عاطف حلمي
فزاعة التمويل الأجنبي
بقلم : عاطف حلمي
لايزال تعاملنا حتى الآن مع قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني في مصر يعتمد على انصاف الحقائق تارة والشحن العاطفي تارة أخرى والتخوين والاتهام بالعمالة تارة ثالثة، لندور في حلقة مفرغة حتى تحول الملف إلى سلاح للتهديد وفزاعة للتخويف.
العراب
عراب التمويل الأجنبي والأب الروحي له في مصر بلا منازع الدكتور سعد الدين إبراهيم، هو أحدى معضلات هذا الملف القديم الجديد، فهو كان البوابة الذهبية للكثير من المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني المصرية نحو الحصول على التمويل من الكثير من الجهات الأجنبية وبشكل خاص الأمريكية.
ورشة
وأذكر أنه عقب انتخابات مجلس الشعب عام 1995، كلفت بصياغة وإعداد ورشة عمل للنشر كانت تجمع بين الكثير من رموز منظمات المجتمع المدني الآن، الذين كانوا في ذاك الوقت يخطون خطواتهم الأولى في هذا المجال.
ومن خلال التسجيل الصوتي للورشة، التي كانت بشأن تقييم مراقبة هذه المنظمات لتلك الانتخابات البرلمانية،أدركت مدى دور الدكتور سعد الدين إبراهيم في ملف التمويل الأجنبي بالكامل فهو كان بمثابة "كبير الجلسة"، الجميع يحكتمون إليه، بل كان بعضهم يشكون إليه من تجاوز هذا المركز أو تلك المنظمة في تغطية دوائر كان يفترض أن يغطيها هو والأكثر من ذلك أن أحدهم كانت شكواه في حصول مركز منافس له على تمويل أكبر منه أو لايستحقه، وهذا الشخص يعيش الآن في الولايات المتحدة الأمريكية.
سطوة
قوة وسطوة سعد الدين إبراهيم على هؤلاء الذين كانوا يتلمسون الطريق في مجال العمل الحقوقي ومنظمات المجتمع المدني وأغلبهم من الشباب ــ في ذاك الوقت ــ بدت واضحة جلية تماما عندما باغت سعد الدين إبراهيم أحدهم وهو الآن من أبرز رموز المجتمع المدني في مصر، وقال له "أنت ناصري"، وبسرعة البرق جاء الرد " لا .. كنت ناصري .. الآن لا" كما لو كانت الناصرية تهمة أو لربما كان يخشى من تصنيف سعدالدين إبراهيم له.
والحديث عن سعد الدين إبراهيم يحتاج دراسات مطولة، منذ الستينيات عندما كان رئيساً لاتحاد الطلبة في امريكا، مروراً بدوره في التمويل الأجنبي، واشرافه على رسالة سوزان مبارك، وعلاقته بقطر، ودوره مع جماعة الإخوان، حيث اعترف في حوار أجرته معه جريدة "الجريدة" الكويتية بأنه هو من قدم جماعة الإخوان لمراكز صنع القرار في واشنطن، بناء على طلبهم ــ أي الجماعة ــ وأنهم سرعان ما عرفوا طريقهم بمفردهم من دونه، حسبما يقول هو، والآن يحاول الترويج لأكذوبة المصالحة وهي قصة أخرى.
نصف الحقيقة
كل ما سبق بشأن التمويل الأجنبي أمر واقعي وحقيقي، لكنه نصف الحقيقة أما النصف الثاني فيعمد البعض إلى تجاهله لغرض في نفس يعقوب، وهو ما يمكن أن أوجزه في نقاط سريعة قدر الإمكان، فلا أحد ينكر دور هذه المنظمات في تبني العديد من القضايا الحقوقية والوقوف أمام تجاوزات نظام مبارك في مجالات التعذيب وقمع الحريات والإضطهاد الديني، وحقوق السجناء والطبقات الأكثر فقراً في مصر واستقلال القضاء والمحاماة، وترسيخ الديمقراطية.
ثقافة مجتمع
ولا أحد ينكر أن المجتمع المصري يتبرع ويكون سخياً في الشأن الإنساني والإغاثي، لكن ثقافته لم تعهد بعد فكرة التبرع لمنظمات حقوقية، أو توعوية في مجالات الحريات والديمقراطية، ومن ثم فأنه قبل الحديث عن وقف التمويل الأجنبي عليكم ايجاد البديل المحلي.
تقنين ورقابة
ولا احد ينكر أن تلك المنظمات لطالما نادت مرات عديدة أيام مبارك بتقنين وضعها من خلال تشريع ينظم عملها ويجعلها تحت الرقابة المباشرة للجهاز المركزي للمحاسبات، ومن ثم يتم رصد وضبط كل دولار أو يورو يدخل إليها إلا أن نظام مبارك كان كل هدفه تشويه صورتها والقضاء عليها.
ميزانيات
ولا أحد ينكر أن معظم تلك المنظمات تنشر ميزانيتها السنوية بها كل تفاصيل التمويل الأجنبي، لأن تلك الجهات الأجنبية ليست ساذجة أو "هبلة"، حتى تعطي تمويلاً لمنظمة أو مركز دون متابعة وتأكد من جدية الصرف، بل إن الحصول على تمويل أجنبي له قواعد وأصول وأوراق وبرامج ومستندات.
ازدواج المعايير
ولا أحد ينكر أن نفس الهيئات الأجنبية الأوروبية والأمريكية تمول جهات حكومية رسمية مصرية، فلماذا تبيح الحكومة لنفسها الحصول على التمويل الأجنبي من نفس المصادر وتحرمه على غيرها، لا تحدد جهات التمويل التي تراها مشبوهة وتعلن قائمة بها وتقدم حيثيات تلك الشبهات.
وأخيراً سيظل ملف التمويل الأجنبي ملتبساً يستخدم فزاعة للضرب تحت الحزام والتشويه والتشكيك في الذمم والاتهام بالعمالة والخيانة طالما ظللنا نتعامل معه من منطلق انصاف الحقائق ولأهداف شخصية.