محمد العريان: المؤتمر الاقتصادي يركز على إطلاق العنان لإمكانيات مصر الكبيرة
إبراهيم جاب الله
قال الخبير الاقتصادي المصري العالمي الدكتور محمد العريان اليوم، الأحد، إن معظم التركيز في هذا المؤتمر الاقتصادي المنعقد حاليًا هو عن النظرة المستقبلية لمصر، الفرص والمخاطر وإمكانية إطلاق العنان لإمكانيات مصر الكبيرة.
وأضاف العريان - في كلمة مسجلة له تم بثها خلال أعمال المؤتمر الاقتصادي - أنه طلب منه التركيز على موضوع آخر غير مصر وهو البيئة المحيطة، ضاربًا مثالًا بالمنزل والحي الذي يضمه، فمعظم المؤتمر سيركز على المنزل ولكنه سيقوم بالتركيز على الحي.
وأشار إلى أن الجميع يعلم أن الحي يعد مهما للمنزل، حيث إن الحي الجيد من شأنه تعزيز قيمة المنزل وجعل الأمور أكثر سهولة، أما الأحياء التي يوجد بها مشكلات فمن شأنها أن تجعل المنزل يواجه تحديات.
ووصف الواقع المؤلم الذي تعيشه الدول اليوم بأنه حي يواجه تحديات كبيرة أبرزها الاقتصاد العالمي والنظام المالي العالمي، موضحًا أن هذه التحديات تأتي من الدول المتقدمة واقتصادات مجموعة السبع بالأخص، وكلما زاد عدم الاستقرار في الدول المتقدمة كلما تفاقمت هشاشة الاقتصاد العالمي مما يجعل الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة للدول الأخرى.
ودلل العريان على ذلك بمثال لتسليط الضوء على الوضع المتقلب الذي يعيشه العالم حاليًا، ويتعلق المثال بالاقتصادات المتقدمة وخاصة باقتصاد مجموعة السبع أي نخبة الاقتصادات المتقدمة متسائلًا كم مرة شهد اقتصاد مجموعة السبع انهيارًا فوضويًا في العملة وزيادة غير منضبطة في العائدات وانتقادا علنيا من صندوق النقد الدولي وتحذيرات من وكالات التصنيف وتدخلات طارئة من البنوك المركزية وسياسات حكومية متعددة معاكسة انتهت باستقالة رؤساء للوزراء.
وتابع أن هذه الأمور الستة حدثت بالفعل في اقتصادات مجموعة السبع، خلال الأسابيع الخمس الماضية، وهي توضح عدم الاستقرار الكامن وغير المتصور والذي تأسس في الدول المتقدمة، واعتبر المملكة المتحدة مثالًا واضحًا جدًا فكان السبب في عدم استقرارها هو أخطاء في السياسات المالية مثل محاولة خفض الضرائب دون وجود تدابير تعويضية للإيرادات.
وأوضح أنه توجد أسباب متعددة كذلك لعدم الاستقرار في جميع الاقتصادات العالمية، ففي الولايات المتحدة يحاول البنك الفيدرالي والذي يعد أقوى البنوك المركزية حول العالم خفض جماح التضخم، إلا أنه وقع في خطأ تصنيف التضخم بوصفه أنه "تضخم مؤقت"، وبالتالي تأخر في رد الفعل ويعمل حاليا على رفع سعر الفائدة بمعدلات تعد الأسرع في التاريخ.
وأشار إلى أن البعض يعتقد أن ذلك سيتسبب في وصول الاقتصاد الأمريكي إلى الكساد، كما يساور القلق البعض حيال تقويض ذلك الأمر لأداء الأسواق المالية حول العالم.
أما بنك اليابان، قال العريان إنه يعاني من مشكلات في عالم تسوده أسعار فائدة مرتفعة وينطبق الأمر ذاته على البنك المركزي الأوروبي.
وأكد أن القضية الرئيسية هي معايشة العالم لاقتصاد يكتنفه حالة من عدم اليقين، متسائلا عن السبب وراء ذلك "لماذا يتفاقم عدم استقرار الحي المحيط بالمنزل ؟ ولماذا أصبح هشا؟ ومن المؤكد أن لذلك العديد من الأسباب أبرزها هو القدرة على النمو حيث فقدت العديد من الدول قدرتها على النمو بسبب الخصائص المتغيرة للاقتصاد العالمي فقد انتقل من اقتصاد عالمي يفتقر إلى معدلات كافية من الطلب إلى اقتصاد عالمي يفتقر إلى معدلات كافية من العرض".
ولفت إلى أن العالم يشهد اضطرابات في معدلات العرض لذا يواجه النمو الاقتصادي تأثيرات معاكسة جديدة، كما تغيرت العولمة، هي الأخرى بسب التغيرات الجيوسياسية ورغبة الشركات في تفضيل المرونة على الكفاءة مما أدى إلى نوع جديد من العولمة.
وأشار إلى التباطؤ الاقتصادي المتزامن للمناطق الثلاث الرئيسية في العالم وهي الصين وأوروبا والولايات المتحدة، موضحًا أن محركات النمو الثلاثة للاقتصاد العالمي تتباطأ ولهذا فإن صندوق النقد الدولي يجب عليه إعادة النظر في توقعاته أوائل الشهر الجاري.
وحذر العريان من أن الأسوأ لم يأتِ بعد، لذا فإن عجز النمو في الاقتصاد العالمي هو القضية الأولى التي يواجهها العالم الآن أما القضية الثانية فهي التضخم المرتفع والمستمر، وقد تحول ذلك التضخم من كونه نتيجة لصدمتي الطاقة والغذاء الناجمتين عن الأزمة الروسية-الأوكرانية إلى شيئ أوسع نطاقًا.
وأشار إلى أن الاقتصاديين يقيسون محركات التضخم، بما يسمى بالتضخم الأساسي الذي يستبعد التقلبات التي تشهدها بعض السلع صعودًا وهبوطًا.
وأوضح أنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، فإن التضخم الأساسي لا يزال يرتفع إذ أن هناك مشكلة تضخم وهي التي تجبر البنوك المركزية على خيارات صعبة للغاية "هل تواجه التضخم بصرامة وتخاطر بسحق الاقتصاد والتسبب في عدم استقرر؟ أم تتخذ إجراءات ناعمة تجاة التضخم وتخاطر بإمكانية حدوث ركود تضخمي؟".
وقال إنه بين ذلك المزيج من النمو المنخفض والتضخم المرتفع، اختارت البنوك المركزية والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالأخص اتخاذ موقف صارم ضد التضخم، مما أسفر عن ارتفاع حاد في قيمة الدولار بنسبة تزيد عن 20 في المائة مقابل العملات العالمية الأخرى هذا العام وهذا بالطبع يعني المزيد من الضغط على العملات الأجنبية واحتياطيها.
أما عن القضية الثالثة، فتتعلق بالأسواق المالية، وقال "دعونا نفكر بالأمر بالطريقة التالية لقد تكيف النظام مع بيئته وتميزت تلك البيئة في أكثر من عقد بمعدلات فائدة منخفضة للغاية بلغت صفر في الولايات المتحدة الأمريكية وسلبية في أوروبا وضخ هائل للسيولة من قبل البنوك المركزية".
وتابع أنه في عالم كهذا تحمل النظام المالي الكثير من الديون واكتسب المزيد من المديونيات، لأنه افترض أن هذا النظام سيستمر لفترة طويلة ومع ذلك فإن التضخم غير كل ذلك ونتيجة لذلك يتعين على النظام المالي نفسه التكيف مع الواقع المتغير، معتبرا أنها حقيقة تتغير بسرعة كبيرة وتتمثل في رفع أسعار الفائدة، الذي يعد الأعلى من قبل الاحتياطي الفيدرالي منذ عدة عقود.
ومع ذلك تأتي ضغوط السيولة في كبرى الأسواق المالية في العالم وتأتي أيضا ردود فعل السوق الهائلة على أي تقلبات كما حدث في المملكة المتحدة ومع ذلك تأتي مخاطر وقوع أزمة مالية، معتبرا هذه بيئة صعبة للغاية بالنسبة للغالبية العظمى من دول العالم "الحي المحيط يتحدى المنزل .. إنها البيئة .. إنه الواقع الذي يتطلب مرونة كبيرة وعناية كبيرة واستجابة نشطة في التعامل مع تلك الأمور التي لا يمكن تصورها".
واعتبر أنه يجب وضع هذه السمات الثلاثة وهي العناية والمرونة والاستجابة النشطة في الاعتبار أثناء الانتقال من الحي المحيط إلى المنزل الاقتصاد المصري وأثره .. لقد بدأت بصورة منزل وحي محيط به دعوني أختتم بصورة أخرى، وهي صورة لرحلة وعرة للغاية، وصولا لوجهة أفضل وتكمن وعورة الرحلة في الصدامات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي والتمويل العالمي.
وأضاف أنها رحلة وعرة بطبيعتها لكنها إلى وجهة أفضل هذه الوجهة تتميز بنمو أكثر شمولًا واستدامة من حيث المناخ والبيئة سوف تتميز بنظام مالي أكثر استقرارًا وليس التمويل المصطنع للبنوك المركزية في الدول المتقدمة بل الاستقرار المالي الحقيقي و"نأمل في أن يتسم العالم بتنسيق أفضل للسياسات المالية لمعالجة المشكلات المشتركة".