د. حسام عطا
الكتابة بها نحيا.. وجائزة ساويرس الثقافية
أصدرت لجنة التحكيم المختصة في باب النص المسرحي تقريراً لافتاً للنظر، أستوقفني كي أناقشه، فهو تقرير يدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بفن الكتابة للمسرح.
وذلك في سياق إعلان جائزة ساويرس الثقافية، التي أثمن دوام انتظامها لتسعة عشر عاما، وقد تم إعلان جوائزها هذا العام في قاعة إيوارت التذكارية بالجامعة الأمريكية في الثامن من يناير 2024م.
ويأتي في تقرير اللجنة ملاحظات عدة على الأعمال المتقدمة للمسابقة.
فقد حجبت الجائزة الأولى لعدم إتقان معظم المتقدمين للمعالجة المسرحية الضرورية.
ثم يرصد التقرير غياب أساسيات الكتابة المسرحية من حبكة وحوار وإرشادات مسرحية، ويلحظ التقرير ملاحظة مهمة أخرى أثارت رغبتي في المناقشة، ألا وهي أن أغلب المسرحيات قد سادت فيها أساليب سينمائية وتليفزيونية تشي بعدم فهم كثير من المتقدمين لطبيعة الكتابة المسرحية.
وإذ أود أن أشير بشكل مبدئي إلى أن تلك المسابقة وأيضًا مسابقات المجلس الأعلى للثقافة هي معنية بالمتقدمين أو المرشحين من جهات لها حق الترشيح، وأنها لا يمكن أن تعبر تعبيرا مكتملا عن المشهد الثقافي.
كما أن معظم المؤلفين المسرحيين المنتظمين في عملهم في مصر يبقون بنسبة ما بعيداً عن التقدم للمسابقات العامة. إلا أن التقرير يتحدث فيما يبدو عن المؤلفين الجدد الذين لا تعرفهم الساحة الثقافية والمسرحية.
وقد تم منح الجائزة الثانية لخالد حسونة وهو قادم جديد لعالم المسرح، نتمنى أن نرى عمله على خشبات المسرح المصري فيما أضافه قطاع الإنتاج الثقافي من قسم لتقديم النصوص الحاصلة على الجوائز.
وهي مسرحية رقصة كابول الأخيرة، وإن كنت ممن يقفون ضد حجب الجوائز في لجان التحكيم، لأنه وبالتأكيد هناك من يستحق الدعم.
فهل بالفعل تراجعت الكتابة للمسرح في مصر الآن، وفقا لمؤشر لجنة التحكيم؟
الملاحظة العامة بعيداً عن تقرير اللجنة، أن الكتاب الراسخين الأحياء من أجيال متعددة لا يقدم المسرح المصري أعمالهم، ومنهم الكاتب الكبير السيد حافظ والكاتب الكبير عبد الغني داود، والكاتب الكبير الذي يكتب وينشر بشكل منتظم محمد ناصف للكبار والأطفال معاً، ولكن نصوصه لا يقدمها المسرح، بالإضافة لجيل جديد منتظم هم أفراد لا يكملون عدد أصابع اليد الواحدة مثل سعيد حجاج وإبراهيم الحسيني وشاذلي فرح وسامح عثمان، وغيرهم.. وهؤلاء لم تتح لهم فرصة الانتظام في تقديم الأعمال.
كما أن عددا من الكتاب الكبار من متعددي الإبداعات غادروا المسرح والكتابة له لصالح أنواع أدبية أخرى وأبرز هؤلاء الكاتب المسرحي الكبير محمد سلماوي، وذلك بعد تجربة أليمة في مسرحيته باب التوفيق، والتي دارت حولها موانع غامضة لعدم خروجها للجمهور.
السؤال الآن: هل المسرح لا يزال مجالا حيويا مهنيا يستطيع استيعاب الكتاب المنقطعين له؟ أقصد الكتابة المسرحية الإبداعية الثقافية بالتأكيد.
ثم تبقى ملاحظة غياب الحوار المسرحي، واستخدام الأساليب السينمائية والتليفزيونية.
وفي اعتقادي أنها نتيجة تكرار أسفر عن فهم خاطئ لمفاهيم مزج السينما بالمسرح والفيديو، وهي الظاهرة المتكررة في السنوات الماضية، إذ لا يخلو عرض مسرحي من وجود الشاشة الخلفية التي تقدم ذلك المزج بين الصورة السنيمائية والمشهد المسرحي بسبب، وبدون سبب فني في معظم الأحيان.
وعدد من المفاهيم النظرية التي تكررت، وفهمها الجدد على سبيل الخطأ مثل مسرح الصورة، وعروض فنون الأداء، والمسرح الراقص، ومسرح الجسد، وما إلى ذلك من مفاهيم صحيحة وإبداعية حداثية أو ما بعد حداثية، إلا أن إساءة فهمها واستخدامها أدى إلى ظواهر بائسة في عالم المسرح المصري، عززت الطريق الثاني للمسرح الضاحك التجاري الهزلي الساذج الذي يعتمد حبكات بسيطة تستهدف التسلية وتستقطب كبار النجوم من الممثلين حتى بات اسم المؤلف أو المخرج في مثل تلك الهزليات الضاحكة التجارية التي تدر الملايين في القاهرة والمراكز العربية الجديدة التي تدمج الترفيه بمعناه العام في الفنون، بينما المسرح ليس فقط عملا يستهدف التسلية والترفية، وإن كان الإبداع ككل هو عملية يأتي الجمهور ليشارك فيها للمتعة بالأساس، ولكن المتعة الجمالية غير موجودة في تلك الأعمال، ولذلك لا تذكر حتى الأخبار العابرة أسماء المؤلفين والمخرجين. ولذلك يبقى المؤلف الجاد في المسرح في حالة عمل مستمر يستهدف معظمه النشر العام في كتب، يجب مراجعتها وجمعها ووضعها في خطط الإنتاج الدرامي المصري والعربي ويبقى هؤلاء يمارسون الكتابة المجانية تماما على وجه ما، بل إن بعضهم يدفع من ماله الخاص كي ينشر كتبه، ولهؤلاء أتمنى وأبشر بالخير القادم بلا شك وإن طالت فترات الانتظار.
وكلما لمحت في عيون أهل المسرح الضاحك الهزلي الممتد إلى عواصم عربية، الذي يتربع على الشاشات التليفزيونية المتعددة، تذكرت أهل الكتابة القابضين على الجمر، وحتى لا يتصور هؤلاء أنه لا أحد يراهم ويسمعهم أذكرهم بأن الكتابة هي فعل وجود حتى وإن لم تدر مالاً مباشراً أو نجاحاً فورياً ملحوظاً، ولهؤلاء الأحياء الذين يعملون في صمت وتجرد أذكرهم بما قال نجيب محفوظ في هذا النوع من الكتابة: (الحقيقة هي أنني أجد سعادتي في الكتابة، فالكتابة بالنسبة لي ليست وظيفة أتكسب منها، وإنما هي مهنتي التي أحيا من أجلها. لقد أمضيت أنا ومجموعة من زملائي سنوات نكتب دون أن يلتفت إلينا، ولأن بعض زملائي كانوا ينتظرون أن يأتيهم المال والنجاح، فقد تركوا الكتابة حين لم يأت أي منهما، أما أنا فقد كنت أجد سعادتي في الكتابة ذاتها، وليس فيما يمكن أن تأتي به، لذلك ظللت أكتب بلا مقابل لسنوات، وأتمنى أن أستمر في الكتابة حتى آخر أيامي. فأنا لا أتصور أن أحرم من هذه المتعة التي لا حياة لي بدونها). ولذلك فهؤلاء الذين يعيشون من أجل الكتابة والإبداع، هؤلاء الندرة النادرة قى عالم الكتابة للمسرح، فلهم السعادة والمتعة ولهم الحياة، وستأتي تلك الكتابة بلا شك بما لا يتصورة أحد.. المجد للمبدعين القابضين على الجمر.
وحقا ما الدنيا ومنها دنيا المسرح والفنون إلا مسرح كبير، وفي الدنيا الواسعة سيبقى ما ينفع الناس، أما الهزل والضحك وإلاضاءة اللامعة وما إلى ذلك فسيذهب جفاء.
وكل التقدير للزملاء الأعزاء الذين دقوا ناقوس الخطر مؤخراً في عالم الكتابة للمسرح.