عاجل
السبت 19 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
شباب الترجمة الرصين

شباب الترجمة الرصين

بقلم : منير عامر

لولا أن الخريطة فى منطقتنا ترتج بعنف ما يجرى فيها من مشاهد تبدو كأنها قد خرجت من الجحيم، لولا ذلك لكنت قد طالبت بأن تتوحد الإذاعات وقنوات التليفزيون فى قاعة المسرح الصغير لنزهو جميعًا بعيد الميلاد العشرين لنافورة معرفة فياضة تنقل الوجدان من قاع التخلف كى يسير فى أرض واقع تطور أفكار الدنيا بمثقفيها  فنتعرف على موقع أقدامنا ولنرى بوضوح ما أمامنا ونخطو إلى مستقبلنا بعيدا عن هذا الجحيم اللعين الذى نراه كل مساء من طائرات تقذف حممها باسم اختلاف المذاهب بين أبناء الدين الواحد، ونرى تشويها بغير حد لا لأديان السماء وحدها، ولكن لأى قيم إنسانية يدعى العالم المتقدم أنه ينير بها منطقتنا.




أخذنى التوتر والضيق وعجز التنفس من تذكر مشروعا تحمست له وأعنى به المشروع القومى للترجمة الذى تحول إلى صرح يحمل اسم المركز القومى للترجمة، أسسه الموسوعى الجليل والجميل د. جابر عصفور الذى قرر أن يواصل مهمة أستاذ أستاذته، وأعنى به د. طه حسين أول من أرسى مشروعا للترجمة فأصدر قرابة الستمائة عنوان باسم «الألف كتاب» وظلت الترجمة من بعد ذلك عرضة لهوى دور النشر إلى أن قرر جابر عصفور إطلاق المشروع القومى للترجمة فأثرى اللغة العربية حتى كتابة هذه السطور بقرابة ألفى وخمسمائة كتاب.


وكان جابر عصفور قد استطاع تطويع البيروقراطية المصرية، فأذعنت لتفكيره وصار لدينا مركزا قوميا يدفع للمترجم ما يقيه سؤال أهل اللؤم والمكر وأعنى بهم أغلب أصحاب دور النشر الخاصة، الذين يمتصون دم المؤلف والمترجم بدعوى أنهم يخسرون ويمارسون مهنة هى والإفلاس سواء. ولن أتحدث عن مناظرهم فى معارض الكتب وهم يقتنصون ما فى جيوب عشاق القراءة ويعودون للشكوى وكأن أيا منهم لا يكسب الآلاف ولا أقول الملايين.


استطاع جابر عصفور أن يؤسس هذا المركز لينقل عن اللغات الأخرى أجمل ما تحتويه من أفكار؛ بل وحملت العناوين ما سبق ما جرى من ربيع مزيف عصف بمنطقتنا، فقد قدم المشروع أفكار من وضعوا أسس التنافر بين المذاهب الإسلامية لتكون حربا بين أبناء العروبة وبعضهم، وبين أتباع الدين الواحد.


وقدم المركز تحت قيادات متتابعة العديد من المؤلفات الرصينة، أتوقف عند الموسوعة الرائعة التى لا أعرف كيف لم نقم الاحتفالات بها، وهى موسوعة المعارف الإنسانية التى استعدت لها باريس لسنوات سبقت ميلاد القرن العشرين؛ وما أن أطل القرن الواحد والعشرين حتى أضاء مسرح الأوديون الفرنسى بمحاضرة تستمر لساعات يلقيها عالم متخصص فى فرع ما من فروع المعرفة؛ وعبر ثلاثمائة وخمسة وستون محاضرة أضاء مسرح الأوديون بموجز ما قدمته البشرية من افكار. وكثيرا ما نشف ريقى من فرط المطالبة من جامعاتنا أن نعطى كل محاضرة تم إلقاؤها فى ذلك العام كى يتم تبسيطها وعرضها على شاشة التليفزيون الثقافية بدلا من هذا الهذر الرخيص.


وحين نتحدث عن الأديان والتطرف والتصوف والفن والروايات، سنجد المؤلفات تتوالى وتوضح، لكن احتراف الضجيج هو اللص الذى يسرق الوقت ويدمر أجهزتنا العصبية فلا نعرف كيف يمكن أن ندير أيامنا.


ويمكننى أن أتوقف بكل جلال الاحترام عند رجل يطل النبل الهادئ من خطواته وأعنى به المدير الحالى المسئول عن المركز وهو الأستاذ الدكتور أنور مغيث، وحين تتحدث إليه ستجد سمات أساتذة الفلسفة العظماء الذين يثيرون أقرانهم وتلاميذهم قيمة وجدوى أن تفكر وأنت حر غير خاضع لأى ضغوط، فإذا كانت الفلسفة هى سؤال إبن الرابعة من العمر «لماذا؟» ثم البحث فى بقية العمر عن إجابة لتلك الـ«لماذا؟» وكيف تتوالد منها عشرات المئات من الأسئلة، إذا كانت هذه هى الفلسفة فهى بعيدة عن تحويل العقول إلى بالوعات لصرف المنقول بتشوه من كتب التراث لتصبح تيارات دينية حملها مرتشون وقتلة مثل حازم أبوإسماعيل وصفوت حجازى تحت إشراف الجاسوس الأول ولا أعنى به محمد مرسى بل أعنى به أول من أسس جماعة تدعى الإسلام والإسلام منها براء.


وأريد أن أقول للعقل المرتب الهادئ والواثق أنور مغيث: حلمى أن أجد عددا من كتب التعلم الذاتى والذى يصبح القارئ له هو أستاذ نفسه؛ فضلا عن حلمى الشخصى بأن أجد كتبا فى الفنون الرفيعة، وأعلم أن رفعة خلقك وأسلوب عملك المنظم والمنتظم سيهبنا كل ما نحلم به.
 

دامت مصرنا طيبة بمثل عطائك أيها النبيل المحترم، والنبالة هى للمركز ولشخصك فى آن واحد

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز