
وارتبطت الفنون المصرية القديمة، مثل النحت والرسم والنقش، ارتباطًا وثيقًا بالهندسة المعمارية، حيث استخدمت لتزيين المعابد والمقابر وكانت التماثيل بين أهم علامات الفن المصري القديم، ولعبت دورًا رئيسيًا في تمكين الروح من التعرف على ملامح المتوفى في الدار الآخرة. واستمر تأثير الفنون المصرية عبر العصور، حيث تأثرت الحضارة القبطية والفنون الإسلامية بالتقاليد القديمة، مما أدى إلى تطور وتنوع الفنون في مصر على مر العصور.
النهضة الفنية الحديثة في مصر
ارتبطت النهضة الفنية الحديثة في مصر بمجموعة من العوامل والاعتبارات التي صاغت الفكر والوجدان معًا، حيث تعاظم الشعور الوطني العام وحدثت عملية تحديث وتنوير عميقة بحثًا عن الذات والهوية الحضارية لمصر فكانت النهضة في الفنون، خاصة الفن التشكيلي، جزءً من النهوض الثقافي العام وأحد وسائل التعبير عن الشعور الوطني. وكان للفنانين التشكيليين دور لا يقل أهمية عن دور رواد التنوير الفكري في حركة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتأكيد الهوية الوطنية. ومن بين هؤلاء الفنانين محمود سعيد، محمود مختار، يوسف كامل، راغب عياد، ومحمد ناجي.
ثم توالت في مصر ظهور العديد من الجماعات الفنية التشكيلية التي ساهمت بشكل كبير في عرض ونشر الفن التشكيلي المصري ففي عام 1928 تأسست "جماعة الخيال" برئاسة المثال محمود مختار، تلتها "جماعة هواة الفنون الجميلة" بالإسكندرية عام 1929، و"المجمع المصري للفنون الجميلة" برئاسة محمد صدقي الجباخنجي عام 1932 ثم ظهرت "رابطة الفنانين المصريين" في العام 1936، وفي الأربعينيات "جماعة الفن والحرية" التي ضمت روادًا مثل فؤاد كامل ورمسيس يونان وجورج حنين وفي عام 1948 تأسست "جماعة الفن الحديث" بمشاركة فنانين بارزين مثل جمال السجيني وصلاح يسري ومحمد حامد عويس، وفي عام 1950 تأسست "جماعة لاباليت" من قبل رواد مثل محمد حسن وراغب عياد.
وفي عام 1953، تأسست جماعة "أتيليه القاهرة" من قبل محمد ناجي وراغب عياد، وهي الجماعة التي استمرت في ممارسة نشاطها الثقافي والفني وأصبحت معلمًا إبداعيًا عالميًا. وفي عام 1964، تأسست "جماعة فسيفساء الجبل" على يد الفنان عمر النجدي، وفي عام 1981 تأسست "جماعة المحور" من أربعة فنانين هم: أحمد نوار، عبد الرحمن النشار، فرغلي عبد الحفيظ، ومصطفى الرزاز. جميع هذه الجماعات ساهمت بوضوح في تشكيل ملامح حركة الفن التشكيلي المصري المعاصرة والتعريف بها على نطاق واسع.
حال الفن التشكيلي وتوجهات الشباب
حدثنا د. عادل مصطفى، الفنان التشكيلي والمدرس بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية عن رويته للفن التشكيلي في مصر حيث يقول د. عادل لبوابة روزاليوسف أن الفن التشكيلي يشهد نهضة كبيرة، خاصة مع الاهتمام المتزايد بالسوق الفني في الوطن العربي لكن التكلفة المرتفعة للخامات الفنية تمثل تحديًا كبيرًا للفنانين. كما يلاحظ د. عادل أن طلاب الفنون يتجهون غالبا نحو مجالات أخرى بحثا عن المكاسب المادية السريعة، ولكنه أوضح مدى أهمية الاستمرارية والتضحية لتحقيق النجاح في الفن التشكيلي فهو فن يحتاج صبر وجلد للوصول الى نتيجة مرجوة.
وأشار د. عادل مصطفى إلى أن اهتمام الشباب بالفن التشكيلي يحتاج إلى دعم وتوجيه مستمرين فرغم توفر الخامات ودور العرض، تواجه المواهب الناشئة تحديات مادية وإدارية قد تعرقل مسيرتهم الفنية كما أوضح أن السوشيال ميديا تلعب دورًا مزدوجًا، إذ تسهم في نشر الأعمال الفنية على نطاق واسع، لكنها قد تؤدي أحيانًا إلى التركيز على التفاعل بدلاً من الجودة الفنية لذا، يحتاج الشباب إلى تشجيع مستمر لتطوير مهاراتهم والتغلب على العقبات التي تواجههم في مشوارهم الفني.
دور المعارض في التوعية بالفن التشكيلي المصري
وأوضح عمرو سليمان، منظم المعارض والمحلل الفني، لروزاليوسف أن هناك تحولات كبيرة في الإقبال على المعارض الفنية في مصر خلال السنوات الأخيرة. فقد كان هناك اعتقاد شائع أن الفن التشكيلي والمعارض الفنية يرتبطان بالفئة العمرية فوق الخمسين، ولكن منذ عام 2014، شهدت مصر إقبالاً متزايداً من الشباب على حضور المعارض. ويرجع ذلك إلى الانفتاح المتزايد عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، مما جعل الناس تتعرف على أنواع الفن المختلفة بسهولة. رغم ذلك، أشار سليمان إلى أن الضغوط الحياتية والمسؤوليات جعلت الشباب يجدون صعوبة أكبر في زيارة المعارض بانتظام كما كانوا يفعلون قبل عامين.
وتحدث سليمان عن دور المعارض في التوعية بالفن التشكيلي المصري، مشيرًا إلى أهمية ثلاث مراحل رئيسية مرحلة ما قبل المعرض التي تتضمن التجهيز والتوعية بالفنان وأعماله، ومرحلة المعرض نفسه حيث يتم عرض الأعمال الفنية والتفاعل مع الجمهور، وأخيرًا مرحلة ما بعد المعرض التي تعتبر الأهم في تكوين الوعي البصري والفني لدى الجمهور.
وأكد سليمان أن الفنانين يجب أن يكونوا قادرين على توصيل رسالتهم الفنية بوضوح، خاصة أن نسبة كبيرة من الجمهور قد لا تمتلك ثقافة بصرية تمكنها من فهم الأعمال الفنية بشكل كامل. لذا، يجب على الفنانين بذل جهد أكبر في شرح أعمالهم بطريقة تصل إلى جميع الفئات العمرية والخلفيات الثقافية.
دور الدولة في الاهتمام بالفن التشكيلي والفنانين
وأوضح د. عادل بدر المسؤول في وزارة الثقافة لروزااليوسف، أن الوزارة تقوم بجهود كبيرة لدعم الفن التشكيلي في مصر من خلال قطاعاتها المختلفة مثل قطاع الفنون التشكيلية وقطاع صندوق التنمية الثقافية وهيئة قصور الثقافة. وتشمل هذه الجهود توفير منح التفرغ للفنانين، وتنظيم معارض جماعية وفردية، وتقديم جوائز في مسابقات مثل صالون الشباب والمعرض القومي العام. كما توفر الوزارة دعمًا لوجستيًا من خلال تقديم الدعاية اللازمة والمطبوعات للفنانين.
وأشار د. بدر إلى أن الدولة تسعى لتعزيز التواصل بين الفنانين المصريين والعالميين من خلال استضافة معارض لفنانين أجانب، والمشاركة في فعاليات دولية وأضاف أن مراكز الإبداع وقصور الثقافة تلعب دورًا مهمًا في نشر الفنون التشكيلية وتقديم ورش عمل للفنانين الموهوبين، بما في ذلك ذوي الاحتياجات الخاصة، مما يساهم في تعزيز الوعي الفني والثقافي في المجتمع المصري.