عاجل
الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

مدد على طول المدد...

رمضان ورحلات آل البيت في حي الخليفة

المحبة تدفعك ليقين أن المصريين لا يستطيعون الحياة من دونهم، كأن آل البيت الملاذ لكل محتاج، الشفيع فى الدنيا عند الله، الملجأ عند الشدة، فرصة المناجاة لله طمعًا فى نَيْل البركة والستر.



مَحبة لا تعرف معنى التشدد والتطرف، فهى قصة عشق تتعلق فيها أفئدة المحبين والمريدين بآل بيت رسول الله ونسله من الأشراف.

كثيرة هى المناسبات التي يحتفل بها محبو آل البيت على مدار العام.

لكن مع شهر رمضان وطقوس الشهر الكريم، فالمشهد مختلف.

ترى آلاف الوافدين من كل مكان بمساجد وأضرحة أهل البيت، ولِمَ لا؟!، فهل من ذاق المحبة كمن لا يعرفها؟.. فكيف يمضى رمضان دون الصلاة وإحياء لياليه بالسيد الحُسين، أو السيدة عائشة والسيدة زينب؟!.

قدِمَ أهل البيت إلى مصر مع مَقدم السيدة زينب- رضى الله عنها- إلى القاهرة عام 61 هجريّا بعد رحلة من كربلاء إلى الشام ثم إلى المدينة المنورة ومعها على زين العابدين بن الإمام الحُسين.

وعندما علم المصريون بمجىء السيدة زينب تجمّعوا فى حشود كبيرة من كل بقاع أرض مصر، بمنطقة بلبيس، وشهدت ترحيبًا كبيرًا، حيث استقبلها حاكم مصر مُسلمة ابن مخلد الأنصارى وكبار الشخصيات فى الحُكم. 

وعندما وجدت السيدة زينب ترحابًا من جميع المصريين دعت لشعب مصر بالأمن والأمان والاستقرار وقالت: أمَّنتمونا أمّنكم الله.. وقالت: حفظ الله مصر من كل سوء.

 

منطقة مقابر قرب ميدان السيدة عائشة
منطقة مقابر قرب ميدان السيدة عائشة

 

 

واستقبلها الوالى فى القاهرة ببيت الحُكم، وأجلسها الحاكم فى هذا المقر وأطلق عليها رئيسة الديوان وظلت أقل من سنة حتى ماتت ودُفنت فيه.

بعدها، بدأ آل البيت يتوافدون إلى مصر، حتى انتشروا فى بقاع كثيرة بأرضها، فقد جاء منهم نفيسة ورقية وسكينة وفاطمة النبوية وغيرهن.

وتنتشر أضرحة ومقامات آل البيت فى أنحاء متعددة، ولكل صاحب مقام شعبية تختلف حسب انتمائه.

وكثير ما يتجه المحبون لكل مقام حسب كراماته التي اشتهر بها، لكن يبقى الاحتفال الأبرز بـ«المولد»، وهو الاحتفال الذي يقام لكل صاحب مقام حسب تاريخ مولده فيأتى إليه الآلاف من كل حَدْبٍ وصَوْب.

حى الخليفة 

«بقيع مصر».. هكذا يوصف حى الخليفة بوسط القاهرة، الذي يجمع أقدم مقامات لآل البيت الذين قدِموا إلى مصر ونصرَهم أهلها.

وحين تبدأ رحلتك فى شارع «الأشراف» أو كما يسمونه «البقيع» أو «مجمع الأولياء» لما يضمه من مساجد وأضرحة ومقابر ومقامات لأولياء الله الصالحين وأحفاد النبى، ستجد الشارع قِبلة للمريدين وعشاق آل البيت يرجون الوصل، خصوصًا فى الموالد، وفيه يتصل الذِّكْر وقراءة القرآن والأناشيد والمدح الصوفى وأدعية ونداءات فك الكرْب وقضاء الحوائج، ولا تنقطع الزيارات من المصريين والمحبين من العالم الإسلامى.

وتعود تسمية شارع «الأشراف»، لكونه يحوى أضرحة ومقابر أحفاد النبى من نسل الإمام الحسن والحسين، أما بنايات الشارع فتنتمى إلى عهود بارزة من تاريخ مصر بعضها الأيوبى والفاطمى والمملوكى، ومكسوة بنقوش إسلامية.

ومن أبرز ما يحتويه الشارع من مقامات وأضرحة، ضريح السيدة نفيسة، وبداخل سور كبير تجد عدة مقامات للسيدة رُقيّة ابنة الإمام على الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق، ومقام السيدة «عاتكة» ابنة نفيل العدوية، وكانت زوجة عبدالله بن أبى بكر الذي كان واليًا على مصر عام 37 هجريّا، ومقام السيدة سُكينة بنت الإمام الحسين.

من هى؟!

السيدة زينب هى بنت على بن أبى طالب، والدتها فاطمة الزهراء بنت النبى محمد، وولدت فى حياة جَدّها وهى شقيقة الحسن والحسين رضى الله عنهم أجمعين. 

اختارت السيدة زينب مصر لتكون ملاذها الآمن بعد أن أجبرت على الخروج من المدينة المنورة عقب معركة كربلاء واستشهاد الإمام الحُسين، نظرًا لحُب أهل مصر لأهل بيت رسول الله.

وتكريمًا للسيدة زينب استقبلها والى مصر فى هذا الوقت «مسلمة بن مخلد الأنصارى» ببيته بحى السيدة الآن وأجلسها مقعده تكريمًا لها.. حتى أنها دعت لأهل مصر «يا أهل مصر نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة فرجًا ومن كل ضيق مَخرجًا».

 

مسجد السيدة زينب
مسجد السيدة زينب

 

أنشئ مسجد السيدة زينب، فى العهد الأموى، فى بيت الوالى الذي استضافها، وتوفيت فى شهر رجب عام 62 من الهجرة ودفنت بحجرتها التي أصبحت قبتها ومسجدها إلى الآن.

وعلى مَرِّ القرون والسنوات ارتبط أهل مصر بالسيدة زينب، وعُرفت بين المصريين بألقاب كثيرة.. فقد كان أهل البيت جميعًا يرجعون لرأى «أم هاشم» زينب لذا سميت «صاحبة الشورى».

وعندما وصلت مصر كان الوالى ورجاله يعقدون جلساتهم بدارها وتحت رئاستها، فسُميت «رئيسة الديوان»، وكان إليها يرجع آل البيت فى أمورهم فسُميت «عقيلة بنى هاشم»، وكانت دارها مأوى لكل ضعيف ومريض ومحتاج فسُميت «أم العواجز».

 

بنت الإمام

أما السيدة عائشة هى بنت الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر حفيد الإمام الحسين بن على بن أبى طالب، قدمت السيدة عائشة إلى مصر فى سِنٍّ صغيرة، وبالقرب من جبل المقطم سكنت وكانت تعقد فى بيتها لقاءات فقهية عديدة حتى أصبح مزارًا لمُحبى آل البيت.

أقامت السيدة عائشة فى مصر وكثر مريدوها، حتى توفيت سنة 145هــ، ودفنت فى منزلها الذي أصبح مسجدًا وضريحها فى القاهرة فى حى الخليفة خارج ميدان القلعة بوسط القاهرة. 

خضع مسجد ومقام السيدة عائشة للتطوير على مَرِّ عصور كثيرة، لعل أبرزها ما حدث فى عهد صلاح الدين الأيوبى عند قدومه لمصر.

فخلال حربه مع الصليبيين قرر إحاطة القاهرة آنذاك بسور وكان لا بُدَّ أن يدخل مسجد ومقام السيدة عائشة فى هذا السور حماية من الصليبيين لكنه فصل السيدة عائشة عن هذا السور.

وعندما سُئل صلاح الدين عن السبب أجاب: هى من نحتمى بها ويحتمى بها أهل مصر وقرر إنشاء مسجد على مقام السيدة عائشة ومدرسة لتعليم التصوف، وفتح فى سور القاهرة أمام مقامها بابًا يدخل ويخرج منه الناس اسمه باب السيدة عائشة، وهو لا يزال موجودًا إلى اليوم. 

أما الإمام الحسين بن على بن أبى طالب.. فأمه هى السيدة «فاطمة الزهراء» سيدة نساء أهل الجنة وبنت رسول الله، وشهد الحسين مع والده واقعتى «الجَمل» و«صفين» وحروب الخوارج، كما شارك بعد وفاة أبيه فى فتح إفريقيا وآسيا.

استشهد الحُسين وعمره سبعة وخمسون عامًا، فى موقعة كربلاء بالعراق سنة 61 هجرية.

ودُفن جسده الطاهر بكربلاء بالعراق، أمّا رأسه فقد طيف به عدة مدن إرهابًا للنّاس، وقيل إنه استقر وحفظ بـ«عسقلان» وهى من أقدم مدن فلسطين تاريخيّا.

وعندما اشتعلت الحروب الصليبية، وخاف الخليفة الفاطمى على رأس الحسين أذن بنقل الرأس، حسب روايات غير مؤكدة، إلى مصر بالمقام المعروف له إلى الآن بمسجد الحسين بوسط القاهرة.

أقيم مسجد الحسين فى مواجهة الجامع الأزهر بجوار قبته فى عهد الفاطميين سنة 549 هجريّا، وللمسجد عدة أبواب منها بابٌ على قبة الحسين يُعرف بالباب الأخضر.

وعلى مَرِّ هذا التاريخ ظل مشهد الإمام الحسين ومسجده مزارًا لكل مُحبى ومريدى أهل البيت طوال أيام العام.

 

 

 

 

 

نفيسة العلم

السيدة نفيسة هى بنت حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن على بن أبى طالب، وزوجها إسحاق بن جعفر الصادق من نسل آل بيت رسول الله.

قدمت إلى مصر واستقبلها أهلها بترحيب وحب كبيرين، حيث خرجوا لاستقبالها عندما علموا بقدومها فى منطقة العريش عام 193 هجريّا فى عهد هارون الرشيد.

وصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة فى رمضان 193 هجرية قبل أن يأتى إليها الإمام الشافعى بخمس سنوات، ونزلت بدار سيدة من المصريين، فأقبل عليها الناس يلتمسون منها العِلم، حتى ازدحم وقتها، حتى إنها أرادت الرحيل، لكن أهل مصر رفضوا رحيلها وتدخل والى مصر وقتها ووهبها دارًا وحدد يومين فى الأسبوع يزورها الناس طلبًا للعِلم والنصيحة.

ارتبط أهل مصر بالسيدة نفيسة، حيث عُرفت بكراماتها حتى لقبت بكريمة الدارين، وقالت قبل مماتها «إنى أحببت المصريين حُبّا جـَمّـا، وأتمنى أن تكون مقبرتى فى مصر فلا أفارقهم حية ولا ميتة».

والإمام الشافعى.. هو أبوعبدالله بن إدريس الشافعى من قبيلة عبد مناف، يعود نسبه لأهل البيت.. فأمه هاشمية، وهو من علماء قريش الذين أثنى عليهم الرسول محمد قبل مماته حينما قال «لا تسبوا قريشًا فإن عالِمها يملأ الأرض علمًا».

الإمام الشافعى صاحب واحد من أربعة مذاهب فقهية تمثل فقه السُّنَّة المسلمين، قضى الأعوام الستة الأخيرة من عمره فى مصر، ودفن فيها وبقى ضريحه إلى اليوم مزارًا للمسلمين فى مصر وحول العالم.

دخل الشافعى مصر عام 199 هجريّا، ورغم انتشار مذهبَى مالك وأبى حنيفة فى مصر وقتها، فسرعان ما ذاع صيت الإمام الشافعى وانتشر مذهبه بصورة كبيرة حتى أصبحت مصر مَعقل المذهب الشافعى من بين الأقطار الإسلامية.

دُفن الإمام الشافعى فى ضريحه الحالى بحى الخليفة فى القاهرة، وعندما قدم صلاح الدين الأيوبى إلى مصر أراد إحياء المذهب السُّنى فقام بإنشاء ضريح فوق مدفن الإمام الشافعى، وبنى بجانبه المدرسة الصلاحية لتدريس المذهب الشافعى.. ثم أنشئ مسجد باسم الإمام الشافعى عام 1175 هجريّا بالقرب من مسجد الإمام الليث بن سعد.

ويُعد ضريح الإمام الشافعى هو أكبر ضريح بُنِىَ فى مصر، ويمتاز بقبته الكبيرة التي تشبه «قبة الصخرة» فى القدس.

 

 

 

 

 

حفيدة النبى

السيدة سُكينة هى بنت الإمام الحسين بن على بن أبى طالب، حفيدة النبى محمد، اسمها «آمنة»، ولدت عام 47 هجريّا، ونشأت وتربت فى البيت النبوى فى أحضان والدها ووالدتها الرباب بنت امرئ القيس التي لقبتها بسُكينة. 

دخلت السيدة سكينة مصر مع عمتها السيدة زينب، وانتقلت إلى دارها فى القاهرة وبقيت بها حتى توفيت.

وأنشئ مقام السيدة سكينة فى بيتها بجوار مسجدها بمنطقة الخليفة بالقاهرة وبجوار مقام السيدة نفيسة والسيدة رقية، وأقيم المسجد فى عهد عبدالرحمن كتخدا عام 1173هجرية، ثم جددته بعد ذلك وزارة الأوقاف فى القرن الثالث عشر الهجرى.

ارتبط أهل مصر بالسيدة سكينة، حتى أنها من أكثر آل البيت وصفًا فى الأشعار الصوفية والتي سُطر بعضها على جدران مقامها. 

أما السيدة رقية هى بنت الإمام على الرضا وحفيدة رسول الله، وهى إحدى أهم شخصيات آل البيت الذين ارتبط بهم المصريون.

فى منطقة الخليفة يقع مشهدها ومقامها ومسجدها، حيث لا ينقطع الزوار والمريدون والمحبون لأهل البيت.

فى حى الخليفة بوسط القاهرة، وبالقرب من مسجد السيدة عائشة يستقر مقام السيدة رقية مستقبلًا زوار وعشاق محبى آل البيت، ومسجد السيدة رقية، هو أحد المساجد التي أنشئت فى العصر العثمانى، ويقع مشهد السيدة رقية بجوار البوابة الموصلة إلى السيدة نفيسة بالقرب من جامع شجرة الدر.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز