عبد الرحمن رشاد
الوعى بخطاب اقتصادى جديد
اللبنة الأولى فى بناء الوعى بالخطاب الاقتصادى لدى الفرد تتشكل ويشعر بها وجدانيا وعقليا عندما يشعر بالحاجة للطعام والشراب، وهنا يدرك أن للطعام والشراب قيمة والقيمة لها ثمن.
الثمن يدفعه الإنسان للحصول على القيمة وهو ما يصفه علماء الاقتصاد بالألم الحدى.
حاجات بشرية تتزايد بنمو البشر ومطالب تنمو مع عرض وندرة وهذه هى المشكلة الاقتصادية التي تبدأ فرديا ثم تتجمع وتتكتل لتصبح سلوكا جمعيا ثم سلوكًا دوليا، وكل دولة تسعى لحل المشكلة الاقتصادية بالعمل، بالأرض، برأس المال، ثم التكنولوجيا، حتى وصلنا إلى الحل بالذكاء الاصطناعى.
يقول الفيلسوف الكندى تشارلز تيلور: لا تحتاج أن تكون سياسيا محترفا أو مفكرا لتدرك حجم الظلم وعدم الرضا، والغضب الذي يجتاح العالم، الثروات تتراكم فى يد فئة قليلة موجودة فى عدد محدود من البلدان على حساب أغلبية تعانى صراعاً بين تطلعاتها المتزايدة نتيجة ثورة الاتصالات ومفاهيم القرية الكونية وقدراتها المحدودة على تغيير أحوالها.
الرجل من كندا، التي تعد واحدة من الدول السبع الصناعية الكبرى التي تتحكم باقتصاداتها فى مصير العالم، ولم يذكر الأرقام التي تدلل على صدق وجهة نظره.. وفى كتابه مصادر الذات ينبه على ضرورة أن يدرك فقراء العالم وذوو الدخول المتوسطة أنهم لا بد أن يساعدوا أنفسهم أولا قبل أن ينتظروا مساعدة أغنياء العالم، لا بد أن يعود لهذه الشعوب الوعى بضرورة تغيير خطابهم الاقتصادى وتحديد أولوياتهم بإحياء ذاتهم المنتجة ودوافعهم نحو الاستغناء عن معونات الآخرين التي هى الخطوة الأولى للسيطرة على قراراتهم ومصائرهم.
هل خفت صوت العمال مع تقدم التكنولوجيا؟
فى مصر صوت العمال خفت ليس بسبب تقدم التكنولوجيا وإنما لأسباب أخرى منها التحول الاقتصادى شديد السرعة من رأسمالية الدولة إلى انفتاح غير رشيد (وصفه الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاءالدين بأنه سداح مداح).
فتضاءل دور العمال فى المعادلة الاقتصادية بعد عام 1977 واشتد عود سوق الاستيراد وسماسرة السوق، وكان تأثيرهم أشد وأكثر توحشا من الأيدى العاملة ومن قيم العمل القائمة على الجهد العضلى والفعلى وابتدع العقل الاقتصادى المصري مصطلحات جديدة مثل الخصخصة والتصفية والبيع للشركات والقطاع العام.
وعندما يمارس الرئيس السيسي عملية تجديد روح الأمة فهو يمارس عملية إحياء لقيم كادت أن تندثر وتختفى وأظن أن من أهم هذه القيم التي يجب أن يعود الوعى بها وممارستها وسلوكها قيم العمل وقيم الإنتاج، والإحياء ليس معنى وحديث فقط، وإنما مبنى ومعنى وأحدث مثال على ذلك فى الأيام القليلة الماضية إحياء صناعة السيارات فى مصر بعودة الروح إلى مصنع السيارات كصناعة مصرية واعدة، ويسألنى أحد ويقول: هناك مشكلة عمرها عشرات السنوات وقاموس موروث بعمرها.. أقول: بالإرادة التي يليها عمل نغلق صفحات هذا القاموس أو نعدّل المفردات التي تحول دون التقدم نحو هذه القيم: قمم العمل والإنتاج لتدحض قيم السمسرة والتربح دون عمل والسبوبة دون أى قطرة عرق.
والرئيس فى خطابه الأخير فى آخر احتفال بعيد العمال هذا العام وجّه عدة رسائل للعمال للنهوض بالأيدى العاملة ودعا لمناقشة قانون العمل لتحقيق التوازن المنشود بين العمال وأصحاب الأعمال، كما دعا لتطوير منظومة تدريب العمال لمواكبة التغيير المتسارع فى تكنولوجيا الصناعة، ودعا إلى تدريب الشباب وذلك بإنشاء العديد من المدارس والجامعات التكنولوجيا، لا بد من الوعى باستراتيجية وطنية متكاملة ومتوازنة تجمع العمال وأصحاب الأعمال بالالتزام وبالشراكة لعودة الصناعة المصرية رافدا مؤثرا فى الخطاب الاقتصادى المصري.
وإذا كنا نتحدث عن هذه الاستراتيجية فلابد أن يكون للنساء العاملات دور فيها، ولا بد من إنفاذ القانون بتحقيق الحماية القانونية للعمال وأصحاب الأعمال على السواء.
إذن ماذا عن العمال فى الخطاب الاقتصادى؟ إذا كان الخطاب الاقتصادى يعنى تفعيل المنتج الصناعي وعودة العمالة إلى التصنيع فإن العمال صوت مهم للغاية فى المعادلة المجتمعية فى مصر، وبالتالى يعود الوعى وتعود المعرفة بدورهما الرئيسى فى القطاع الصناعي مثلا الغزل والنسيج صناعة مصر الأولى منذ رائد الاقتصاد المصري الحديث طلعت حرب كيف يمكن لعمال هذه الصناعة المساهمة والمشاركة فى عودتها لهيبتها بعد هذا الأمل وهذا العمل وهذا الرافد الرافض بالتجديد من جانب الدولة لكل قواعد هذه الصناعة بدءا من العودة لزراعة القطن المصري طويل التيلة إلى تحديث آلات المصانع، هنا يجب أن يعود العمال لوعيهم بأهمية العودة وإنتاج منتج قادر على المنافسة فى الداخل والخارج.
لقد تشارك صنايعية الوطن منذ أن عرفت مصر الصناعة فى القرن التاسع عشر، هؤلاء الصنايعية هم أصحاب العمل، والأسطوات من العمال فى بناء العديد من الصناعات فى مصر لأنهم وعوا أن العمل مقوّم رئيسى من مقومات الحياة، وحرمان الناس من العمل وحق العمل هو حرمان من أبسط حقوق الإنسان.
الخطاب الاقتصادى المصري لا شك أنه يعمل على حل المشكلة الاقتصادية، ولحل هذه المشكلة وفق أسس علمية لا بد من حوار مجتمعى كما حدث فى المؤتمر الاقتصادى للسبيل لبنيان اقتصادى بأعمدة ثلاثة:
الإنتاج والعمل والتصدير من جميع القطاعات.
وبأسس مبنية على الأرض ورأس المال والعمل.
يأتى بعد ذلك الوعى والإعلام بهذا الخطاب وفيه.
يجب الابتعاد عن عمومية الخطاب الاقتصادى بل تعميقه وإيجاد شراكة حوارية عميقة تدور حوله، وأن يكون للأرقام فيه نصيب والمثال على ذلك: المشروعات القومية وحياة كريمة وما تم إنجازه فيها.
لأن الأرقام فى الحياة الاقتصادية لا تكذب، لا يجب التركيز أو تكرار وإلحاح بطرف واحد من العملية الاقتصادية وإغفال الشراكة لأطراف أخرى فى العملية الإنتاجية.
فهناك حديث يتكرر عن الاستثمار دون الحديث عن دور العمالة والمواطن المنتج صاحب المشروع الصغير.
فأطراف الخطاب الاقتصادى هى الاستثمار (رأس المال والعمال والأرض التي تملكها الدولة) هذه هى المعادلة التي تنتج وتصل إلى المجتمع والعالم وهى الفاعلة التي يجب أن يركز عليها خطابنا الاقتصادى ويشكل وعى المواطن باقتصاد بلده، ووعى الإعلام بدوره العميق فيها.
نقلاً عن مجلة روزاليوسف