عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الانحياز للرئيس انحياز للدولة

الانحياز للرئيس انحياز للدولة

بقلم : طارق رضوان

أيام تاريخية هى.. فهى تكتب التاريخ. وتثبت قواعد سياسية من أجل المستقبل. أمة تختار رئيسها من صناديق الانتخاب. دولة من العالم الثالث تنتخب رئيسًا لها. الحدث فى حد ذاته مهم وخطير. وعلى الشعب أن يدرك دوره التاريخى. ليس فيمن سيختار. بل فى المشاركة نفسها. أيًا كان الاختيار. المهم هو أن يشارك الجميع فى التصويت. ليس من أجل عبدالفتاح السيسى. بل من أجل مصر ومستقبلها. وإن كنت شخصيًا منحازًا لعبدالفتاح السيسى.



أنا لا أعرف الحيادية. هكذا تعلمت هنا بين جدران تلك المؤسسة الصحفية العريقة وبين جدران تلك المجلة. فأنا منحاز إلى مصر وإلى شوارعها الطيبة ولناسها وإلى الجيش المصرى وإلى مدينتى بورسعيد وإلى النادى المصرى وإلى روجر فيدرر لاعب التنس وإلى دييجو ارماندو ماردونا وإلى الغلابة المطحونين وإلى الموهوبين فى كل المجالات وإلى العلم وإلى المستقبل وإلى عبدالفتاح السيسى. ولكل انحياز أسباب ليس الوقت الآن لشرح أسبابها. لكن انحيازى لعبدالفتاح السيسى لأسباب يمكن أن أعلنها وأسباب لا يمكن أن أعلنها. فانحيازى المعلن نابع من اختياره لتشكيل الدولة المصرية. فقد اختار الدولة القوية. دولة تليق بحجمها ونفوذها وتاريخها وجغرافيتها.

وكان فى الإمكان أن يختار الرئيس الطريق السهل. الخالي من المعوقات. وينال رضا الجميع. محافظًا على شعبيته الجارفة التى اكتسبها منذ ثورة يونية. وهى الشعبية التى لم ينلها جمال عبدالناصر العظيم. فقد اتفق عليه الناصريون والسادتيون والمباركيون. الرجل اختار الدولة ولم يختر نفسه وشعبيته. اختار أن تكون مصر دولة قوية تحارب الإرهاب والفساد والفقر والمرض والجهل. كى لا تبقى خارج التاريخ. وتظل كما هى دولة رخوة منذ أربعين عامًا. فرجال الدولة الرخوة لديهم أبواق إعلامية ومظلة حماية تحمى مصالحهم وفسادهم.

وعلى مقدرة  لتحريك المجتمع الدولى ضد الدولة. ويعطون للشعب إيحاءً بأن كل شىء على ما يرام. الأسعار كما هى والدعم مستمر لكل السلع بما فيها الطاقة والسيطرة على سوق المال يُثبّت سعر العملة المحلية. ليبدو أن المجتمع مستقر رغم أن الدولة تتآكل من الداخل ولا تتقدم خطوة واحدة للمستقبل. لكن الرئيس السيسى بجسارة وقوة وتصميم وإرادة اختار الطريق الصعب الوعر. وهو الطريق الذى خشى منه كل من سبقوه. وكان لكل منهم أسبابه المقنعة دون التجنى على أحد منهم. فعبدالناصر اختار طريقه ومنهجه. والسادات كان يعيش وسط أمواج متلاطمة يمكنها فى أى لحظة أن تطيح بنظامه وبه هو شخصيًا وهو ما حدث. ومبارك اختار التوازن والانكماش والتواري فى وقت كان العالم يستعد للتشكيل من جديد بانهيار إمبراطورية وانفراد وإمبراطورية أخرى بقيادة العالم. لكن الرئيس السيسى اختار طريقًا آخر تمامًا. أعداؤه أكثر وأقوى من مؤيديه. اختار الطريق الطويل المؤلم. لكنه الطريق الصحيح. فى وقت أزمة عالمية فى الفكر وفى الواقع تعكس آثارها على الجميع وتصيبهم بمضاعفتها. وصميم الأزمة العالمية أن المجتمعات شرقًا وغربًا لم تعد فى عصمة عقائد أساسية يمكن استلهامها فى السياسات ويكون القياس عليها فى التصرفات. ويقع الاحتكام إليها فى حل الأزمات ضمن بناء منطقى متكامل له فضاؤه ومرتكزاته. فمنذ نهاية القرن التاسع عشر ظهرت عقيدتان أساسيتان. وقفت كل واحدة منهما مقابل الأخرى. وطرحت نسقًا متكاملًا فى الفكر والفعل. بل استطاعت أن تنشئ دولة نموذجًا حسب مواصفاتها. كانت العقيدة الأولى تعتمد على آلية السوق وتلك هي عقيدة الرأسمالية أو الليبرالية وكانت دولتها النموذج فى البداية هى بريطانيا ثم أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت العقيدة الثانية ترى أن التخطيط المركزى من الدولة هو الذى يساعد المجتمعات للتقدم وهذه هى عقيدة الماركسية أو الشيوعية وكانت دولتها النموذج فى البداية هي الاتحاد السوفيتى ثم أصبحت الصين. ومع سقوط الاتحاد السوفيتى راحت الولايات المتحدة تهيئ نفسها وتطرح مقولات نظام عالمى جديد وتنشر اجتهادات «بريجنسكى وكيسنجر ونعوم تشومسكى» عن نهاية التاريخ وصراع الحضارات.

وظهرت بوادر القرن الجديد تشير إلى بروز ظاهرة أشد تأثيرًا وقوة وعلى نحو يعطيها الفرصة لكى تكون سلطانًا حاكمًا يرث العقائد المتعثرة فى أزماتها. وهذا السلطان هو ما يطلق عليه العولمة. وقوانينها متمثلة فى رأسمال يتحرك بدون قيود.

وبشر ينتقلون بغير حدود. ومعلومات تتدفق بدون سدود. تتحكم فيها الشركات العابرة للقارات وصندوق النقد والبنك الدولى تدير حوالى ألف بنك وشركة صناعية وتجارية ومالية تتحكم وحدها فى نصف الإنتاج العالمى تقريبًا ما قيمته 12 تريليون دولار من حجم إنتاج عالمى قيمته 25 تريليون دولار سنويًا. وتنضم إلى هذه التحالفات منظومة إعلامية عالمية تسيطر على حركة المعلومات والمواد الإخبارية والترفيهية المتزاحمة فى الأجواء والمتدفقة من القنوات الفضائية. وكلها تؤثر بطريقة فادحة على اهتمامات وتطلعات وأمزجة الناس، بل إن لها القدرة على إعادة صياغة وتشكيل هذه الاهتمامات والتطلعات والأمزجة وتكاد أصواتها وألوانها أن تحل محل الثقافة وأن تعيد كتابة التاريخ. اختار الرئيس السيسى رأسمالية الدولة ومحاربة الفساد.

فى وقت زاد الشد والجذب والاحتكاك. فدور الرجل فى عصره وزمانه أصبح مدخلًا إلى تطويق وحصار كل ما هو قابل للبقاء مما عبر عنه وما هو قادر على أن يجد لنفسه تعبيرات متجددة تلهم وتقود فى عصور وأزمنة أخرى. ومن ذلك فنحن أمام حرب من نوع جديد لها هدف مزدوج من ناحية حصار تجربة وتصفية آثارها إلى درجة محوها أو تحويلها فى الذاكرة من حلم إلى كابوس. ومن ناحية أخرى بناء تحصينات تحجز المشروع المصرى عن إمكانية تجديد نفسه والتوافق مع مستقبل من حق الأمة أن تتطلع إليه وأن تقاربه بالفكر وتستطلع مسالكها إليه بالفهم. ودخل فى حرب من نوع جديد. حرب المستقبل. تدور معاركها حوله وتدور فيه وتدور عليه وهذه الحرب ينبغى أن تشغلنا بل ينبغى أن تقلقنا لأنها تواجهنا بتحديات من نوع غريب. فهذه الحرب تستغنى بالكامل عن كل ما عرفه تاريخ الصراع من أشكال الحروب.

هى حرب مستغنية عن بؤرة معينة. أرض أو موارد تدور المعارك لاحتلالها أو لتأمينها. ثم هى حرب مستغنية عن مسرح استراتيجى للعمليات له تخومه وتضاريسه. وهى كذلك مستغنية عن جبهة قتال محددة تنطلق أو تتوقف عليها النيران وفوق ذلك فهى لا تحتاج إلى السلاح أو قوة النيران يلحق بها.

هذه الحرب يصعب متابعة حركتها بما فى ذلك حساب خسائرها. فليست هناك جيوش تتقدم أو تتراجع وليست هناك خسائر بشرية من القتلى أو الجرحى يمكن عدهم. كما أنه ليس هناك عتاد ومعدات يمكن حصرها. وذلك كله غير مرئى وغير منظور لأن هذه الحرب تشتعل وتحتدم فى عقول الناس وفى وعيهم وفى ضمائرهم. وأهم من ذلك فى ذاكرتهم. وهكذا فإن الإصابة فيها بصعق البرق وليست بطعن الجرح والنزيف فيها ليس دمًا يسيل. وإنما إدراك يتسرب. ثم إن المنتصر فيها لا يستولى على جغرافيا. وإنما يستولى على تاريخ.

ولا يكتفى بحصار الواقع. وإنما يحصر الخيال وهنا الخطر. اختار الرئيس الاهتمام بالغرب دون أن يكون ذلك على حساب الشرق. لكنه يظهر أن من بين العرب من يقبلون بتعدد الزوجات فى أحوالهم الشخصية أما فى مجال علاقاتهم الدولية فالمزاج لا يحتمل التعدد. والغريب عند العرب أن الظواهر تشير إلى أن رباطهم المقدس مع الغرب عاطفة من جانب واحد. ولكن من جانب الغرب فليس هناك وقت لغير الفرص والمصالح وإن أحاطت بها بعض المراسم كالحلوى من السكر الملون للترغيب. لكن الأوهام العربية تعلق على المراسم بما هو أكثر من حقيقتها. تحسبها عهدًا وعقدًا وأصحابها لا يقصدونها كذلك.

لذلك اختار الرئيس السيسى التوازن فى التعامل ما بين الغرب والشرق. فعادت مصر إلى قوتها ومكانتها ووضعها الطبيعى بين الأمم. لذلك فأنا منحاز للرئيس السيسى لأنى منحاز لاختياره للدولة. الدولة القوية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز