عاجل
الجمعة 27 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

د. حسام الإمام يكتب: "المهرجانات"؟ 

د. حسام الإمام
د. حسام الإمام

د. حسام الإمام يكتب: "المهرجانات"؟ 



التقط صديقي جهازه المحمول وهو يشير لي بيديه أن أنتظر! بدا لي أنه سوف يفجر مفاجأة مثيرة، فوجدته يدير ما يطلق عليه مهرجان، ثم بدأ يبتسم وابنه إلى جانبه يضحك، وأنا أجلس أمامهما لا أفهم أي شيء! سألني هل تسمع؟ هل تعرف ما هذا؟ قلت نعم هذه هي المهرجانات التي يتحدثون عنها، وتوقفت قائلًا: عفوا أنا لا أفهم الكلمات، ماذا يقول؟ ضحك صديقي وصاح: والله العظيم أنا أيضًا لا أفهم شيئًا، لكن انتظر، والتفت إلى ابنه الذي أدرك مرادنا منه فبدأ يردد كلمات عجيبة غريبة لا معنى لها ولا ترابط بينها. رددها وهو ينظر إلينا متعجبًا من هؤلاء العواجيز المتأخرين سنوات ضوئية عن الأمر، لماذا تتعجبون هكذا؟ هذا هو واقعنا الذي نشأنا عليه، ما الخطأ في ذلك؟ أليس لكل جيل خصوصياته؟

قلت للفتى: على فكرة أنا أدرك تماما ما يجول بخاطرك، هي سنة الحياة يا بني، لقد اختلفت من قبل مع أبي عندما وجدته يستمع إلى أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش، واستمعت إلى عبد الحليم والحجار ومنير، وكان أبي لا يفضلهم، لكنه لم ينكرهم، كان معجبًا بأصواتهم وأدائهم وألحانهم وكلماتهم، لكنهم لم يرضوا ذوقه، وأنا أيضًا استمعت إلى ما استمع هو إليه، صحيح لا أستمع إلى أم كلثوم في كل وقت، لكنني من المستحيل أن أنكر تفوقها وتميزها. لكن ما تستمعون إليه الآن يفتقر إلى كل شيء.

وكأنني أعطيت الأب الضوء الأخضر ليعلنها أمام ابنه بكل شجاعة، أقسم الأب بكل الأيمان أن ابنه قد أدار أحد تلك المهرجانات وهم يقودون السيارة، وظل الأب ينفعل مع ذلك الصخب حتى اصطدم بسيارة أخرى وتحطمت سيارته وكلفته مبلغًا كبيرًا.

قلت للابن: يا بني شاء من شاء وأبى من أبى، هذه "المهرجانات" أصبحت واقعا وحققت انتشارًا واسعا و"فرقعة" كبيرة، لكنها مجرد "فرقعة"، سواء بالنسبة لكلماتها أو لحنها، وقبل ذلك التنفيذ الموسيقي الميكانيكي العصبي الصاخب، وفوق كل ذلك الأداء، أو ما يفترض أن يطلق عليه غناء، نعم هي مجرد فرقعة وتأثيرها على المستمع مجرد فرقعة، كالتي حدثت لأبيك. أتفق معك يا بني أنها أصبحت بالفعل "ظاهرة" تجذب إليها الملايين، وبما يدعو إلى التساؤل عن السبب في ذلك الانتشار السريع؟ وإن كانت رديئة فهل السبب في هذا الانتشار هو انحدار الذوق العام؟ أم ماذا؟ 

الأغنية الناجحة هي عبارة عن منظومة متكاملة إذا اختل أحد أركانها كان مصيرها الفشل، واليقين المؤكد أن تلك "المهرجانات" تفتقر إلى ذلك الوصف مائة في المائة. 

الأغنية شيء والأداء الإيقاعي شيء آخر، المهرجانات تعتمد فقط على الإيقاع "الريتم". وأعتقد أن الإيقاع يعتبر كلمة السر وراء هذا الانتشار للمهرجانات، فهو بطبيعته ولصلته الوثيقة بحركة الجسم؛ قادر على جعل الناس يصفقون ويرقصون، بل ربما تصدر عنهم حركات هستيرية وفقًا لطبيعة الإيقاع وسرعته، كما يحدث في الإيقاع المستخدم في "الزار" البلدي. ودعونا نتذكر أي أغنية لأم كلثوم أو عبد الحليم أو غيرهم، عندما يبدأ الكوبليه بإيقاع "المقسوم" نجد الصالة وقد تبدل حالها إلى التصفيق والصفير مع عبد الحليم، والتصفيق الشديد مع أم كلثوم، كل ذلك الانفعال دون أن يغني أي منهما كلمة واحدة.  فإذا كانت المهرجانات ما هي إلا مجرد إيقاع فقط. فلماذا تحقق كل تلك الجماهيرية بين الشباب؟ سؤال إجابته واضحة تماما ومتكررة، تتمثل في المشهد الذي دار بين الرائعين يحيى الفخراني وجميل راتب في فيلم "الكيف"، قال جميل راتب: "ﺯماﻥ ﻛنت بغش ﺍلشاﻱ بنشاﺭة خشب ﻭأبيعه في بوﺍكي ﺷكلها ﺣلو مكتوﺏ عليها ﺷاﻱ ﺃبو ﺍﻷﺻوﻝ، ﻛسبت ﻭﺍلماﺭﻛﺔ بقالها ﺍﺳم ﻭﺳَمعت، ﻭﻓجأة ﺍلنشاﺭة غليت ﻭﺍلنجاﺭﻳن ﺍﺗملعنوﺍ، عبينا ﺍلشاﻱ من غير ﻧِشـاﺭة، ﺗعرﻑ ﺣﺼـﻞ ﺇﻳه؟ ﺍﺗﺨرﺏ بيتي ﻭﻓَلِّست، ﺍلزباﻳن طفشت ﻭﻗالوﺍ عليا غشيت ﺍلشاي.. مش بقولك مغفلين! ورد عليه الفخراني باحترافيه: هما مش مغفلين، إللي ﺯﻳك هما إللي ﻓسدﻭﺍ ﺫﻭﻗهم، عوﺩﺗوﻫم على ﺍلوﺣش لغاﻳﺔ ما ﻧسيوﺍ طعم ﺍلحلو. 

 

مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز