عاجل
السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
حركات هوليوودية فى تل أبيب

هل تنهى الاغتيالات أطول حرب فى تاريخ إسرائيل

حركات هوليوودية فى تل أبيب

الصحف الإسرائيلية لم تهلل لقتل إسماعيل هنية. 



بالعكس.. زاد الحديث عن جنون نتنياهو، وعن غرور نتنياهو، وعن المغامرات التي يقودها شخص يعرف أن انتهاء ما يجرى وتوقف القنابل وإسكات البنادق ربما يلقى به إلى السجن. 

صحف إسرائيل صدرت اليوم التالى لاغتيال هنية، بمزيد من الهجوم على نتنياهو نفسه.. وعلى حكومته، وعلى قادة اليمين كلهم.

فى جيروزاليم بوست كان المانشيت: «أين أسرانا؟».. والكلام عن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس. 

نفس الصحيفة هى التي سمت الاغتيالات بالهوليوودية. 

وقصدت بالوصف، أن اغتيال هنية وشكر هى حركة من ذلك النوع الذي يمكن أن يدغدغ المشاعر، ويشفى رغبات الثأر والانتقام الشخصى. 

لكنها تظل حلمًا من أحلام الليل، تستيقظ منه فى الصباح لتجد إسرائيل نفسها كما هى، مر عليها أكثر من 300 يوم حرب فى مواجهة حماس، الحركة التي قال نتنياهو إنه سوف يقضى عليها.. وها هو إلى الآن لم يستطع أن يفعل هذا.

(1)

بعد السابع من أكتوبر تغيرت الكثير من المعطيات. 

فكرة حماس نفسها تغيرت، إذ لم تعد حماس حركة ضمن حركات ترفع السلاح فى وجه المحتل، إنما أصبحت حماس فكرة.. وضميرًا. 

صحيح الاغتيالات نوع من النجاح فى اختراقات استخباراتية، خصوصًا اغتيال هنية وما تعلق به من ملابسات. 

لكن الصحافة الإسرائيلية، مرة أخرى، اعتبرت أن تلك الاختراقات لا تخرج عن كونها نجاحات تكتيكية.. والتي هى أيضًا قد تكون فى وجهها الآخر فشلًا استراتيجيًا!

لماذا؟

لأن الحرب يتسع نطاقها، ولأن إسرائيل التي لم تعد قادرة على إغلاق جبهة غزة، رغم كل التجريدات العسكرية على القطاع، وباتت بعد مقتل هنية، وفؤاد شكر والضيف فى محطة انتظار النيران من أكثر من جبهة. 

المنطقة على شفا جرف هار.. والنيران منتظرة من كل الأماكن. 

من لبنان، ومن سوريا، من إيران ومن باب المندب.. والصواريخ منتظرة من غزة نفسها ومن الضفة الغربية.

تبعات الاغتيالات حرب أوسع، وليس من تبعاتها إيقاف الحرب فى غزة. وكل يوم يمر على حرب غزة، يخسر الجيش الإسرائيلى، ويخسر نتنياهو نفسه مزيدًا من العلامات من رصيده.

والنقاط التي يخسرها نتنياهو تكسبها «حماس»، وفى الوقت الذي لا يستطيع نتنياهو للآن إحراز هدفه الأكبر بالقضاء على الحركة، فإن الاغتيالات قد تحقق على الأرض نتائج عكسية، فتزداد شعبية الحركة فى صفوف الفلسطينيين.. وكلما زادت الشعبية زادت قوتها. 

أوهاد حيمو مراسل الشؤون العربية فى «القناة الـ12» للتليفزيون الإسرائيلى علق على الاغتيالات الأخيرة قائلًا: «حماس باتت ضعيفة هذا صحيح، وزاد ضعفها بعد اغتيال هنية والضيف، هذا صحيح أيضًا، لكن من قال إنها انتهت؟».

فى رأى أوهاد أن حماس تعلمت مما مضى كيف تتواءم مع ظروفها، ومع الأنواء، وكيف تلائم نفسها مع المقتضيات الجديدة. 

سبق وخسرت الحركة باغتيال أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسى، كانت فترة صعبة على الحركة، لكنها مع الزمن، عادت حماس مرة أخرى بطريقة فاجأت إسرائيل.

بالعكس، اتضح أن حماس جندت مزيدًا من الشباب فى صفوفها، صحيح كان الشباب أقل خبرة، لكن التجارب أشارت إلى أن هناك طرقًا مختلفة لتدريبهم، وأثبتت التجربة أيضًا أن إسرائيل كما فشلت فى القضاء على الحركة، فإنها فشلت فى أن تجعل الانتماء إليها عيبًا أو جريمة.

(2)

فى يديعوت أحرونوت، كتب آفى شيلون يكيل مزيدًا من السب لنتنياهو.

قال شيلون إن نتنياهو ليست لديه مفاتيح الحل ولا فى عقله أى نوع من الإجابات عن عدة أسئلة أولها: إلى متى يحارب؟ وأين يمكن أن ينتهى رغم كل تلك الحصص من الاغتيالات السياسية؟ 

قال شيلون إن السؤال أزمة، والأزمة المستمرة أن هناك عشرات المحتجزين لدى حماس، فى حين أن نتنياهو لم يحسم أمره بعد، فهو يمد يدًا ويقول إنه يريد التفاوض، بينما هو باليد الأخرى، يطلق النار والرصاص والقنابل، ثم يلتفت للجانب الآخر ويقول: هيا نكمل المفاوضات! 

باستثناء حرب 48، فإن حرب غزة الجارية هى أطول حرب تشهدها تل أبيب، وعلى حد ما كتبه شيلون، فإن مجرد استمرار الحرب حتى الآن هو فشل إسرائيلى بامتياز. 

فشل عسكرى، وفشل سياسى، وفشل حتى على مستويات مخاطبة الراى العام فى شوارع تل أبيب. 

فإسرائيل مهددة، وصفارات الإنذار فى المدن تدوى كل ساعة، والأسرى على حد وصف شيلون يتعفنون فى غزة، والنقب الغربى مدمر ومتروك جزئيًا، والجليل يتعرض للقصف وجزء منه تم إخلاؤه.

المعنى أن إسرائيل معزولة أكثر من أى وقت مضى، إضافة إلى أنهم يناقشون شؤونها فى المحاكم الدولية.

ويعود شيلون للحكومة، ولنتنياهو، فيصف الساسة فى تل أبيب «بالشخصيات الفظيعة» التي حكمت على الإسرائيليين بدوائر لا نهائية من الموت والثأر والكراهية. اعتبر شيلون الحرب الجارية هى الأكثر فشلًا، وقال إن الاغتيالات لن تجدى، ولن تنفع، لأنها لو كانت تنفع اليوم، لكانت قد نفعت فيما مضى من سنوات. 

يرى شيلون أن كل ما يعرفه المواطن فى إسرائيل أن هناك مجموعة من المغامرين على رأس جهاز الحكم، يديرون حربًا دون أى خطة لا على المستوى السياسى ولا الأمنى، ولا يدرون أهى مع الجنوب أم هى فى الشمال؟ ولا يعرفون من يمكن أن يجذبوه جذبًا غدًا لتضاف جبهة إلى الجبهات؟

هذا ما يتنافى تمامًا مع فكرة الأمن القومى الإسرائيلى، ويضرب عرض الحائط بكل أمنيات الأمان لدى الأجيال الجديدة ولدى الآباء أيضًا.

أما الملاحظة المهمة.. التي كتبها شيلون، فقال فيها: «لا يوجد للحرب الجارية إلا إنجاز واحد وحيد، وهو الإبقاء على عائلة نتنياهو ومساعديه ورجال البلاط ومن يتعايشون منها فى الحكم».

(3)

ماذا يحدث الآن؟ 

الإجابة ببساطة: الإقليم يشتعل.. وتنتظر إسرائيل أسوأ الاحتمالات، إذ منتظر أن يأتى الرد من جبهات عدة، وربما فى الوقت نفسه. 

إسرائيل تنتظر الرد من إيران ولبنان والعراق واليمن وسوريا وغزة وحتى الضفة الغربية. 

تعبير «ضربات محسوبة ومحدودة» الذي تكلم عنه نتنياهو من قبل صار موضوعًا للتهكم عليه فى الشارع الإسرائيلى. لأن الاغتيالات الأخيرة، تفتح الباب بالضرورة أمام تصعيد فى الحرب، قد يحولها لإقليمية شاملة.

حذرت مصر من هذا الوضع من قبل. حذر عبدالفتاح السيسي من إشعال المنطقة والزج بها إلى حرب كاملة تأكل الأخضر واليابس، ولا تعيد الخرائط كما كانت قبلها. 

لكن لا أحد يسمع.. ولا أحد يعرف. 

هذه المرة بالنسبة لإيران غير المرة الماضية. فى المرة السابقة، كان الاستهداف للقنصلية الإيرانية فى سوريا. يعنى الضربة كانت خارج الأراضى الإيرانية. 

هذه المرة الضربة كانت داخل إيران، والاغتيال كان فى عمق طهران. 

اغتيال هنية، فى مقر للحرس الثورى سوف يستوجب عقابًا أكبر وأشد، وإلا تفلت خيوط كثيرة من الأيادى الإيرانية. 

تقول واشنطن بوست، إن كل هذه الحسابات طُرِحت فى الاجتماع الذي تقرر فيه تنفيذ اغتيال هنية.

الاجتماع كان قد ضم نتنياهو، ووزير الدفاع جالانت، ورئيس الأركان هاليفى ورئيس الموساد برنياع إضافة إلى رئيس الشاباك رونين بار. 

تركيبة الاجتماع على هذا الشكل أكثر من غريبة، وتشير إلى أن الكثير فى إسرائيل يخشى مصير ما بعد الحرب. 

قرار اغتيال هنية من اجتماع بهذا الشكل، يشير إلى أن القرار لم يكن قرار حكومة اليمين المتطرف وحدها، إنما كان قرارًا اشترك فيه بعض من رجال الدولة فى إسرائيل من أصحاب الآراء المختلفة خلافًا حادًا مع حكومة اليمين. 

السؤال هنا لابد أن يكون عن الدوافع التي تجعل من تيار اليمين، والتيار المضاد يشتركان فى قرار الاغتيال؟ 

وما الذي يدفع هؤلاء وهؤلاء إلى الاتفاق، فى مرة وحيدة، على مغامرة كبيرة مثل تلك؟ 

وما الذي يدفع المخالفين لنتنياهو فى سياسته باستمرار الحرب، إلى الاشتراك معه فى التخطيط والتنفيذ لخطة اغتيال هنية فى طهران التي من شأنها أن تطيل أمد الحرب وتوسع نطاقها؟

الإجابة: الصراعات والصراعات الداخلية. 

فالجيش الإسرائيلى يعيش للآن كارثة منذ 7 أكتوبر، حيث وقعت قيادته فى أكبر إخفاق فى التاريخ، ولطم هذا الإخفاق إسرائيل على الجبهة اليسرى واليمنى.

حاولت إسرائيل التغلب على هذه الكارثة، ورد الفعل كان حربًا شديدة النيران دمرت فيها قطاع غزة بشكل شبه كامل.

كان الغرض ترك وقائع تاريخية لا يمكن نسيانها فى ذاكرة الفلسطينيين والعرب. الغرض كان محاكاة مصيبة هيروشيما عند اليابانيين، أو محاكاة مجزرة دريسدن عند الألمان. 

لكن هذا لم يتحقق.

ولم تنجح إسرائيل فيما كانت تريد. 

وتظل الصورة فى النهاية، أن الجيش الإسرائيلى بقوته المزعومة، وطائراته وصواريخه ودباباته واطنان من المتفجرات، ودعم الولايات المتحدة، ودعم الغرب بأحدث الأسلحة، رغم كل هذا الدعم، فإن هذا الجيش ما زال فى حرب طوال 10 أشهر لم يحقق فيها انتصارًا يُذكر ضد تنظيم مسلح محدود القوة.. لا يزيد عدد رجاله على 40 ألفًا.

 

نقلاً عن مجلة صباح الخير

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز