أساتذة الأزهر يكشفون فضل ليلة النصف من شعبان وأفضل الدعاء فيها ومنزلتها
محمد جمال
يتساءل الكثيرون عن ليلة النصف من شعبان، وعن دعائها وعن فضلها، وإحياء ليلها.. "بوابة روزاليوسف"، تنشر، في التقرير التالي.. فضل ليلة النصف من شعبان، والدعاء المستحب فيها ومنزلة تلك الليلة المباركة.. إليكم التفاصيل.
قال الدكتور محمود الصاوي، وكيل كلية الدعوة الإسلامية للبنين بجامعة الأزهر بالقاهرة، إن شهر رجب وضع البذور وشعبان سقي البذور ورمضان وقت الحصاد.
وأضاف: ليلة النصف من شعبان، هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فهي ليلة التجلي الأعظم من الله سبحانه وتعالى على خلقه، فهي ليلة مباركة يتضاعف فيها الجهد بالإنابة والتوبة والاستغفار لانها ترفع فيها الأعمال الى الله عز وجل، وعلينا جميعا أن نستعد لهذه الليلة العظيمة.
أسماء ليلة النصف من شعبان
ولهذه الليلة أسماء كثيرة، منها: ليلة الإجابة؛ لأن الله يستجيب فيها الدعاء، والليلة المباركة، وليلة تكفير الذنوب، وليلة البراءة؛ لأن فيها براءة من الذنوب بغفرانها، ولأن الله تعالى يكتب للمؤمن فيها براءة من النار، وليلة الجائزة، وليلة العتق من النار، قال ﷺ:«ولله فيها عتقاء من النار» (شعب الإيمان).
وأكد الصاوي: لهذه الليلة فضل كبير ومنح عظيمة من الله لخلقه،قال ﷺ: «إِذَا كان لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلاَ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ, أَلاَ مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ, أَلاَ مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ أَلاَ كَذَا أَلاَ كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ». (سنن ابن ماجه).
وقال ﷺ: «يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» (سنن ابن ماجه، وصحيح ابن حبان).
والمشاحن هو الذي امتلأ قلبه عداوة وكرها وحقدًا لغيره.اللهم خلص قلوبنا من الحقد والحسد والضغينة والبغضاء.
من آداب هذه الليلة المباركة، ويندب الاغتسال في هذه الليلة لإحيائها وعظم شأنها. وأضاف الصاوي، علينا أن ندخل إلي هذه الليلة المباركة بصفاء القلب، والتوبة الصادقة، ومسامحة الخلق والعفو عنهم، والتعلق بالله وحده، ولنكثر من ذكر الله، والصلاة، والدعاء.
أفضل الدعاء في ليلة النصف من شعبان
اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، وأمان الخائفين، اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شيئاً أو محروماً أو مطروداً أو مقتراً على في الرزق، فامحُ اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي واقتصار رزقي، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً الخيرات، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل علي لسان نبيك المرسل: (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم، أن تكشف عنا من البلاء ما نعلم وما لا نعلم وما أنت به أعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، وصلى الله على سينا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم".
اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
أما الدكتورة منى صلاح، أستاذ الحديث وعلومه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بالقاهرة فتقول: إن شهر شعبان من الأشهر الفاضلة، وله مكانة خاصة في قلب كل مسلم، وقد ورد في السنة الصحيحة أن النبي ﷺ كان يكثر فيه الصيام، والقيام، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ".
وعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ).
قيام الليل في شهر شعبان
وأضافت أستاذ الحديث وعلومه، أما عن قيام الليل في هذا الشهر : فهو من هدى رسول الله ﷺ، فقد ورد عن النبي ﷺ فيما أخرجه الإمام البخارى بسنده عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لاَ تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلاَ نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ»، فكان ﷺ يصوم ويفطر ويصلى وينام، وهذه هى سنته ﷺ العبادة بغير تشديد علي النفس وبغير مشقة.
يستحب للمرأة أن تقضي فيه ما أفطرته من رمضان
وأكدت أستاذ الحديث وعلومه، أنه يُستحب للمرأة أن تقضى فيه ما أفطرته من رمضان، لما ورد في الصحيح عَنْ السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: «إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ»
وورد أن شهر شعبان تُرفع فيه الإعمال إلى الله ، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ الْأَيَّامَ يَسْرُدُ حَتَّى يُقَالَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ الْأَيَّامَ حَتَّى لَا يَكَادَ أَنْ يَصُومَ إِلَّا يَوْمَيْنِ مِنَ الْجُمُعَةِ،
إن كَانَ فِي صِيَامِهِ، وَإِلَّا صَامَهُمَا، وَلَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تَصُومُ لَا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ، وَتُفْطِرَ حَتَّى لَا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ إِلَّا يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلَا فِي صِيَامِكَ وَإِلَّا صُمْتَهُمَا قَالَ: «أَيُّ يَوْمَيْنِ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمُ الْخَمِيسِ. قَالَ: «ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» قَالَ: قُلْتُ: وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»
صيام يوم النصف من شهر شعبان
وأما عن تخصيص صيام ليلة النصف فلم يرد فيه حديث صحيح، ولكن يستحب صوم ثلاثة أيام من كل شهر وهى الأيام البيض، والذي ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يصومها وأوصى بها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاَثٍ: «صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ»
وقد ورد حديث في فضل النصف من شعبان ولكن فيه ضعف، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَخَرَجْتُ، فَإِذَا هُوَ بِالبَقِيعِ، فَقَالَ: «أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ» وقال الإمام الترمذى : وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ.:و «حَدِيثُ عَائِشَةَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الحَجَّاجِ»، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يُضَعِّفُ هَذَا الحَدِيثَ، وقَالَ: يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ، وَالحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ "
والأمر فيه سعة، وقال بعض العلماء: يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فقط، وفي الصحيح ما يستغنى به عن الضعيف وأن الله ينزل كل ليلة في العام (فقد ثبت في الصحيحين أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله- ﷺ- قالَ: "يَنزلُ ربُّنا تبارَكَ وتعالى كلِّ ليلةٍ إلى سَمَاءِ الدنيا، حينَ يَبقى ثُلثُ الليلِ الآخرُ يقولُ: مَن يَدعوني؟ فأَستجيبَ لهُ، مَن يَسْألُني؟ فأُعطِيَه، مَن يَستغفرُني؟ فأَغفرَ له".
هذا والشهر كله فضل واضح، فلنكثر فيه من الصيام والقيام استعداداً وغرساً للخير حتى نستقبل رمضان بنفوس مطمأنه تعودت الصيام والقيام والقرب من الله تعالى، فمن أدام قرع الباب يوشك أن يُفتح له.
أما الدكتور محمد فضل، أستاذ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة يقول: شهر شعبان فهو شهر يتشعب فيه الخير الكثير لعظمه ودرجته ومكانته، ولذلك كان رسول الله يخصه بمزيد من العبادة، فقد روى الإمام النسائي في سننه عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا منذ الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال النبي ﷺ: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفَع عملي وأنا صائم».
وفي هذا الشهر الفضيل ليلة عظيمة ينظر فيها الحق إلى عباده فيمُنَّ عليهم بالغفران والرحمات، إنها ليلة النصف من شعبان، ومن الأحاديث الواردة في فضل هذه الليلة المباركة بسند يصح الاحتجاج به، بل من العلماء مَن قبِله، ما رواه ابن حبان في صحيحه عن معاذ بن جبل عن النبي ﷺ قال: «يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن»، والمشاحن: هو الذي بينه وبين أخيه المسلم عداوة، وفي هذا الحديث دعوة لكل مسلم بينه وبين أخيه خصومة أن يسامحه وأن يعفو عنه رغبة في تنزل المغفرة والرحمات والبركات في ليلة النصف من شعبان، وربنا يقول: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم}.
منزلة ليلة النصف من شعبان
وأضاف فضل: أما عن منزلة هذه الليلة المباركة، فقد ذهب بعض العلماء إلى الاستزادة فيها من الطاعات، والإكثار من القربات، بل الأولى بالمسلم أن يغتنم أيام عمره ولياليه كلها في طاعة الله، لا سيما مواسم الطاعات والخيرات كشهر شعبان الذي ترفع فيه الأعمال. ولذلك كان شهر شعبان في حياة الصحابة والتابعين ومَن سار على نهجهم شهر عبادة وعمل وتهيئة للنفوس لاستقبال شهر رمضان.
يقول سيدنا أنس:«كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان»، وقال أبوبكر البلخي: «شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، ومن لم يزرع ويغرس في رجب ولم يسق في شعبان، فكيف يريد أن يحصد في رمضان».