أيمن عبد المجيد
سوريا إلى أين؟.. الأسئلة الملحة بين التطورات والمآلات
بدأت المرحلة الثانية من مُخطط إعادة رسم خريطة المشرق العربي، سقط نظام الأسد الذي حكم سوريا أكثر من خمسة عقود، انسحابات دراماتيكية للجيش وداعميه، صفقات دولية في الكواليس، ستتضح معالمها في الأيام المقبلة.
غادر بشار الأسد دمشق بعد أن رفع داعموه حمايتهم، وتقدم أبو محمد الجولاني برعاية مُحركية، والشعب السوري بين معاناة سنوات الصراع ومستقبل مجهول.
الجولاني، خلع قناع الإرهابي وسيرتدي قناع السياسي، بدأ يتحول اسمه في البيانات من أبو محمد الجولاني، كنيته في التنظيم، إلى أحمد الشرع، الاسم المدني في بطاقة هويته.
إدارة إعلامية احترافية بدأت بالتحفيز على الانشقاقات عن نظام الأسد، ورسائل طمأنة: «من انشق أو لزم بيته فهو آمن»، ثم بث فيديوهات إطلاق السجناء بكل مدينة يدخلونها، لخلق صورة ذهنية مفادها إنهم محررو الشعب من ظلم نظام ديكتاتوري.
وقطعًا في صراع مسلح دام 13 عامًا، انتهاكات وفظائع ارتكبت من جميع الأطراف بحق مواطنين، المنتصر يطمس جرائمه، ويضخم من نشر ما يدين المهزوم، لترسيخ شرعيته، ومؤكد سيكون ذلك الخطاب الإعلامي في الفترة المقبلة.
محمد غازي الجلالي رئيس وزراء سوريا تصرف بحكمة، التزم منزله بدمشق ولم يغادره إلى أي بلد آخر، قال: سوريا وطني الذي لا أعرف غيره، باقٍ في منزلي للحفاظ على مرافق الدولة، والحكومة مستعدة للتعاون مع أي سلطة يختارها الشعب لنقل كل الملفات إليها بطريقة منظمة وسلسة، داعيًا للحفاظ على مقدرات الدولة التي هي ملك للشعب.
مستقبل البلاد مرهون الآن بمدى القدرة على إدارة مرحلة انتقالية، ومدى قدرة الفرقاء- بتنوع فصائلهم ومصالحهم وارتباطهم بالقوى الدولية- على بناء سلطة بديلة.
ليست الأمور بالبساطة والسهولة التي يظنها البعض، فمشاهد الاحتفاء بسقوط الأنظمة، سبق وشاهدها الملايين على الشاشات، منذ تحطيم تمثال صدام حسين، في بغداد 2003 قبل نحو 20 عامًا، وما تلاه من سقوط أنظمة عربية عام 2011 وصولًا إلى نظام الأسد، فهل من هللوا للبدايات كانوا يدركون مآسي المآلات؟!
إن ما يحدث اليوم حلقة في صراع عميق لإعادة رسم خريطة القوى الدولية، بانعكاساتها على إعادة رسم خريطة المشرق العربي ومعادلات النفوذ بداخله، وامتداده بالشرق الأوسط بأكمله.
ملامح الخريطة الجديدة:
١- مساعٍ لتقسيم وتفتيت الدول.
٢- خلق حزام حدودي آمن للكيان الصهيوني.
٣- تأمين طرق التجارة الدولية «الحزام والطريق» الصيني، في مواجهة «الممر الاقتصادي الأمريكي الهندي طريق البخور». في سوريا طرق بالغة الأهمية «الحرير التاريخيّ» m4، m42 وm5، وهي طرق تربط مصالح تركيا وإيران والعراق، والقوى العظمى التي لها قواعد الآن في سوريا.
٤- ترك نظام الأسد سوريا وبها قواعد عسكرية لخمس دول وميليشيات، قاعدتان جوية وبحرية لروسيا في الساحل السوري بطرطوس واللاذقية، وقواعد أمريكية، والاحتلال الصهيوني في الجولان، وتواجد لإيران وأذرعها في مقدمته حزب الله اللبناني، وتواجد لقوات تركية، وميليشيات مسلحة بينها تابع لتنظيمات إرهابية، فكيف يدير القادم للحكم ذلك الملف؟
٥- إعادة تمكين الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، كأحد أهم أدوات الأسلحة الحديثة في الحروب الهجين للقوى العظمى، الحرب بالوكالة.
سوريا إلى أين؟.. الأسئلة المهمة؟
١- هل يستطيع القادمون بناء حكومة موحدة لإدارة شؤون البلاد والحفاظ على وحدة الأراضي السورية؟ أم سيبدأ صراع نفوذ الفصائل المُعبر عن صراع القوى الصانعة والداعمة لكل فصيل لينتهي الأمر بتقسيم سوريا إلى دويلات متصارعة مذهبيًا وطائفيًا، تنفيذًا لمخطط تقسيم الدول العربية الذي بدأ السعي إليه منذ العام 2000.
2- هل يملك القادم للحكم قدرة طرد القوى الدولية متناقضة المصالح الموجودة على الأرض وهي من صنعته؟ أم ستتوافق تلك القوى التي توافقت الآن على سقوط نظام الأسد بدون قتال على بقائها وتقاسم السلطة عبر وسطائها؟
٣- ما تأثيرات أحداث سوريا على دول الجوار: العراق والأردن ولبنان؟ وهل سيمتد الصراع إليها لبتر أذرع إيران، أم سيتم العمل على تقسيمها إلى دويلات عرقية ومذهبية وطائفية وفق مخططات الخرائط الجديدة للمنطقة؟
٤- ما ضمانات الحيلولة دون الانتقال بالصراع من الصورة المُصطنعة «ميليشيات في مواجهة نظام بهدف إسقاطه»، إلى «صراع مذهبي سني شيعي بين الأذرع الإيرانية والميليشيات المسلحة»، خاصة أن فصائل شيعية عراقية دعت لفتح باب التطوع للذهاب إلى دمشق بزعم حماية العتبات المقدسة في سوريا؟
٥- ما مصير الجيش السوري، وقوته التسليحية التي خلّفها النظام بتنوعها وقواعدها العسكرية؟ وما ضمانات عدم سقوط الأسلحة الحديثة في قبضة تنظيمات إرهابية تُمكن في ضوء تقاسم السلطة وفق معدلات القوة على الأرض؟
٦- وما أثر ذلك على إعادة إحياء خلايا الإرهاب في المنطقة؟
الحقيقة أن الأيام المقبلة حبلى بصفقات دولية ومفاجآت للمنطقة، ومخططات تضع خطوطها العريضة القوى المتصارعة، تحكمها متغيرات معادلات القوة ومجريات الصراعات والحروب الهجينة متعدد الأسلحة والأدوات.
والمؤكد أيضًا، أن الجيش العمود الفقري للدولة، ينبغي أن يتشكل من خيوط نسيج الوطن، عقيدته حماية شعبه وأرضه، لا أن يكون طائفيًا يتفكك برحيل نظام أو حاكم.
الدرس.. جيشنا وطني تشكل من خيوط نسيج الشعب، انحيازه في 2011، 2013 لإرادة الشعب، مكّن مصر بحفظ الله ووعي شعبها من عبور المخطط الذي سقطت فيه دول أخرى.
الأوطان كما الإنسان، عمودها الفقري جيشها الوطني بعقيدته الصحيحة، تظل ما بقي قويًا منتصبة القامة مرفوعة الهامة، وتنحني لا قدر الله إذا انكسر.
الأوطان يحميها الله، ووعي شعوبها وقوة جيشها صحيح العقيدة، لا بدعم القوى الإقليمية والدولية، التي تحكم مواقفها مصالحها وتغيرات معادلات القوة وبنود الصفقات.
حفظ الله سوريا وشعوبنا العربية
حفظ الله مصر.