د. أحمد الديب
الحمد لله علي نعمة الوطن
بقلم : د. أحمد الديب
تتفاوت قيمة الأشياء عندما تمتلكها وعند فقدها أو الإبتعاد عنها ، في حالة الإمتلاك يحدث ما يمكن أن نطلق عليه الإعتياد والذي يتحول شيئاً فشيئاً إلي فقدان الإحساس بقيمة الأشياء وإن بقيت قيمتها حاضرة في العقل الباطن . عند الفقد أو الإبتعاد إذا جاز لنا التعبير ، تنتقل القيمة من العقل الباطن إلي الوعي . دعني أستخدم المقاربات ، أتذكر مقولة " الصحة تاج علي رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضي" ! هذا هو المعني الذي أقصده ...وهكذا يمكن أن نستبدل الصحة في المقولة السابقة بأي شيء له قيمة ، الحب ، المال ، الأصدقاء ، الأوطان ،........... كل شيء في حياتنا وله قيمة يمكن أن ينطبق عليه ذات المعني.
وعلي ذكر الأوطان ، يتيح لك الإغتراب والسفر إلي وطنك في أجازاتك القصيرة الكثير من الملاحظات والتأملات والتي لا يتثني لك ممارستها في ظروف أخري . ما يتيحه لك السفر لا يتعلق فقط بالمستوي العاطفي الطبيعي والحتمي أقلها سعادتك الغامرة عند عودتك المؤقتة في أجازاتك القصيرة وحزنك العميق والذي لا تبديه عادة وقت سفرك . الأمر يتجاوز المستوي العاطفي إلي المستوي الفكري ، والذي يدعوك للتعجب والتساؤل . عودتك القصيرة المؤقتة للوطن ليست مفروشة بالورود كما أنها أبعد ما تكون عن الإستجمام والفسحة والإسترخاء وتغيير الجو ، وفي نفس الوقت ، وفي كل مرة ، تتمني أن تمكث مدة أطول ، وفي أحيان كثيرة تتمني أن تمكث إلي الأبد.
الملاحظة التي تستحق التأمل في هذا السياق هي أنك لا تكاد أن تجد مصرياً في الغربة لا يحلم بالعودة ، ربما يتناقض توجهه العاطفي والذي يجعله دائم الرغبة في العودة مع توجهه الفكري والذي يرغمه علي المكوث لأسباب تتعلق بجودة الحياة والمسائل المادية وغيرهما . والحق أقول ، أكاد أن أجزم أن الأمور المتعلقة بالحنين إلي الأوطان وحلم العودة وحكايا الذكريات لا أقول يحتكرها المصريون دون غيرهم ولكن علي الأقل هي الأكثر وضوحاً والأكثر إلحاحاً لدي المصري دون غيره والذي قلما يعبر عن حنينه للوطن أو رغبته في العودة وهذا ربما ينطبق علي جنسيات عربية وأجنبية عديدة قلما يعبر التوجه العاطفي عن نفسه بينما يكون العقل والفكر أكثر وضوحاً .
بالرغم من أن السفر حلم يراود الكثير من الشباب المصري والذي يمثل عنده الملاذ الوحيد ، تساورك الدهشة حين تلاحظ أن الشاب الذي كان يسعي سعياً حثيثاً من أجل السفر وكأنه تحول إلي إنسان آخر حين ينجح في السفر ولا يمكث إلا قليلاً في غربته حتي يصاب بحمي الحنين والرغبة في العودة .
في أثناء ترتيبات أجازتي الأخيرة ، تلقيت إتصالاً من صديق عربي ، فلما إعتذرت عن قلة التواصل بسبب إنشغالي بترتيبات الأجازة والتأشيرة ، سكت لبرهة وتنهد ثم قال " تاشيرة وإجازة إلي مصر ....عارف أنا مشفتش أهلي من إمتي وده مش إختياري ، أنا مقدرش أعمل تأشيرة ، ولو قدرت أعمل تأشيرة مقدرش أسافر" ..لم أكن أتخيل أنه سيأتي اليوم الذي يغبطك فيه أحدهم لأنك تستطيع العودة في أي وقت تشاء .
ما حدث لي بعد هذا الموقف أشبه بما يسميه الأجانب.. PARADIGM SHIFT...وهو المفهوم الذي يمكن لنا أن نصفه بأنه نقلة نوعية فيما يخص الأفكار والتصورات الذهنية ، وكأنك كنت تحتاج إلي أن تناظر حالك بحال من فقد وطنه ، من مكث سنوات طوال لا يستطيع سبيلاً إلي أبويه وإخوته وأصدقاء طفولته. تذكرت صديقي سالف الذكر وأنا أري ختم الجوازات وسمعته يحدث صوتاً علي جواز سفري فقلت في نفسي "إنه صوت الدولة" .
طموحنا من أجل الوطن لا تحده حدود ، لكنه وطن ، أكبر وأثمن وأعمق من الشخوص، وهو رغم كل شيء لا يزال بخير علي ما أري . لا تزال القطارات تجوب من الجنوب إلي الشمال ولا يزال الموظفون يسعون إلي وظائفهم ولا يزال المسجد مسجداً ولا تزال الكنيسة كنيسة . لا يزال الناس يفرحون ويحزنون ، يضحكون ويبكون . لا يزال الأطفال يتوجهون إلي مدارسهم كل صباح .الحمد لله علي نعمة الوطن.
تتفاوت قيمة الأشياء عندما تمتلكها وعند فقدها أو الإبتعاد عنها ، في حالة الإمتلاك يحدث ما يمكن أن نطلق عليه الإعتياد والذي يتحول شيئاً فشيئاً إلي فقدان الإحساس بقيمة الأشياء وإن بقيت قيمتها حاضرة في العقل الباطن . عند الفقد أو الإبتعاد إذا جاز لنا التعبير ، تنتقل القيمة من العقل الباطن إلي الوعي . دعني أستخدم المقاربات ، أتذكر مقولة " الصحة تاج علي رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضي" ! هذا هو المعني الذي أقصده ...وهكذا يمكن أن نستبدل الصحة في المقولة السابقة بأي شيء له قيمة ، الحب ، المال ، الأصدقاء ، الأوطان ،........... كل شيء في حياتنا وله قيمة يمكن أن ينطبق عليه ذات المعني.
وعلي ذكر الأوطان ، يتيح لك الإغتراب والسفر إلي وطنك في أجازاتك القصيرة الكثير من الملاحظات والتأملات والتي لا يتثني لك ممارستها في ظروف أخري . ما يتيحه لك السفر لا يتعلق فقط بالمستوي العاطفي الطبيعي والحتمي أقلها سعادتك الغامرة عند عودتك المؤقتة في أجازاتك القصيرة وحزنك العميق والذي لا تبديه عادة وقت سفرك . الأمر يتجاوز المستوي العاطفي إلي المستوي الفكري ، والذي يدعوك للتعجب والتساؤل . عودتك القصيرة المؤقتة للوطن ليست مفروشة بالورود كما أنها أبعد ما تكون عن الإستجمام والفسحة والإسترخاء وتغيير الجو ، وفي نفس الوقت ، وفي كل مرة ، تتمني أن تمكث مدة أطول ، وفي أحيان كثيرة تتمني أن تمكث إلي الأبد.
الملاحظة التي تستحق التأمل في هذا السياق هي أنك لا تكاد أن تجد مصرياً في الغربة لا يحلم بالعودة ، ربما يتناقض توجهه العاطفي والذي يجعله دائم الرغبة في العودة مع توجهه الفكري والذي يرغمه علي المكوث لأسباب تتعلق بجودة الحياة والمسائل المادية وغيرهما . والحق أقول ، أكاد أن أجزم أن الأمور المتعلقة بالحنين إلي الأوطان وحلم العودة وحكايا الذكريات لا أقول يحتكرها المصريون دون غيرهم ولكن علي الأقل هي الأكثر وضوحاً والأكثر إلحاحاً لدي المصري دون غيره والذي قلما يعبر عن حنينه للوطن أو رغبته في العودة وهذا ربما ينطبق علي جنسيات عربية وأجنبية عديدة قلما يعبر التوجه العاطفي عن نفسه بينما يكون العقل والفكر أكثر وضوحاً .
بالرغم من أن السفر حلم يراود الكثير من الشباب المصري والذي يمثل عنده الملاذ الوحيد ، تساورك الدهشة حين تلاحظ أن الشاب الذي كان يسعي سعياً حثيثاً من أجل السفر وكأنه تحول إلي إنسان آخر حين ينجح في السفر ولا يمكث إلا قليلاً في غربته حتي يصاب بحمي الحنين والرغبة في العودة .
في أثناء ترتيبات أجازتي الأخيرة ، تلقيت إتصالاً من صديق عربي ، فلما إعتذرت عن قلة التواصل بسبب إنشغالي بترتيبات الأجازة والتأشيرة ، سكت لبرهة وتنهد ثم قال " تاشيرة وإجازة إلي مصر ....عارف أنا مشفتش أهلي من إمتي وده مش إختياري ، أنا مقدرش أعمل تأشيرة ، ولو قدرت أعمل تأشيرة مقدرش أسافر" ..لم أكن أتخيل أنه سيأتي اليوم الذي يغبطك فيه أحدهم لأنك تستطيع العودة في أي وقت تشاء .
ما حدث لي بعد هذا الموقف أشبه بما يسميه الأجانب.. PARADIGM SHIFT...وهو المفهوم الذي يمكن لنا أن نصفه بأنه نقلة نوعية فيما يخص الأفكار والتصورات الذهنية ، وكأنك كنت تحتاج إلي أن تناظر حالك بحال من فقد وطنه ، من مكث سنوات طوال لا يستطيع سبيلاً إلي أبويه وإخوته وأصدقاء طفولته. تذكرت صديقي سالف الذكر وأنا أري ختم الجوازات وسمعته يحدث صوتاً علي جواز سفري فقلت في نفسي "إنه صوت الدولة" .