حلم طال انتظاره.. ابن يحقق أمنية والده بعد رحيله
هشام الضباعي
في قرية بسيطة بمدينة طهطا وتدعي الخذندارية شرق، عاش رجل متواضع مكافح كان يحمل حلماً كبيراً لابنه أن يصبح طبيبا فمنذ صغره، كان يراقب مستويات ابنه الدراسية عن كثب ويسأل عليه باستمرار مخاطبا اساتذته بجمله شهيرة " اكسر وانا اجبر لو قصر ، كل ذلك آملاً في أن يصبح له شأن في المستقبل. وبالفعل، حقق الابن درجات عالية طوال مراحل تعليمه الابتدائية والإعدادية، ما زاد من طموح والده في تحقيق حلمه.
لكن عندما حان وقت اختيار المسار الثانوي، فاجأ الابن العائلة بإصراره على الالتحاق بالقسم الأدبي، على الرغم من دخول معظم أصدقائه القسم العلمي. كانت خيبة أمل كبيرة لوالده الذي لم يتردد في توجيه كلمات لاذعة لابنه، متهماً إياه بتضييع حلم المستقبل في أن يكون طبيباً.
إلا أن الابن لم ييأس، وظل مصراً على اجتهاده طوال السنوات الثلاث في الثانوية العامة. وبالفعل، حصل على درجات عالية بلغت 94%، لكنها لم تكن كافية للالتحاق بكلية الإعلام التي كانت هدفه. فحاول والده التنسيق له على كلية التربية التي كانت تأخذ من ٩٢%، لكن الابن رفض وأصر على كلية الآداب قسم الإعلام وظن الأب بأنها خيبة أمل ثانيه.
في جامعة سوهاج، واجه الابن تحديات جديدة حيث لم يستطع حضور كافة محاضراته في الفصل الدراسي الأول، ما أدى لحصوله على درجات متدنية وتقدير عام جيد فقط. كما فشل في الالتحاق بكليتي الشرطة والحربية، اللتين كانتا حلم شبابه لخدمة وطنه.
لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة اجتهاده، فحصل على تقدير امتياز في الترم الثاني. وعندما حان وقت اختيار الشعبة، اختار العلاقات العامة بدلاً من الصحافة التي كان يحبها، معتمداً على تفكير عقلاني وليس مجرد الرغبة لأن أغلب الطلاب الأوائل التحقوا بشعبة الصحافة ولكنه كان مؤمن بأن ما تحبه تستطيع ممارسته فاختار دراسة العلاقات العامة وممارسةالصحافة منها وكان يعمل مراسلا لجريدة الدستور في ذلك الوقت .
وبالفعل، حقق الابن المراكز الأولى في الفرق الدراسية الثانية والثالثة والرابعة بشعبة العلاقات، على الرغم من التحديات والمضايقات التي واجهها. وفي النهاية، تم تعيينه معيداً بكلية الآداب قسم الإعلام، محققاً حلم والده الذي طال انتظاره.
لكن المأساة أن والده فارق الحياة قبل موعد التعيين بعشرة أيام فقط، فلم يتمكن من رؤية ابنه يحقق حلمه ويلقب بـ "الدكتور". رغم ذلك، ظل الأب مؤمناً بجهد ابنه وأحقيته في تحقيق ما عجز هو عن تحقيقه فكان حريص دائما أن يتباهي به في كل المجالس ويقدمه للآخرين بلقب المعيد حتي قبل صدور القرار وكأنه يعلم لن يفرح بموعد التعيين بعد . رحل وترك خلفه علما ينتفع به وسيرة عطرة دائما ما يفخر بها فهو صاحب الفضل من بعد الله مع والدته ألتي لم تكل جهدا في أن توفر له كل سبل الراحة ..
وفي الختام، يؤكد السيد عاطف المدرس المساعد بقسم الإعلام أن التميز يأتي دائماً عندما يدخل الإنسان كلية يؤمن بها ويحبها، وليس من المهم أن تكون قمة، بل المهم أن يلتزم ويبدع فيها، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
كما أكد على أهمية تحديد الهدف وعدم الانجراف وراء ضغوط المحيطين في اختيار مسار الثانوية العامة. وقال في نصيحته للطلاب: "عليكم أن تختاروا القسم الأدبي أو العلمي بناءً على ميولكم واهتماماتكم الشخصية، وليس بسبب رغبة الآخرين. فالتميز لن يأتي إلا إذا سلكتم الطريق الذي تؤمنون به وتحبونه حقًا."
وأضاف السيد عاطف الذي حقق حلم والده بعد تعيينه معيدًا بكلية الآداب قسم الإعلام، بعد رحيل والده الذي حلم بأن يصبح ابنه طبيبًا: "عليكم الاجتهاد والمثابرة طوال السنوات الثلاث في الثانوية العامة، ولا تكتفوا بالدرجات العالية في السنة الأولى فحسب." كما شدد على أهمية إدارة الوقت بكفاءة، والاستعانة بالمعلمين والأساتذة عند الحاجة، قائلاً: "لا تترددوا في طلب المساعدة إذا واجهتكم أي صعوبات، فالتميز يتطلب جهدًا مضاعفًا".