عاجل
الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
عاطف بشاي أديب الكتابة الساخرة ورائد الفكر التنويري وداعاً

عاطف بشاي أديب الكتابة الساخرة ورائد الفكر التنويري وداعاً

منذ عام 2006، وقت ولادة  مسلسل «السندريللا» على الشاشة عن قصة حياة سعاد حسنى، تحولت العلاقة العابرة الكلاسيكية بين المحرر الفنى الموقع أعلاه والسيناريست  الكبير إلى علاقة راسخة  بين أستاذ الكتابة الكوميدية الساخرة والتلميذ.



 أتحدث عن عملاق الكتابة الدرامية وفارس اللغة الساخرة الراحل والمفكر  الدرامى «عاطف بشاى» آخر جيل العمالقة فى كتابة السيناريو، وآخر قلم ساخر فى الصحافة المصرية من فصيلة العظماء.

 على مدار الـ18 عامًا الأخيرة لم تنقطع العلاقة؛ بل ازدادت صلابة بعد أن انتقل من خانة كاتب زائر إلى كاتب  ساخر دائم فى «روزاليوسف» يصول ويجول فى قضايا الفن والأدب مُشكلًا واجهة عظيمة وتنافسًا كبيرًا بينه وبين  عميد الكتابة الساخرة على صفحات «روزاليوسف» الراحل عاصم حنفى، وكان الكاتبان الكبيران يشكلان الأهلى والزمالك فى الكتابة الساخرة الرشيقة.

 اتسعت دائرة علاقتى بالكاتب الكبير إلى آفاق لا تُنسى كثر الحديث فيها عن الحياة والفن والكرة، فقد كان الكاتب الكبير «زملكاويًا» عتيدًا محبًا للفن والهندسة ولكنه معتدل فى تشجيعه يشاهد مباريات الأهلى، مشيدًا بانتصاراته ومنتقدًا لأخطاء مدربيه ونجومه،  وآراؤه فى العموم درس كبير لهواة التعصب والتطرف الكروى،  وفى مقاله قبل الأخير «حوار كروى» المنشور فى روزاليوسف فى 10 أغسطس الماضى  لخَّص هذه المعانى بصدق ويتحدث فيه عن أزمة التعليق الكروى على المباريات وكتب فيه:

فى الاستوديو التحليلى لأحد البرامج الرياضية والذي استضاف فيه المقدم - كالمعتاد - اثنين من النقاد الكرويين الجهابذة لتحليل تفاصيل مباراة فى كرة القدم.. واستهل البرنامج بتقرير يقدمه مراسل قائلاً: «(يمكن) أنا أتحدث إليكم  من داخل ملعب المباراة و(يمكن) درجة الحرارة تتجاوز الأربعين..ولفظ (يمكن) المتكرر هذا أصبح لازمة لغوية عبثية شاعت شيوعًا بغيضًا بين جميع المعلقين والمحللين.. وهى تتناقض تمامًا مع المدلول المقصود للجملة المطروحة وختمها بقوله:

- على العموم حتى لو طلعت ضربات الجزاء برة الشبكة .. الحكم والفار حبايبنا وحايعدوها.. انت فاهم طبعًا .. وكله منه والرزق يحب الخفية.. و«عك وربك يفك» .

 تأملوا روعة مصطلحاته وتلميحاته..هذه المصطلحات التي لازمت أيضا مقالاته الكروية والفنية والأدبية، وكانت المقالات الأدبية آخر ما كتب فى روزاليوسف فى مقاله «يوسف إدريس درة الدرر» بتاريخ 17 أغسطس الماضى وكتب فيه عن الأديب العملاق وقال:

وإذا كان بعض النقاد قد أطلقوا عليه تشيكوف العصر الحديث ولم يرحب بما تصوروه إشادة كبيرة به  فإنى أشاركه عدم الترحاب، فالحقيقة بلا منازع أنه تجاوز بموهبته الطاغية وعبقريته السامقة «تشيكوف» فما أرحب وما تحفل به قصصه وما أجمل ثراء عالمه وخصوبته وتنوعه وبراعته فى خلق شخصياته الدرامية بأبعادها الاجتماعية والنفسية والإنسانية بمهارة.. وتحليله العميق لنوازعهم وأحلامهم وهمومهم ومعاناتهم وسبر أغوارهم وتعرية مثالبهم وكشف عوراتهم.. بقدرة فائقة على اقتناص اللحظة وتكثيفها وانتقاء التفاصيل الموحية ببلاغة وطرافة.. والتقاط الصور المرئية بعين لاقطة وحس إنسانى براق.

وإذا كان يوسف إدريس قد فرض نفسه وظله الفارع على القصة المصرية القصيرة فأصبح أعظم كتَّابها منذ البداية وحتى اليوم دون منازع.. فإن السينما ظلمته بالقياس بغيره من الأدباء الكبار مثل نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس.. رغم أن إبداعاته هى الأكثر تعبيرًا عن البيئة المصرية الأصيلة.. كما أن قلمه كان يرسم الشخصيات والأجواء الاجتماعية بعبقرية... ولم تستطع السينما أن تنهل - كما وكيفًا - من بحر أدبه الفياض وعمق رؤيته للعالم الفريدة.. فلم يظهر اسمه إلا (11) مرة فقط.. منها تسع مرات عن قصص وروايات له.. لم تقدم السينما فى معظمها إبداعاته بنفس مستواها الروائى فيما عدا «الحرام» و«لا وقت للحب» و «النداهة».

مقال «بشاى» عن «إدريس»  أراه تطبيقا لرحلته فى السيناريو والحوار فقد قدم «عاطف» إنتاجًا قليلًا على الشاشة قياسًا لموهبته الكبيرة.ومن أبرز أعماله على الإطلاق: «حضرة المحترم» عن رواية لنجيب محفوظ، «لا» عن رواية لمصطفى أمين،  «فوزية البرجوازية» لأحمد رجب وهو فيلم تليفزيونى بمواصفات سينمائية وكان من ضمن قائمة أفضل 100 فيلم كوميدى فى استفتاء مهرجان الإسكندرية السينمائى، وهى القائمة التي ردت اعتباره سينمائيًا، ومعها مسلسل «يا رجال العالم اتحدوا» من تأليفه وبرع فيهما فى الكتابة الكوميدية وهذه الأعمال فى المجمل رسمت فلسفته فى الكتابة وقيم الحق والخير والجمال ورسالته التنويرية فى أعماله ومقالاته وكشف التناقضات فى المجتمع والصراعات الطبقية والتنبؤ بسقوط الطبقة المتوسطة، وبقدر تألمه بعد تجاوزه فى جوائز الدولة التقديرية فقد قتل أحزانه تكريمه بمهرجان جمعية الفيلم الأخير ودخول فيلمه «فوزية البرجوازية» قائمة أفضل 100 «فيلم كوميدى» فى تاريخ السينما المصرية .

 

فى السنوات الخمس الأخيرة مع التحول الرقمى للصحافة استجاب الكاتب العملاق وهجر الكتابة  بخط يده والنفش على الورق إلى العزف على الكيبورد لإرسال مقالاته الى روزاليوسف واستعان بابنته «نجلاء» للقيام بهذا الدور وانحرمنا من متعة القراءة بخط يده ولم نفقدها   فى القضايا التي يطرحها بأناقة على صفحات روزاليوسف .

والآن أترككم مع آخر مقال كتبه بخط يده فى روزاليوسف لتأمل جماليات خطه  ورشاقة أسلوبه  وخفة دمه وعمقه فى طرح الموضوعات.. والمقال بعنوان: «التلقين والتعليمات» ويرصد فيه آخر معارك الوعى التي خاضها وانتقاد الفكر التكفيرى والظلامى ويحذر من وجوده رغم نجاح دولة 30 يونيو فى القضاء عليه، ونشر فى روزاليوسف التي كان يعشقها بتاريخ 27 يوليو قبل شهر من رحيله الصادم لزوجته السيدة «مارى عزيز» رفيقة إبداعه والتي رسمت كل معانى الحب والوفاء العظيم لصاحب القلم الساحر والساخر والقلب الطيب.

 

نقلاً عن مجلة روزاليوسف

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز