عاجل
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
سر خاتم زكي طليمات.. والفضاءات الثقافية

سر خاتم زكي طليمات.. والفضاءات الثقافية

ينمو الإنسان وهو طفل صغير عبر اللعب ويحدث ذلك  التعلم والإدراك  عبر أهم أنواع اللعب الإنساني ألا وهو اللعب الإيهامي.



إنه يمنحنا الفرصة الذهبية لأن نعيد تشكيل الواقع مع المتعة الابداعية كي نفهمه ونحلله وندرسه ونحسن جودته.

وأيضاً تفعل ذلك الفعل الإبداعي، ألا وهو فعل المحاكاة الأمم الحية وهي تمارس صنع نماذج المحاكاة المتعددة للواقع كي تراه في موقف المتأمل المحايد، كي تشعر به وتفهمه وتجعله أكثر جمالاً وإنسانية وتضع له خطط الحاضر والمستقبل. 

ولعل هذا الأمر المهم الذي برزت فيه مصر منذ فجر التاريخ  عبر ألعابها للأطفال وللكبار، وابتكارها لفن المسرح والدراما يظل في إطار حفظ وحماية الجينات الثقافية المصرية هذه الخاصية التي تساهم في تحسين وجه الحياة، وقبول الآخر ووحدة النسيج الاجتماعي والهوية المصرية بكل مكوناتها المتعددة، عبر قدرة هذا النسيج المتعدد على التعبير بحرية عن نفسه مما يعبر عن حضوره المتفرد ويدمجه في النسيج المصري العام.

أتذكر الخيال الثقافي المصري، وقوة الفكر المصري القادم من أول حضارة في التاريخ إثر الإشارة بالغة الأهمية التي جاءت في كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتي ذكرنا فيها كمصريين بأهمية القوة الثقافية لمصر، في معادلة قوة مصر الشاملة عبر الاقتصاد والمعرفة ووحدة الإرادة والانسجام بين مكونات الشعب المصري العظيم.

واعتزازنا التاريخي بقوته الصلبة القوات المسلحة المصرية، فكما تفضل في كلمته خلال فعاليات الندوة التثقيفية الأربعين للاحتفال بالعام الأول بعد الخمسين بنصر أكتوبر المجيد الممتد إلى الحاضر والمستقبل برعاية الله عز وجل وحفظه، طالما بقيت وحدة مصر القوية بتجانس وتناغم ووحدة النسيج المصري، شعب يرنو للمستقبل ويخطو لتغيير الواقع نحو الافضل، مستنداً علي القوة المصرية الصلبة والناعمة معا، على قوة الفعل والتفكير معا، علي وحدة العقل والوجدان، وهو شرط الضرورة للحفاظ على الحاضر.

وسط كل التوترات المحيطة بمصر في دوائرنا العربية والإقليمية، وفي خضم كل تلك المتغيرات الدولية بالغة التداخل والازدواج المتعدد، والتعقيد بالغ التركيب في عالم متغير.

وفي إطار متابعتي لما يدور في مصر الأن من بحث متصل للمثقفين والمفكرين والفنانين عن حضور ودور فاعل وتأثير جديد، تذكرت بكل ما أملك من ذاكرة مضيئة الإخلاص المهني والثقافي والإبداعي للرائد المصري المؤسس زكي طليمات.

إذ استوقفني عندما كنت طالبا بالمعهد العالي للفنون المسرحية أطالع كتب مكتبته الخاصة التي أهداها لمكتبة المعهد العالي للفنون المسرحية، استوقفني خاتمه الذي ختم به كتبه والذي عرف به نفسه علي هذا النحو: زكي طليمات – مدير المسرح المدرسي – ثم اختيار المهمة الثانية وهي عميد المعهد العالي للفنون المسرحية ثم ختم ختمه بالصفة الثالثة وهي مدير الفرقة القومية للمسرح.

وإذ كان الرائد المجدد زكي طليمات قد قدم صفة المسرح المدرسي أولا فهذا لإدراكه أهميتها، لأن الأطفال بالنسبة للمبدع المثقف الوطني زكي طليمات هم الهدف الأول لإبداعه الفني، ذلك أن ثقافة الطفل المصري ومسرحه المدرسي هو جامع الفنون، وعناصر المسرح المدرسي تحقق تذوق وفهم الموسيقى والغناء والفنون التشكيلية، والقدرات الحركية البدنية والتفكير والخيال والتمثيل ومحاكاة الواقع عبر اللعب المسرحي الإيهامي.

وقد كان هذا الخاتم وهذا التعريف هو سر بيني وبين نفسي، إذ ألهمني حقا الرائد المؤسس أهمية الدور، فكان اهتمامي المبكر بالمسرح المدرسي وثقافة الطفل ومسرحه، وهو الأمر الذي لم يقف بيني وبين اهتماماتي الأخري للكبار سواء في الإخراج أو الكتابة. فهكذا المعلم الرائد يبقي بكل تفاصيله ملهماً حتى في خاتمه الذي يضعه على كتبه في مكتبته الخاصة ، فلروحه السلام.

هذا الجيل من الرواد جيل زكي طليمات ويوسف بك وهبي ونجيب الريحاني وروزاليوسف وعزيز عيد وجورج أبيض وفاطمة رشدي، وغيرهم من العلامات الكبرى هو جيل يجب تأمل كل تفاصيله الصفيرة والكبيرة، خاصة أنه جيل عمل في المسرح والفنون التعبيرية قبل أن تدخل يد الدولة القوية التدخلية في الستينيات المصرية من القرن العشرين في عالم الثقافة والفنون.

هذا الجيل كان لدية إرادة نادرة في قدرته على الإنجاز عبر التفاعل مع المجتمع المدني المصري ثم السعي للدولة للحصول علي الاعتراف وعلي تبني المشروعات الكبرى.

وهو جيل ملهم جداً تذكرت قدرته علي إتاحة الفضاءات المسرحية عبر بناء دور العرض المسرحي في الأحياء السكنية العامرة، وعبر إضاءة وسط القاهرة الخديوية بمنارات مسرحية، وعبر قدرته علي تحفيز المجتمع المدني للاستثمار الاقتصادي في دور العرض المسرحي والسينمائي معا. هذا الجيل لم يعرف الفصل أبدا بين ما هو ثقافي مصري وبين ما هو جماهيري.

إذ إن إبداعهم عبر الفنون الجميلة بمعناها الاحترافي الجمالي والمعرفي كان إبداعا جماهيريا بالضرورة.

ولعل دور القوة الناعمة المصرية عليه أن يذهب لإرادته إرادة المجتمع المدني مجددا، وفي هذا يبقي من الضرورة منح حزمة من التسهيلات لإنشاء الفضاءات الثقافية ودور العرض المسرحي والسينمائي، وغيرها مع تسهيلات ضريبية ودعم في التراخيص والمرافق العامة.

كما أتطلع لتذكير وزارة الثقافة وجهاز التنسيق الحضاري بالقانون الذي يمنع هدم دور العرض المسرحي والسينمائي، إلا للصالح العام مع الالتزام بوجود دار للعرض كجزء من المبني الجديد الذي يستهدفه التطوير العمراني وهو الشرط الموجود قانونا، والذي يجب تفعيله مجددا ، مع تحفيز المجتمع المدني للدخول في مجال الاستثمار الثقافي.

 ووضع شرط أراه مهما، افترحه على وزارة الإسكان، وهو ضرورة وجود دور للعرض المسرحي والسينمائي في الأحياء والمدن الجديدة مثل حي الفنون الباهر في العاصمة الإدارية الجديدة.

مصر الجديدة في عيونها الأسئلة وأنتم الإجابة المذهلة، ولا حل في إجابتي المتواضعة لأزمة الانفصال بين ما هو جماهيري وجمالي في الفنون التعبيرية المصرية، إلا الذهاب للتأسيس الأول في مسرح المدرسة وثقافة الطفل، فهو الأمر الذي يقدم لنا المبدعين الجدد والجمهور الكبير صاحب الذائقة الفنية رفيعة المستوى.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز