عاجل
الأحد 7 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
فن الدبلوماسية.. مفاهيم الدبلوماسية الشعبية «3»

فن الدبلوماسية.. مفاهيم الدبلوماسية الشعبية «3»

تطرَّقنا في الأسبوع الماضي حَوْلَ تعريف الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة بأنَّها (السَّبق الإعلامي من قِبل المواطن العادي)، ويُعَدُّ المواطن هو المراسِل والمُحرِّر والمصوِّر؛ لأنَّه سوف يبثُّ الخبر بأقصى سرعة وضِمْن مصداقيَّة إن وجدت الدلائل والبراهين، وبالتَّالي نحن لا نحتاج إلى سياقات العمل الإعلامي الروتيني في نشرِ الخبر الَّذي يكرَّر بعدَّة حلقات لكَيْ يتمَّ بثُّه.



 

إنَّ التسارع اللافت للنَّظر جعلت الدبلوماسيَّة العامَّة تعتمد عليها كثيرًا، وخصوصًا بعد انتشار الهاتف النقَّال وما يحتويه من برامج حديثة خلاف ما كنَّا في فترة السبعينيَّات والثمانينيَّات من القرن الماضي، حيث نحتاج إلى وقتٍ طويل لكَيْ تصلَ إِلَيْنا المعلومة. الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة سوف تكُونُ هي الموقف السَّائد خلال السنوات الخمس القادمة؛ بسبب الطفرات التكنولوجيَّة الحديثة المتسارعة، ومِنها الذَّكاء الاصطناعي، وبالتَّالي فإنَّ وكالات الأنباء، سواء الحكوميَّة مِنها أو الخاصَّة سوف تتقلص أو تنكمش، كما تقلَّصت الصُّحف الورقيَّة والمجلَّات بكافَّة أنواعها والَّتي كانت هي سيِّد الموقف في الأسواق والمحالِّ والمكاتب، وكانت تتناقل بواسطة خطوط الطيران لتربطَ الشَّرق بالغرب من خلال الرحلات الجوِّيَّة كان ذلك في سبعينيَّات وثمانينيَّات القرن الماضي. بدَتِ الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة الآن هي مصدر قوَّة ونوعيَّة الخبر، ودخلت في جميع المفردات والأذرع والمجالات الحكوميَّة والاجتماعيَّة، بل وحتَّى في مجال الأمن الوطني والشُّرطة؛ لذلك نلاحظ كثيرًا من المواطنين يوثِّق في هاتفه ـ على سبيل المثال ـ طفلًا ضائعًا أو حقيبة مشبوهة أو سيَّارة مركونة في مكان خاصٍّ، أو سارقًا من المحالِّ، وتُرسَل بالصَّوت والصورة لِتستفيدَ مِنها بعد ذلك الأجهزة الشُّرطيَّة كدليلٍ ضدَّ الطرف المنفِّذ، وبالتَّالي دخلت الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة في أهمِّ تفرُّعات الحكومة بمختلف مسمَّياتها. وتُعَدُّ الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة الآن من أهمِّ الطفرات التكنولوجيَّة الإعلاميَّة لإيصال المعلومة بالدَّليل القاطع، وقد دخلت في جميع مجالات الحياة الاقتصاديَّة والعسكريَّة والصحيَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة.. وغيرها من فروع وصوَر الحياة اليوميَّة لِتحقِّقَ بذلك أهدافها، وأنَّها بحاجةٍ إلى مجموعةٍ من الأدوات؛ أي الوسائل والآليَّات. وهي تختلف بَيْنَ دَولة وأخرى من حيث إمكاناتها وقدراتها، ومن بَيْنِ هذه الأدوات هناك:

 

ـ وسائل الإعلام: بمختلف أنواعها المسموعة والمرئيَّة والمكتوبة، ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث باتت وسائل الإعلام المرتكز الأساسي للتأثير في الرأي العامِّ، كما حدَث في الربيع العربي الفاجع للجميعِ بمفردات الديمقراطيَّة الزَّائفة الَّتي جاءت بها الدوَل الصفراء.

 

ـ الجهات غير الحكوميَّة: كالمنظَّمات غير الحكوميَّة والاتِّحادات (الجمعيَّات، النّقابات، الاتِّحادات النسائيَّة، اتِّحادات الأدباء والصحفيِّين والفنَّانين، الاتِّحادات والنّقابات العمَّاليَّة والطلابيَّة والشَّركات والأسواق.. وغيرها، وهذا ما يساعد في انخراط ونشرِ المفاهيم الإيجابيَّة في منظَّمات المُجتمع المَدَني.

 

ـ المبعوثون إلى الخارج: حيث يمتلكون مختلف التخصُّصات والثقافات: إذ يتمُّ إرسال وتبادل الأشخاص لزيادةِ نسبةِ المثقَّفين في الدَّولة الموفد إليها، وهنا يبرز أيضًا دَوْر المؤسَّسات الأكاديميّة الَّتي تحثُّ على تبادل البرامج الثقافيَّة والأكاديميَّة لِتحقيقِ الحوار بَيْنَ مختلف الدوَل.

 

ـ المنظَّمات الدوليَّة: لا سِيَّما الأُمم المُتَّحدة والوكالات المتخصِّصة التَّابعة لها في المجال الاقتصادي والاجتماعي، حيث تعمل على إطلاق البرامج الَّتي تستهدف دوَل العالَم ومِنها اليونسكو، وبرز لها أدوار عدَّة في الدوَل النَّامية وتُستخدم كوسائل للتعبير عن الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة.

 

ـ الوسائل الثقافيَّة: كالأنشطة الثقافيَّة والاحتفالات الَّتي تُقام بغية إحياء مناسبات أو تسليط ضوء على مواضيع ثقافيَّة معيَّنة، ممَّا يزيد من تعريف مختلف الفئات عليها، وهذا ما يزيد من التفاعل بَيْنَ مختلف الشعوب، فإنَّها بمثابةِ فرصة للتعريف عن ثقافة الدوَل ويتمُّ استدعاء مختلف الشخصيَّات ممَّا يُشكِّل وسيلةً لِتحقيقِ أهداف الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة.

 

ـ الوسائل الرياضية: أيضًا تُعد الرياضة من الأدوات الَّتي تتخذها الدبلوماسيّة الشعبية لكونها تجذب العديد من شعوب العالم والَّتي تلعب دورًا في تحسين صورة وسمعة دولة ما وأن تكُونُ قوَّة ناعمة لها. وفي هذا الإطار، دخلت الرياضة معترك العلاقات الدبلوماسيَّة السياسيَّة أيضًا، وباتَتْ جزءًا من الدبلوماسيَّة العامَّة وفرعها الدبلوماسيَّة الرياضيَّة الَّتي يتفرَّع عَنْها دبلوماسيَّة كرة الطاولة ودبلوماسيَّة كرة القَدَم، وهنا يُمكِن إعطاء نموذج قطَر واستضافتها لكأسِ العالَم 2022م، حيث كانت رسالة قطَر من الفوزِ باستضافةِ كأس العالَم هي تغيير وجهات النَّظر السلبيَّة تجاه الدوَل الصَّغيرة ذات الكثافة السكَّانيَّة المحدودة وتحويلها إلى نظرة إيجابيَّة، وتمَّ ذلك من خلال الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة الَّتي نشرت مئات الرسائل المرئيَّة والصوَر الثَّابتة، وتُرسل عَبْرَ الأثير لكُلِّ بقاع العالَم لِتتحوَّلَ دبلوماسيَّة الرياضة إلى وحدةٍ ومَحبَّة وتآخٍ للشعوب رغم الأيديولوجيَّات والثقافات والأديان المختلفة، متجاوزةً بذلك وكالات الأنباء الرسميَّة الَّتي تبثُّ ما تمَّ الاعتماد عليه والمرخَّص من قِبل أجندة هذه الوكالات، لذلك أثبتَت الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة وجودها بكُلِّ قوَّة، وخصوصًا بعد ربطها بتكنولوجيا (الدرون) المتنقِّل الطَّائر.

 

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز