عاجل
الثلاثاء 16 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أصحاب الفِطَر الفائقة.. ووحدانية الله

أصحاب الفِطَر الفائقة.. ووحدانية الله

اعلموا أن الله أعطانا هذه العقول لنتفكر بها فيه، ولا أن يقودنا هذا التفكر إلى التيه والضلال، وإنما ليقودنا إلى الإدراك والاستبصار.



فإنها طبيعة الإنسان دأبه وديدنه البحث عن الحقيقة، والغوص في عالم المجردات، العالم المفارق، الترانستندالي المتعالي، روحه تواقة إلى الوصول إلى المطلق، وهل الإله موجود وما حقيقة وجوده وما حقيقة ذاته، وتلك غريزة وضعها الله في فطرة الإنسان، فمنذ نعومة أظافره يطرح التساؤل الذي قد يثير الدهشة، هل الله موجود وأين يوجد، وإذا كان موجودا لماذا لا يتحقق وجوده ونراه، وإذا كان موجودا فما هي علاقته بالعالم، ولماذا خلقه، ولماذا خلق الإنسان، وما حقيقة الموت والحياة الآخرة، وهل هناك بعث وجزاء، ثوابا وعقابا، ولماذا خلق الموت، ولماذا خلق الخير والشر، ولماذا كتب على عباده أن يكون منهم شقي ومنهم سعيد.

هذه الموضوعات كانت شغل الفلاسفة الشاغل منذ القدم، بدءا من حضارات الشرق القديم مرورا بالمدارس الطبيعية الأولى اليونانية، المدرسة الإيلية، الإيونية، الفيثاغورية ، المدرسة الذرية، وكذلك كانت شغل فلاسفة اليونان أفلاطون الذي حدثنا عن عالم آخر عالم تشتاق النفس إليه عالم المثل، ومن قبله سقراط الذي حدثنا عن السعادة في العالم الآخر وتوق النفس إليه، ومن بعدهما أرسطو الذي أولى هذه الموضوعات أهمية خالصة وعالجها معالجة عقلانية أسس علي إثرها فلاسفة الإسلام، أسسوا عليها المدرسة المشائية الأرسطية، ومنهم من قبل فكره ومنهم من قام بنقده، إلى أن وصلنا إلى فلاسفة العصور الوسطى الإسلامية والمسيحية واليهودية، ومن قبلهم فكر المتكلمين، الذين أفردوا مؤلفات بعينها ناقشوا فيها هذه الموضوعات كالمعتزلة والأشاعرة، والماتريدية، وغيرها من المدارس الكلامية.

وكذلك الأمر بالنسبة لفلاسفة العصر الحديث تطرقوا لمثل هذه الموضوعات فنجد على سبيل المثال ليبنتيز أطلق على الإله اسم الموناد الأعظم Monedes والذي يعني القوة الفعالة السارية في الكون والتي تهيمن عليه وتتولى تنظيمه وتدبيره.

وكذلك نجد كانط تحدث عن الإله وقال إنه موجود ولا أحد ينكر وجوده وهو فكرة محل للتفكير، بل ومن المعارف الفطرية البدهية، المغروسة بداخل الإنسان وأطلق عليها المعارف القبلية Aproiri، وتأتي بعدها المعارف البعدية Apstoroiri، أي التي تأتي بالتعلم والاكتساب والبحث، ونجد هيجل أطلق عليه المطلق، وجاءت جل فلسفته الميتافيزيقية بحثا عن المطلق المفارق المتعالي الترانستندالي بتعبير فلاسفة العصر الحديث.

فالكل أعمل عقله واجتهد قدر طاقته، فالفلسفة بحث للوصول إلى حقائق الأشياء وكليات الأمور حسب طاقة الإنسان وقدراته العقلية، وهذا جد مهم، بل ونحمد لهؤلاء جميعا جهودهم ونباركها.

لكن السؤال ما رؤيتنا لهذه القضية وكيف نتعامل معها إذا جبهنا بسؤال حتي قد يكون من الرجل البسيط عامي الإيمان، أو من ملحد لا يعترف بدين ولا ديان، أو من إنسان يحب الفلسفة والتعقل، أو حتي من طفل صغير، وكثيرة هي أسئلة الأطفال المحيرة.

الرأي عندي عندما تطرح هذه الأسئلة من رجل بسيط عامي الإيمان، أين الله، لا بد أن تكون إجاباتنا مبسطة واضحة لا يغلب عليه الجدل الفلسفي ولا آراء الفلاسفة، وإنما إجابات هادئة موجزة واضحة بذاتها، مثل نعم الله تعالى موجود، ولو كان هذا الرجل يبيع على عربة بسيطة أي سلعة ترد عليه تقول من الذي هيأ لك هذه السلعة وهذا البيع، بالضرورة قد يرد عليك قائلا الله، إذا الله تعالى موجود.

ولو جبهنا بهذا السؤال من ملحد، كأن يقول الله غير موجود، ماذا سيكون التعامل مع هذا الموقف، لو لم تستطع الرد أتركه وانصرف حتي لا يزداد طغيانا على طغيانه، وإن كانت لديك القدرة على الحجاج والمحاججة فلتناقش وتقول ألا تدل البعرة على البعير، السير على المسير، ألا تدل سماء ذات ارتفاع وأرض ذات اتساع على مبدع وخالق خلقها، هو ساعتها قد لا يستطيع أن يرد عليك أو يدخلك في موضوع آخر كأن يقول وحتى لو فرض موجود، فهو لا يخلق الأشياء بحكمة، بمعنى كأن يقول لم خلق الليل والنهار، ولم خلق الخير والشر، ولم جعل الناس بعضهم خيرا وبعضهم شريرا، ولماذا يعذب الله الإنسان يوم القيامة، وتلك أسئلة مهمة وحساسة تحتاج إلى فكر منضبط، ردك سيكون وماذا لو لم يخلق الإله هذه الأشياء، هل ستكون حياة، هل تستقيم أمور الإنسان.

كالذي قال نخلة ذات ارتفاع شاهق وتنتج تمرة صغيرة، وعشب بطيخ على سطح الأرض ينتج بطيخا يزن كيلوات، وينام تحت النخلة وتسقط عليه تمرة تشج رأسه، فيا أيها المتعلق ما بالك لو النخلة أنتجت بطيخا وسقط على رأسك.

إذا الله تعالى موجود ولا يحتاج إلى دليل فدليل وجوده كامن في وجوده ليس هذا وحسب بل وفي جوده وعنايته بكل الموجودات، بل وكل الموجودات علويها وسفليها في حاجة إليه ومفتقرة إليه، فيا إلهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، لكن من أراد الدليل فالدليل موجود، ألا وهو ظهوره في كمونه وكمونه في ظهوره، علنه في سره وسره في علنه، فهو تعالي الأول والآخر والظاهر والباطن.

أما وحدانيته وهذا خطاب للجميع، خطاب عقل نقلي، يقول تعالي، "قل هو الله أحد"، فالله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد، لماذا؟! لأن هذه صفات للمحدثات المخلوقات، وكل مخلوق سيفنى والله تعالى لا يفنى، ليس هذا وحسب بل الله تعالى لا يتبعض ولا يتجزأ ولا يتكثر وليس بذي جهة بعينها بمعنى لا تحده الحدود، ولا تدركه الأبصار وإنما تعيه البصائر الصافية التي تجردت من شواغل الحس ونزوات المادة ففاضت عليها نورانية خالصة رأت من خلالها ما لا يراه الآخرون.

أما منطلق العقل، فتعالوا معي أيدكم الله بروح منه وبصيرة، هل تستقيم سفينة في طريقها بربانين، بقائدين، إذا أراد أحدهما أن يتجه يمينا والآخر أراد أن يتجه يسارا واختلافا، هل سيصلنان بالسفينة إلى بر النجاة، منطق العقل يقول لا ستغرق السفينة، وقس علي ذلك، وهذا قياس مع الفارق، للتقريب للأفهام، الممالك والدول هل تستقيم بملكين أو رئيسين، لا يمكن بحال من الأحوال، لا بد وبالحتمية المنطقية لا بد من قائد واحد، ولا مندوحة من الاستعانة بوزراء ومستشارين، لكن القرار لن يصدره إلا واحد وإلا سيحدث ما لا تحمد عقباه، وتضيع الممالك والدويلات.

والله تعالى يقول، فاعتبروا يا أولي الألباب، فلنعتبر هذه الآية الكريمة "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"، وكذلك"شهد الله أنه لا إله إلا هو".

وأيضا قوله تعالى "قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا"، فما الحال لو كان هناك إلهان أحدهما أراد أن يفعل كذا كأن يحيي إنسان، والآخر أراد أماتته، وماذا سيحدث لو تحقق مراد أحدهما دون الآخر، سيحدث أن أحدهما سيكون قادرا والآخر عاجزا، فهل الإله عاجز؟! وإذا تحقق مرادهما معا، وهذا مستحيل عقلا، فكيف يكون الإنسان حيا وميتا في آن واحد؟! وفي هذا تعطيل للقدرة الإلهية، وهذا محال في حق الإله.

فيا من تشككون في وجود الإله وفي وحدانيته، ويا من تحتكمون إلى العقل، خاطبنا عقولكم، فهل انتهيتم أم ماذا أنتم فاعلون.

قفوا عن منتهاكم ولا تجعلوا الأوهام تتخبطكم ولا تجعلوا الشيطان الماكر يعبث بعقولكم، واعلموا أن الله أعطانا هذه العقول لنتفكر بها فيه وفي مخلوقاته، لا أن تضلنا وتقودنا إلى التيه والضلال.

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية

ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز