عاجل
الأربعاء 24 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
فكرة المعلومية بين الله والإنسان

فكرة المعلومية بين الله والإنسان

في البداية طالما قلنا فكرة إذًا فهي قابلة للدراسة والمناقشة والتحليلات، لكن مناقشة تثريها وتثري عقل من يفكر فيها ويتعاطاها، لماذا لأنها ستخرج ما بداخله من ملكات وربات التفكير مما يكسب الفكرة ذاتها حيوية لاستمرارية وألمعية، ويكسب المفكر التوهج الذهني وإعمال القريحة والملكة الفكرية، مما يجعل ذهنه دوما حاضرا.



لا يمكن بحال من الأحوال القول إن الله فكرة، لماذا لأنه تعالى جده حقيقة واقعة وواقع نحياه، أما الفكرة فمن الممكن كينونة تحققها أو زوالها مجرد أن يتوقف العقل عن التفكير فيها.

أما المعلومية فهي فكرة، وثمة فرقة بين المعلومية والمعلوماتية، فالمعلوماتية مذهب يقدم أفكارا تتجسد في هيئة معلومات نجمعها على أمر ما محل للدراسة كأن نجمع معلومات عن موضوع يكون محلا لندوة أو مؤتمر أو حتّى موضوع أيا كان للقيام بعمل بحث علمي سواء بحثا نظريا أو عمليا أو اللجوء إلى المعامل والتحاليل التي تكتشف معها معرفة الأنساب (DN N)، مثلا.

أما المعلومية فهي ما لا يمكن أن يودع في الكتب وإنما هي انتقال من المجهولية إلى المعلومية، والعكس من المعلومية إلى المجهولية، فالعلاقة هنا تبادلية فما أن يصل الإنسان إلى معلومية شيء إلا ويصاب بمجهولية، تجعله يعاود البحث عن المعلومية، مما لا يستطيع معها الإمساك بزمام الفكرة ولا يستطيع أن يعبر عنها لا كتابة ولا محادثة أو مشافهة مع أحد، وإنما تظل قيد الصراع الداخلي إلى أن تتجلى العناية الإلهية عن طريق نفخ القبس النوراني على القلب الغافل، فيستفيق من غفلته فينعكس ذلك فيوضات بحدوسات نورانية على العقل فيسبح العقل فى سبوحات معلومية وتتجلى له الحقائق، فيرى ما لا يراه الآخرون، لأن رؤيته مفارقة للرؤية الحسية البصرية، رؤية إن جاز لنا أن نطلق عليها فإننا نقول رؤية (قلب عقلية).

ثم إن ثمة فرقا بين وبون شاسع بين معلومية الله ومعلومية الإنسان، فمعلومية الله لا متناهية بمعنى لا تتسم بالمحدودية لأن ما يتسم بالمحدودية ناقص يشوبه النقص ومن ثم فهو يحتاج إلى من يهبه معلوميته، بمعنى يحتاج إلى اللامتناهي.

أما معلومية الإنسان فهي محدودة، معلوميته لا تتعدى آفاق وجوده المادي، قد يرقى في بعض الأحيان عن طريق الطفرة إلى معلومية لا متناهية لكن لا يتأتى هذا النوع للجميع وحتى هذه عند مناقشتها تجده معلومية وهمية خيالية كمن يقول بالحلول والفناء والاتحاد والتجلي والكشف والوجدان أي معلومية العرفان وهذه يعتبرها بعض معرفة هيولامية.

نعم معلومية الإله تتسم باللاتناهي لماذا، لأنه ليس ثم من يهبه هذه المعلومية فمعلوميته من ذاته ولذاته وبذاته هي عين ذاته وليست زائدة عن الذات، ليس هذا وحسب بل واجبة الوجود بذاته.

أما معلومية الإنسان فإنما تتسم بالتناهي لأنها منقوصة وتوجد فى الإنسان بالقوة، ومن ثم فهي في حاجة لإخراجها من حيز الوجود بالقوة إلى حيز الوجود بالفعل، كالفكرة التي تراود الإنسان عقليا وتؤرق مضجعه ولا يستطيع أن يمسك بعقالها ويعبر عنها، فتتجلى اليد العليا الطولى فتخرجها من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل، وهكذا دواليك فى كل مجريات حياته الفكرية.

وهذا يقودنا إلى الحديث عن معلومية الله بالكليات، بالمجردات، بالعالم الغيبي، فالله تعالى عالم بعلم وعلمه من ذاته وبذاته ولذاته ويعلم الكليات ويعلم الجزئيات، بمعنى، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة، يعلم كل شيء ويحيط علمه بكل شيء، عالم بالاكوان قبل أن تتكون، عالم الحركات والسكنات وتقلبات الدهور والأزمان ، هذا بدوره يدحض قول بعض فلاسفة الإسلام الذين قالوا إن الله تعالى لا يعلم إلا الكليات، وهذا يدخل معلومية الله فى المحدودية التناهية وهذا جد ضرب من العته والعطب الفكري ولم يسلم أمثال هؤلاء من النقد اللاذع الذي وصل إلى حد التكفير.

أما معلومية الإنسان فخلاف ذلك فعلمه مقصور على العلم بالجزئيات أي علمه محصور فى العالم المادي الحسي المرئي المشاهد، الترسيمة الكونية يعمل فكره فيها كيفما يشاء، سواء معلومية نظرية العلوم النظرية أو معلومية عملية أو معلومية شرعية، وهذه المعلوميات الثلاث بيتها واحدة، ألا وهي الانتقال بالإنسان من مراحل التفكير النظري إلى التفكير العملي، إلى التفكير الشرعي الذي يقود صاحبه عن طريق المعلومية الدينية إلى الوصول إلى الحقيقة العليا، ألا وهي أنه مهما اتينا من علم فمعلوميتنا منقوصة أمام معلومية الله تعالى، وهذا ما يطلق عليه التسليم الذي يتحول مع الدرس والبحث من تسليم نسبي، ثم تأرجح بين النسبي والمطلق إلى المرحلة الثالثة ألا وهي التسليم المطلق بلامتناهية معلومية الإله، وتناهية معلومية الإنسان.

والشاهد على ذلك معلومية الله تعالى بحقيقة الروح وجهل الإنسان بمعلوميتها.

لتظل معلومية الله هي العليا، وتظل معلومية الإنسان منقوص في حاجة دائمة إلى معلومية الله.

وصدق العظيم جل وعلا حين يقول (وما أوتيم من العلم إلا قليلا).. هذا القليل يتمثل فى كل علوم الدنيا التي حصلها الإنسان ولا يزال يحملها وسيظل يحصلها فما كل ذلك إلا قليل بالنسبة لمعلومية الله فكل معلومياتنا بالنسبة للإله كمن يدخل مخيط في بحر أو محيط ماذا سينقص من البخار والمحيطات والأنهار لا شيء فقف أيها العقل عن منتهاك.

 

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز