د. عادل القليعي
الإسلام دعوة إلى المواكبة والمعاصرة والحداثة
من الشبهات الخطيرة التي ذكرها بعض المستشرقين للطعن على الدين الإسلامي، هذه الفرية: أن الإسلام يقف حجر عثرة في سبيل التقدم العلمي ويحول بين العقل وإبداعاته ونشاطاته، وأنه لا يدعو إلى التقدم والتنوير والمواكبة والمعاصرة؟!
سنناقش هذه القضية محللين إياها تحليلًا دقيقًا موضوعيًا، بداية لماذا أطلق بعض هؤلاء هذا الاتهام؟ وهل حقا الإسلام يحول دون حرية التعبير والفكر ويحجم نشاط العقل وإبداعه؟ من وجهة نظري أن حقدًا دفينًا بداخل هؤلاء وما تخفي صدورهم أكبر، هذا الحقد والحسد والكره مصدره أنه هالهم ما رأوه من تقدم في الحضارة الإسلامية على كل المستويات الثقافية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية مما أزعج هؤلاء وأرق مضاجعهم ومن ثم شمروا سواعدهم وهبوا من كل حدب وصوب يشوهون تراثنا وعلماءنا ويكيلون الاتهامات والانتهاكات من هنا وهناك منفقو الأموال الطائلة في محاولة بائسة وإن شاء الله يائسة - فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون -لضرب حضارتنا في عقر ديارنا وللأسف ببعض أيدينا ممن استهوتهم الشياطين فشغلتهم بالدنيا عن الدين وباعوا عروبتهم وحضارتهم ببضيع دراهم ودينارات - مع اختلاف العملات في كل زمان ومكان - ويبدو أنه كلما تقدم الزمن وتطورت العملات كلما كانت العمالة والاستعمال أكبر - اللهم استعملنا في قول الحق ولا تستبدلنا - ومن ثم راح هؤلاء يهيمون في كل وادٍ يستميلون الخونة والعملاء ويشترون الأقلام والذمم والضمائر، ولكن هيهات هيهات سنقف لهؤلاء ونتصدى لهم ونكشف سوءتهم ونفضح عوارهم.
أما أن الإسلام في تعاليمه وجوهره يحارب العقل في نشاطاته وإبداعاته ويقف في طريق التقدم العلمي والتقني ويدعون أهله إلى الجمود والتبعية البغيضة فهذه فرية ما أنزل الله بها من سلطان والدليل معي ونعرضه على عقولكم قبل قلوبكم أصحاب العقول النيرة، ألم يأمرنا الله تعالى بالتدبر والنظر والتأمل والاستبصار وبحث كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) (فاعتبروا يا أولى الألباب) (وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون). ثم تدبر هذه الآيات تدبرا عقليا فسماء مرصعة بالنجوم والأقمار والأفلاك من الذي دبرها ورتبها وهندسها بحيث لا تحيد ولا تميد عن الناموس الإلهي، وهل وجدت مصادفة أو اتفاقا. ثم ألم يرفض الإسلام الإمعية والتبعية ألم يحثنا الله تعالى على بناء شخصيتنا (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون).
هل تسلب شخصيتنا لو خرج علينا مثلا رجل وقال إنني رأيت رؤية أني أصلي جهة المغرب وتغير موعد الحج أو نحج بالميتافيرس هل نسير خلفه لأنه كذا وكذا لا وألف لا.
الإسلام رفض أن تكون مقلدا أو ناقلا بمعنى آخر رفض أي امتهان لعقل الإنسان بما هو كذلك. ومن مظاهر اهتمام الإسلام بالعقل أن صانه من كل ما يؤدي إلى هلاكه فنهى عن شرب المسكرات لأنها تدمر العقل. لقد جاء الإسلام هاديا للعقل في المسائل الميتافيزيقية والأخلاقية فعرفنا على الفضائل لاقتنائها والرذائل لاجتنابها. كذلك في المسائل الطبيعية تركها لنا الله تعالى وأعطانا هذا العالم الطبيعي لنمارس فيه النشاط العقلي من علوم مختلفة كالطب والفلك والموسيقى والكيمياء والأحياء وسائر العلوم الإنسانية الأخرى.
فالإسلام أعلى من قيمة العلم والعلماء (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) في الدنيا والآخرة. ثم انظروا لو أن الإسلام يحول دون حرية التعبير والفكر كان منع وحرم الاستدلال البرهاني على وجود الله ألم يقدم فلاسفة الإسلام والمسيحية واليهودية أدلة عقلية على وجود الله مثل دليل الغائية والسببية والعناية الإلهية والممكن والواجب والخلق خلق الكون كله.
أليس كل ذلك أدلة دامغة على الاهتمام بالعقل وأن الإسلام لا يقف حجر عثرة في سبيل التقدم العلمي، فالله أمرنا بعدم التوقف والثبوت في المحل بل مسايرة العصر وتقنياته وتقدمه وهذه ردودنا علي هذه الدعوى الباطلة المردودة على أصحابها التي ليس لها هدف سوى الطعن على الإسلام والتشكيك في ثوابته والله من ورائهم محيط ونحن من ورائهم محيطون.
أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان