أيمن عبد المجيد
من الميدان إلى اللجان.. قراءة في العشرية الإصلاحية.. 5
القادرون باختلاف.. عدالة الحماية
بثبات ووجه بشوش، تقدمت «روضة وليد» ابنة التسع سنوات، تقود كرسيها المتحرك آليًا، متجهة إلى صدارة مسرح مركز المنارة للمؤتمرات، جلست بجسدها الصغير، وقلبها الكبير، في مواجهة جمهور حاشد، يمثل أطياف شعب مصر.
عرّفت نفسها، وجهت روضة حديثها للرئيس قائلة: «موهبتي إلقاء الشعر، ممكن تسمعني يا ريس وتقول رأيك، بصراحة بدون أن تجاملني.. ممكن؟»، أجابها الرئيس عبد الفتاح السيسي ضاحكًا: «ممكن».
«صباح الفل على بلدي، على العالم وكل مكان.. أعرفكم بنفسي وأقول لحضراتكم أنا إنسان.. يجوز عندي اختلاف لكن من قال إني شخص ضعيف؟ ما دام بحلم فأنا موجود، ما دام عايش لي كيان.. آه مختلف بس اختلافي في العيون مش في الحياة، مولود بقدرة ربنا ومعايا رب الكون سند ويا بخت من ربه معاه.. محدش فينا عمره اختار ملامح شكله من برة، خلقنا ربنا بإيديه سوانا.. لكن إحنا اللي بنقرر جمال القلب جوانا…».
تضيف روضة: «المستحيل مش مستحيل، المستحيل ممكن يكون بس أنتوا شوفوا بقلبكم مش بالعيون» وما أن انتهت من إلقاء قصيدتها بشكر والدتها، التي كانت بين جمهورها ترقبها بنظرات وملامح وجه نادرة، بمزيج من الفخر والعطف والقلق وأمنيات التوفيق، حتى علق الرئيس: «عاوزه رأيي يا روضة؟ عيدي الكلام الجميل ده اللي إلقائك زاده جمالًا.. سمعينا وعلمينا».
«يوم جميل».. عباره قالها صديقي الكاتب الصحفي القدير علي حسن رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط، وهو يحاورني بانتهاء الحفل، وأجبته «غسيل للروح»، شعور نادر بالصفاء والارتياح النفسي، تلحظه على أغلب الحضور الذين يتفاعلون مع فقرات أطفال كالملائكة، يتحدثون من قلوبهم ببراءة، ورئيس يستمع لهم بود، مجيبًا طلباتهم.
يلتف الأطفال بسعادة غامرة حول الرئيس، متهافتين على احتضانه، بينما يبادلهم حبًا وسعادة، نماذج «القادرون باختلاف»، للعام الخامس على التوالي، تثبت نجاح الدولة والإرادة السياسية، في تحقيق عدالة الحماية الاجتماعية لقطاع من أبناء الشعب هم الأولى بالرعاية والتأهيل للاندماج في المُجتمع.
بليغة تلك الرسائل التي يبعث بها ذلك الحفل، بما يقدمه من نماذج للإرادة والتحدي، والتغير الإيجابي للصورة الذهنية عن «القادرون باختلاف»، من كونهم «ذوي إعاقة»، يستحقون العطف ورعايتهم في المنزل، إلى «قادرون باختلاف»، يستحقون الدعم للاندماج في المجتمع وتنمية قدراتهم ومواهبهم.
خلف كل طفل من هؤلاء «القادرون» الذي يواجهون تحديات حركية، أو ذهنية، أسر تعتصر فيها قلوب الأمهات والآباء ألمًا عليهم، يساورهم القلق على مستقبلهم، يلح ليل نهار على أذهانهم سؤال يأبى أن يفارقهم: ماذا سيكون مصيرهم إذا توفانا الله؟ من بعدنا سيرعاهم ويتكفل بهم؟!
هذا السؤال الإنساني، في حياة يلهث الناس فيها خلف مشاغلهم وتحدياتها منطقي لأم تعلم حجم احتياج ابنها أو ابنتها لدعمها ورعايتها، وهنا يظهر حجم هذا الإنجاز الذي تواصل الدولة تحقيقه في توفير الحماية والعدالة الاجتماعية لتلك الفئة من أبناء الوطن.
فخلال كلمته وجه الرئيس، وهو محاط بالمحبين من «القادرون باختلاف»، المهندس مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، بتخصيص 10 مليارات جنيه لصالح صندوق «القادرون باختلاف»، الذي سيناقش مجلس النواب قانون تأسيسيه وما له علاقة بأوجه الصرف، لتوفير حماية للمستحقين من القادرين باختلاف تضمن لهم الحق في سكن، ودخل يحقق لهم حياة كريمة.
ليس حفلًا سنويًا، بقدر كونه منصة لإطلاق رسائل للمجتمع المصري ومن يهمه الأمر:
١- القادرون باختلاف، مواطنون مصريون لهم دورهم بالمجتمع ومهارات ومواهب تمكنهم من الاندماج، والأمثلة؛ روضة تُلقي الشعر، وأبطال رياضة حصلوا على ميداليات وبطولات دولية، وغيرهم تلاميذ متفوقون بالمدارس وطلاب بالجامعات.
٢- رسالة للأسر القلقة.. اطمئنوا فهؤلاء أبناؤكم وأبناء الدولة المصرية لن نتركهم.
٣- سلوك الرئيس الإنسان، الذي يطلب من عبد الرحمن أن يخلي هو باله منه، بمعنى أن يشمل الرئيس بدعائه، ومن روضة أن تعده بأن تطلب من الله يوم القيامة أن يجعل الرئيس معهم في جنات النعيم، يعطي القدوة للمسؤولين وللشعب كافة بأن خدمة ودعم هؤلاء «القادرون باختلاف» جزاؤه عند الله عظيم.
٤- الإرادة السياسية للدولة تنعكس إيجابيًا على نظرة المجتمع لـ«القادرون باختلاف»، وهو ما أشار إليه الكثيرون منهم، فمن يشاهد المجتمع إبداعه في حفل أو تكريمه لإنجاز حققه ينظر إليه كبطل ونجم لا تلك النظرات السلبية السابقة.
٥- الاحتفاء بالأشقاء الفلسطينيين، رسالة دعم وتأكيد على أن مصر لا تنسى أشقاءها ولا تتخلى عنهم، كما قالتها الطفلة القادرة باختلاف رقية محمود.
فهذا الطفل الفلسطيني الجميل عبد الله كحيل، نموذج لحالات تلقت العلاج في مصر، ونموذج لضحايا العدوان الصهيوني، والأهم نموذج للتحدي والإرادة والصمود الفلسطيني.
عبد الله كحيل ابن السنوات العشر، روى كيف أصيب في قصف الاحتلال لمنزلهم، وكيف كانت قدمه معرضة للبتر، لولا تمسك والدته بالأمل ونقله للعلاج في مصر.. الرئيس صعد للمسرح لتقبيل رأس عبد الله الذي طلب أن يحتضن الرئيس واصفًا إياه بـ«أبويا وحبيبنا».
٦- رعاية «القادرون باختلاف» ليست عدالة اجتماعية وحماية لهم وحدهم وطمأنة لأسرهم على مستقبلهم، بل رسالة أمان لكل المواطنين، فخلال الحفل قدمت نماذج تحولت في لحظات من الحياة الطبيعية إلى قبول تحدي الإعاقة وإظهار قدرة الاختلاف.
بين هؤلاء أبطال فقدوا أطرافًا خلال أدائهم واجبهم في مكافحة الإرهاب وحماية الوطن وشعب مصر، وغيرهم نتيجة حوادث وحروق وغيرها، لكن إرادتهم كانت أقوى، وواصلوا تحقيق البطولات في مجالات عدة.
٧- صفاء طه، بطلة عمرها عشرون عامًا، فقدت القدرة على تحريك أطرافها الأربعة، لكنها لم تفقد الأمل والحلم، والإرادة، نجحت في الدراسة والتحقت بكلية الإعلام، اكتشفت موهبتها لترسم، فتمسك أدوات الرسم بفكها بديلًا عن يديها التي ولدت من دونهما، وحلمها أن تكون إذاعية، تبعث برسالة مثل كثيرين من نماذج ناجحة بما تملكه من إرادة.
رسالتها: «المصريون شعب عظيم، أما القادرون باختلاف فيستطيعون فعل ذلك.. يبقى شعبها أكيد يقدر يفعل المعجزات.. معجزة مصر شعبها».
٨- نعيش في عالم الظن ويومًا ما سنصل إلى اليقين، يقول الرئيس عبد الفتاح السيسي، محذرًا من القلق، بالإيمان بأن الله موجود يحفظ مصر وأهلها دون أن تغفل الحكومة أو مؤسسات الدولة وشعبها دورهم في العمل.
٩- تنظيم رحلات للقادرين باختلاف في سنوات سابقة للقوات المسلحة، والصعود للطائرات، ثم التوجيه مؤخرًا بتنظيم رحلات إلى العاصمة الإدارية الجديدة من كل المحافظات استجابة لطلب الطفلة فريدة، مزج الإنسانية وبناء الإنسان بالمتحقق في بناء العمران.
لم تكن التحديات التي واجهت مصر، في السنوات الثلاث التي سارت فيها حافية القدمين على الأشواك من عام 2011 حتى 2013، تهديدًا للهوية فقط، وغيرها من تحديات الإرهاب، والأزمات الاقتصادية، بل كان التهديد الأكبر يواجه النسيج المجتمعي في ظل تزايد فجوة العدالة الاجتماعية.
سعت الدولة في ظل إرادة سياسية فولاذية، لتحقيق استراتيجية متكاملة للعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان بمفهومها المصري الخالص العادل، حق في سكن كريم، رعاية ودمج لذوي القدرات الخاصة، منحهم وغيرهم من الفئات نسب تمثيل عادل في مجلسي الشيوخ والنواب.
قطع الطريق على محاولات النفاذ من ثغرات الماضي لإحداث فتك في نسيج المجتمع، زادت صلابة النسيج الوطني، بالقضاء على ثغرات استخدمها الأعداء في الماضي، ليس فقط لأسباب أمن قومي بل إيمان من القيادة السياسية بأن قوة الدولة في لُحمتها الداخلية وقوة نسيجها الذي لن يكون إلا بمنح الحقوق وتحقيق العدالة وترسيخ المواطنة.
كل ذلك كان عاملًا محفزًا على الانتقال من الميدان إلى اللجان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لاستكمال ما رأيناه بالأمس، وما يحمله المستقبل من خير بإذن الله رغم التحديات.
وللحديث بإذن الله بقية عن «العشرية الإصلاحية».. والانتقال من الميدان إلى اللجان.