خبراء: زيارة الرئيس السيسي للهند تعكس توجه مصر نحو أكبر اقتصادات العالم والانفتاح شرقًا
أ.ش .أ
عهد جديد تشهده العلاقات المصرية- الهندية عقب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى نيودلهي، أبرزت التقارب بين مصر والهند وعكست التوجه الحكيم لدى القيادة السياسية المصرية لتوطيد العلاقات مع دول الشرق في ظل انشغال الغرب بالحرب الدائرة في أوروبا و بأمنهم واستقرارهم.
وقد أجمع دبلوماسيون وخبراء سياسيون واستراتيجيون، في تصريحات - لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم الخميس، على الدلالات التي يحملها اختيار الهند للرئيس عبد الفتاح السيسي كضيف شرف في احتفالات نيودلهي بـ"يوم الجمهورية"، و ما يعكسه ذلك من رغبة في استعادة الروابط التاريخية مع القاهرة وإعطاء دفعة جديدة للعلاقات الثنائية والاستفادة من قوة مصر وتأثيرها في محيطها العربي والافريقي، فضلًا عن الحاجة الملحة لإعادة تفعيل "حركة عدم الانحياز" لمجابهة الاستقطابات الدولية الراهنة و لحاجة العالم إلى السلام.
الدكتور نصر سالم أستاذ العلوم الاستراتيجية، أكد أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الهند تعد من أفضل وأنجح الزيارات التي تمت خلال الفترات الأخيرة، حيث تنم عن وعي القيادة المصرية التي أخذت الاتجاه الصحيح وتوجهت نحو دولة من أكبر اقتصادات العالم، وذلك في ظل انغلاق الغرب وتركيزه على الحرب الروسية الاوكرانية بجانب حالة التضخم التي تشهدها أوروبا والولايات المتحدة الامريكية.
وشدد على أهمية الاقتصاد الهندي "الواعد" بالنسبة لمصر؛ موضحًا أن الهند هي ثاني دولة من حيث عدد السكان في العالم وهو ما يمثل فرصة لمصر لفتح أسواقًا جديدة هناك بجانب جذب السياح الهنود لمصر، معتبرًا أن تأمين هذا الاتجاه الشرقي من العالم والانفتاح على تلك القوى الاقتصادية وزيادة التصدير والتركيز على الميزان التجاري بيننا وبينهم سيعود على مصر بالخير.
وذكر سالم بالعلاقات التاريخية والقوية التي جمعت البلدين في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر حيث كان هناك تعاون مشترك في مجالات التصنيع، مبرزًا أيضًا أهمية انضمام مصر لمجموعة دول "بريكس" والتي تضم الهند، حيث سيساعد ذلك في تحسن وتقدم الاقتصاد المصري ومعالجة المشاكل الاقتصادية لاسيما تلك الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا و الحرب الروسية الاوكرانية.
من جانبه، قال اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن استضافة جمهورية الهند للرئيس عبد الفتاح السيسي في الاحتفال بذكرى يوم الجمهورية باعتباره ضيف شرف، لم تكن مجرد دعوة أو زيارة بروتوكولية عادية بل يمكن اعتبارها زيارة تاريخية وشديدة الأهمية وذلك بالنظر إلى مجموعة المقابلات رفيعة المستوى التي عقدها الرئيس السيسي مع رئيس وزراء الهند ورئيسة الجمهورية ورجال الأعمال بالإضافة إلى النتائج الإيجابية التي حققتها هذه الزيارة خاصة فى المجال الاقتصادى والتجاري.
وأضاف، أن زيارة الرئيس للهند والحفاوة التي أحاطت بالزيارة لم تكن وليدة اللحظة وإنما عبرت تعبيراً صادقاً عن عمق العلاقات التاريخية والحضارية بين الدولتين التي بدأت منذ عقود مضت حتى وصلت هذه العلاقة إلى مرحلة كبيرة من التنسيق فى المواقف والتوافق التام على كيفية حل المشكلات الإقليمية والدولية وكذا التعاون الثنائى فى العديد من المجالات التي تمثل أهمية بالنسبة للجانبين.
وأوضح أن تلك الزيارة نقلت العلاقات الثنائية إلى مرحلة يمكن توصيفها بأنها مرحلة العلاقات الاستراتيجية التي تعنى أن التفاهم والتعاون بين الدولتين فى مختلف المجالات السيساية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من المجالات قد وصل إلى مرحلة غير مسبوقة سوف تظهر نتائجها بشكل أكثر وضوحاً خلال الفترة المقبلة وبما يعود بالنفع على الدولتين لاسيما فى هذه المرحلة التي تتزايد فيها المشكلات الدولية والتي تظهر فيها الحاجة من جانب كل من مصر والهند إلى أن تتزايد قنوات التواصل الثنائى لمواجهة المتغيرات التي تؤثر تأثيراً سلبياً على استقرار العالم.
ولفت الى حرص الرئيس على استثمار هذه الزيارة فى الدفع فى إتجاه ضرورة تكثيف التعاون بين الدولتين خلال المرحلة المقبلة ولاسيما إمكانية زيادة الاستثمارات الهندية فى مصر والاستعداد لتقديم كل التسهيلات الممكنة من أجل إنجاح هذه الاستثمارات وأن تكون مصر مرتكزاً لانطلاق الهند نحو التعاون التجاري مع القارة الإفريقية، قائلًا: "وقد كان هناك تجاوباً واضحاً من كافة المسؤولين ورجال الأعمال الهنود وتوافقهم على أهمية التوجه نحو مزيد من دفع استثماراتهم فى مصر مستقبلاً".
ونوه اللواء الدويري، في نفس الوقت، بالإشادة الواضحة من المسؤولين الهنود بما حققته مصر تحت قيادة الرئيس السيسي من تطور وتنمية ونهضة اقتصادية غير مسبوقة إضافة إلى التأكيد على مدى ماتقوم به مصر من جهود فى مكافحة الإرهاب وحل المشكلات الإقليمية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط وإفريقيا.
من ناحيته، رأى اللواء عادل العمدة، الخبير الاستراتيجي، أن دعوة رئيس جمهورية مصر العربية لزياره نيودلهي كضيف شرف في احتفالات الهند بعيدها الوطني، جاءت نظرًا للمكانة التي تتمتع بها مصر لدى دولة الهند بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه القيادة السياسية المصرية المتمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي في إقرار السلم والأمن العالميين ودوره الناجز في محاولة حل القضايا الإقليمية والدولية العالقة والتي تسبب دائمًا تأثيرًا بما تفرزه من تحديات وتهديدات فى محيطنا الإقليمي.
وشدد اللواء عادل العمدة على أهمية تلك الزيارة للهند كون مصر هي النقطة الأساسية والرقم الأهم في المعادلة بالإقليم؛ فمصر تلعب دورًا قويًا في المرحلة الحالية في دعم اجراءات الأمن والسلم العالميين، مؤكدًا أن دائمًا وأبدًا ما تتسم العلاقات المصرية الهندية بالتميز نظرًا لعراقة الدولتين على مستوى العالم و المشاركة المسبقة فى حركة عدم الانحياز، فضلًا عن العلاقات الممتدة وامتلاك البلدين لقيم ومبادئ وعقائد وطموحات كلها تتفق وتتسم بالصدق وعدم التدخل في شؤون الاخرين وهو ما يتناسب مع السياسة الخارجية المصرية عبر التاريخ.
ولفت إلى أهمية الهند كعضو بارز في "مجموعة بريكس"، في إشارة لإمكانية ضم مصر معها في تلك المجموعة، واصفًا العلاقات الهنديه المصرية بالقوية والمتأصلة.
وشدد على أن القيادات السياسية بالبلدين تتفق في الرؤى فيما يتعلق بالحلول التي تتناسب مع حجم المشاكل الاقليمية والدولية وللأزمات الراهنة التي لم يشهدها العالم من قبل و قد تقضي على الأخضر واليابس خصوصًا في ظل تنامي الصراع الروسي الاوكراني وما يترتب عليه من اثار وتداعيات سلبية على الأمن والاستقرار بالعالم.
فيما وصف السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، اختيار الهند للرئيس المصري ليكون ضيف شرف احتفالات "يوم الجمهورية" بانه اختيار "مميز" ولابد من تسليط الضوء عليه وذلك بجانب دعوة مصر أيضًا في اجتماعات مجموعة العشرين التي ستترأسها الهند العام الحالي، وهو ما يبرز الاهتمام الكبير الذي توليه نيودلهي للقاهرة ولدفع علاقات التعاون المشترك.
وذكر الدبلوماسي المخضرم بالروابط المصرية الهندية القديمة للغاية حيث كلا البلدين عانا من نفس الاستعمار ولهما تجربة مشابهة مع الاحتلال ومحاولات الاستقلال، كما جمعت بينهما صداقة قوية وعمل معًا على تأسيس "حركة عدم الانحياز" التي قدمت آفاقًا جديدة في السياسية الدولية و حافظت على علاقات طيبة مع الجميع، فضلًا عن تأسيس مجموعة سبع وسبعين (تحالف مجموعة من الدول النامية ) قبل ان تتسع بعد ذلك وهي أكبر تجمع بالأمم المتحدة.
وشدد السفير جمال بيومي على أن مصر تستعيد صديقتها القديمة "الهند" وتعمل على دفع التعاون في مختلف المجالات ولاسيما السياسي والاقتصادي والصناعي، مبرزًا أهمية القاهرة لنيودلهي التي تسعى إلى الاستثمار في منطقة قناة السويس وإلى التعاون مع مصر في العديد من المجالات من بينها البحث العلمي والتعليم.
من جهته، أكد السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية الأسبق أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للهند تعكس إرادة سياسية مصرية - هندية مشتركة لترسيخ العلاقات الثنائية من جانب، ومن جانب اخر تعزيز التعاون فيما بينهما في شتي المجالات بما في ذلك المجالات العسكرية والتصنيع العسكري.
وأضاف ان تلك الزيارة الهامة جاءت كذلك في إطار رؤية استراتيجية واحدة بضرورة تعميق التعاون بين دول الجنوب دفاعًا عن المصالح في زمن التحولات في النظام الدولي، متحدثًا من ناحية أخري، عن دعوة الحكومة الهندية لمصر للمشاركة في قمة مجموعة الـ٢٠ التي ستعقد في سبتمبر المقبل في ظل الرئاسة الهندية هذا العام للمجموعة.
ولفت السفير حسين هريدي إلى أن القمة المصرية - الهندية قد تمخضت في نيودلهي عن الاتفاق علي إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين، ستمثل إطارا جديدا وطموحا للعلاقات المصرية - الهندية. بدوره، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن دعوة الرئيس السيسي لحضور احتفالات الهند بعيدها الوطني لا ترتبط فقط بمناسبة مرور ٧٥ عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة ونيودلهي، إنما تؤكد لاسيما على خصوصية العلاقة مع مصر باعتبارها أهم دولة محورية في الاقليم.
وأضاف أن الهند ترى مشاركة رئيس جمهورية مصر العربية كضيف شرف باحتفالات "يوم الجمهورية" مرتبط بعلاقات تاريخية وممتدة وفي إطار حركة عدم الانحياز، وهو ما يسموه بـ"الاحياء الثاني" للعلاقات الثنائية بعد سنوات من تأسيسها.
وتابع في هذا الصدد أن "الاحياء الثاني" مرتبط بعقيدة الرئيس السيسي كما يرونها؛ وهي عقيدة مرتبطة برؤية الهند لهذه القيادة التي تقيم العلاقات على أساس الندية وتعمل على بناء مؤسسات الشراكة والتعاون في ملفات متعددة على كافة المستويات.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن هذه الحفاوة الكبيرة في دعوة و استقبال الهند للرئيس السيسي مرتبطة برؤية نيودلهي لما يحدث في الاقليم، حيث يسعون لطرق باب إفريقيا والشرق الاوسط ويرون أن مصر هي البوابة الرئيسية لذلك، وأن القيادة السياسية المصرية نجحت بمهارة في تحقيق معادلة صعبة في اقليم مضطرب بكل ما فيه، ولذلك فمن المهم التنسيق مع مصر في عدة مجالات لاسيما تلك المرتبطة بالسياسة المالية والنقدية.
وذكر بأن الهند دخلت في مجالات جديدة وهي الهيدروجين الاخضر و الاقتصاديات الخضراء وتسعى إلى الاستثمار في هذا المجال من خلال المشروعات المرتقبة في المنطقة الاقتصادية المصرية، بجانب المشروعات الاخرى المطروحة في ملفات التكنولوجيا و الزراعة ومبادلة القمح.
وشدد على أهمية لقاء الرئيس السيسي برجال المال والأعمال في الهند ما يؤكد حضور واهتمام الدولة المصرية بشكل مباشر ودعم القيادة السياسة لمجتمع المال والاعمال، لافتًا كذلك إلى التعاون العسكري المهم بين البلدين، في إشارة إلى زيارة مؤخرا للهنود إلى مصر فضلًا عن وجود مجموعك مصرية تشارك في تدريبات بمناسبة احتفلات الهند بعيدها الوطني، مؤكدًا سعي نيودلهي لتطوير منظومة التعاون العسكري والاستراتيجي بصورة كبيرة خلال الفترة المقبلة مع مصر.
ورأى الدكتور طارق فهمي أن الفترة المقبلة ستشهد دفعة جديدة في العلاقات المصرية الهندية لاسيما لدخول مصر بقوة في قارتها الافريقية و بفضل استراتيجية الرئيس السيسي القائمة على التوجه نحو دول الشرق حيث لا توجد خصومات أو عداءات مع تلك البلدان، بجانب السعي لبناء شراكات ممتدة وطويلة، والاستفادة بالعلاقات الطيبة مع الهند وكذلك روسيا والتعامل مع منظمة شنجهاي للتعاون ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والمجموعات الاقتصادية الأخرى.
ونوه إلى فكرة تاريخية العلاقات بين القاهرة ونيودلهي بالعودة إلى تأسيس "حركة عدم الانحياز" و في حديث عن إعادة تقييم تلك الحركة ومحاولة بنائها مرة أخرى من خلال الهند ومصر في هذا التوقيت المهم.
واختتم أستاذ العلوم السياسية بأن زيارة الرئيس السيسي إلى الهند ستفتح أبواب مجالات استثمارات مشتركة وستدفع التعاون بين البلدين، وسيكون لها انعكاسات إيجابية كبيرة على مجمل السياسات المصرية في منطقة جنوب شرق آسيا، كما ستحجز لمصر دورًا في الترتيبات المقبلة، سواء كانت استراتيجية أو سياسية.