اكتوبر 73 " اوراق- تنمو فى الوجدان "
حوار - سوزى شكرى
الشاعر حسنين السيد حسنين من جنود حرب اكتوبر73، اصبح من المؤكد انه مازال لحرب اكتوبر جنود مجهولين ، فضل الشاعر " حسنين السيد " ان يروى لنا ما حدث فى الساعات الاولى يوم 6 اكتوبر 1973 بقلمة وبمشاعرة وباسلوبة ، حيث امتلكته مشاعر صعب تميزها او تحديدها ، ربما تكون مشاعر امتزجت بين الشجن والآلم وبين وفرحه النصر ، التزم الصمت لحظات ،وامسك بقلمه وأوراقه وتغيرت ملامحه وتعبيرات ، فما كان علينا إلإ ان نتركة يكتب ، كتب الشاعر تحت عنوان اوراق - تنمو فى الوجدان " :-
من الصعب العسير أن تسقط من الذاكرة إرهاصات وأحداث معارك اكتوبر 1973 رغم تلك السنوات الطويلة التى مرت عليها، وفى الحقيقة أن تلك الحرب المجيدة ؛ لم تبدأ فى ظهر السادس من اكتوبر 1973 ؛ ولكنى عشت أحداث التجهيز لها منذ العام 1969 باعتباري مجنداً بالقوات الجوية ( 1967/1973 ) ؛ بعد حضور عمليات اكتوبر المجيدة ولا زالت الذاكرة تحفظ مناظر تلك الايام : صوتاً وصورة ؛ ولا ابالغ إذا قلت : ورائحة أيضاً! ففى فورة الشباب ـ ايامها ـ كنا نتوق الى هذا اليوم المجيد لرد الاعتبار للعسكرية المصرية العظيمة ولرد اعتبار الجندى المصرى والانسان المصرى واسترداد كل شموخ العزة والكرامة لهذا الوطن ورجاله .. الذين تحملوا شرف الدفاع عن مصرالمحروسة منذ جيش قادتها ( مينــــا ) و ( احمس ) و ( رمسيس ) الى يومنا هذا . وبعد مرور 40 سنة على تلك الذكرى فلا زالت الصورة والصوت والرائحة تملأ الذاكرة والأمكنة .. وتعيش فى الوجدان والروح لنستمد من هؤلاء الرجال كل المدد لمواصلة الدفاع عن شرف وحرية هذا الوطن.
واسمحوا لى ان أقص عليكم مشهداً واحداً من مشاهد الساعات الأولى لتلك الحرب المجيدة :
ـ بدات العمليات الحربية فى ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر ؛ والمشهد داخل جناح استقبال المستشفى العسكرى الجوى بالقاهرة خلية نحل من الضباط الدكاترة ضباط صف جنود ممرضين .. ممرضات .. وصول سيارة اسعاف من الجبهة ؛ تحمل مصابى سقوط هليوكبتر فى الطلعات الأولى كل فرد يعرف مكانه ساعة الاخلاء تحضير وتجهيز الأفراد المصابين للسادة الدكاترة لتحديد نوع الإصابة .. توصيل الى غرف العمليات لمن يحتاج الجراحة السريعة
وكان من نصيبى مساعد اول ( ميكانيكى طيران ) عرفت اسمه فيما بعد ( الصول/ركابى ) ؛ وحول رأسه كمية رهيبة من الضمادات المضمخة بالدم .. وللوهلة الأولى تخيلت الاصابة فى الرأس .. أسرعت بفك الضمادات .. لفة بعد اخرى .. كلما زاد عدد اللفات زادت كمية الدم المنبثق أمامى .. وفى اللفة الأخيرة كانت المفاجأة : انفجار بالعين اليمنى جعل العين كـ ( بالونة دماء ) بحجم كرة القدم .
ويبدو اننى سرحت بتفكيرى فى هذا الانسان الممدد امامى على ( التروللى ) ؛ والذى فقد عينه نتجة ( شظية مباشرة ) فى جبهته ؛ وفكَّرت ملياً فى مصير هذا الانسان بعد العملية الجراحية .. وكيف أن هؤلاء الرجال يقدمون التضحية بكل ماهو غال ٍ فى سبيل النصر لوطن ورحت فى إغماءة طويلة . أفقت ولا اعرف كم قضيت من الوقت .. على منظر التفاف الزملاء من الجنود والضباط حول سريرى بالمستشفى .. وترقد بجوارى أنبوبة اوكسجين يمتد خرطومها الى أنفى .. لأنتزع خرطوم الهواء .. لأسأل عن المقاتل الذى فقد عينه وكنت اتولى فك الضمادات من فوق جبهته الدامية .. واين ذهب .. وماذا جرى لحالته ؟ ورغم مأساة الموقف ورهبته .. انفجر الجميع بالضحك فرحة بالاطمئنان على حالتى وقلبى وافاقتى من الاغماءة ليقولوا لى : المساعد/ركابى .. هو من يسأل عنك بعد خروجه من غرفة العمليات وانتزاع ( عينه اليمنى ) منذ قليل .. وهو الذى ييسأل عنك بعد معرفته بحالتك .. ويريد الاطمئنان عليك !! ياألله .. على هؤلاء الرجال الأشداء المقاتلين .. وصعدت اليه ليستقبلنى مبتسماً بالعين الواحدة الباقية .. لأبكى أنا ويضحك هو معى مواسياً . قائلاً : الحمد لله على هذه الاصابة .. المهم نجاح العملية الحربية التى قمنا بها ونحن فى طريقنا الى الانتصار العظيم
وللأسف .. مرت الأيام والسنوات .. لنجد أن دماء الرجال المنتصرين .. تباع على موائد المفاوضات .. لتنتهى بكارثة توقيع مايسمى بـ ( معاهدة السلام ) فى 26 مارس 1979 ؛ اى بعد ست سنوات من انتهاء المعارك وانتصار المقاتل المصرى العظيم على الجيش الاسرائيلى.. لازاحة آثار النكسة التى ادمت قلوب المصريين والعسكرية المصرية .. وتجىء المعاهدة لتقسم ظهر الرجال الذين تعشموا ان يجنوا ثماراً لنضالهم أفضل من تلك المعاهدة التى اهدرت دم الرجال المراف فى المعارك .. تنفيذا لاجندة امريكية صهيونية .. لازلنا نقع تحت تأثيرها الى يومنا هذا. وفى نفس العام 1979 الذى تم فيه المعاهده .
قمت بكتابة ( أوبريت غنائى ) بعنوان ( ياسلام يادنيا !! ) وهو اوبريت معارضة لمعاهدة السلام التى وقعت تحت تأثير الضغط الامريكى .. وقام باخراجها الراحل/عبد الحميد المنيَّر .. وهو لمن لايعرفه .. من قام بأداء دور ( السكران ) فىالفصل الثالث من مسرحية الفنان /عادل امام .. شاهد ماشافش حاجة ؛ وتم عرضها على مسرح كلية السلام بمصر الجديدة .. ومسرح سيد درويش بالهرم .. رغم حذف الكثير من الكلمات بمعرفة المصنفات الفنية .. ولكن كان الاخراج الرائع ؛ خير تعويض عن الكلمات التى قاموا بحذفها .. للتعلل بأنها تهاجم النظام الحاكم .. وقمت بالكتابة لتلك المسرحية للاحساس بأننا كجيل شارك فى تلك المعارك العظيمة .. تم اهدار جهده بتلك الوثيقة التى ضاع بين سطورها كل انتصارات الجيش المصرى العظيم >