عاجل
الأحد 9 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الأماكن تعشق وتحارب

الأماكن تعشق وتحارب

بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني

 أستغرب هذا الحب الذي لا يأتي ولا يذهب.. حب بدرجة الشغف.. يبتسم من بعيد ليغريك بالاقتراب فإذا اقتربت ابتعد.. تتلفت حولك مذهولا.. لتجده يتحرك مبتسما ثانية من بعيد.. تتبعه بنشوة.. ليذهب بك لأماكن لا تراها إلا حين تصل إليها.. هذا الحب لك وليس له.. وهذه الأماكن هي من أرسلته لك.. وتلك هي المسألة الحقيقية..



 

    تلتقي كل يوم بهؤلاء الذين يتحدثون طويلًا عن أحلامهم التي لم تتحقق وفي سبيل جهادهم من أجل تحقيقها حققوا هم أحلامًا مختلفة كان آخرون يحلمون بها.. لم يكن طبيبي يريد أن يكون طبيبًا لكنه التحق بالجامعة حتى يحص على شهادة كبيرة تقنع أهله بأن يمارس كتابة الشعر التي يحب.. وحين قص علي قصته تلك للمرة المائة تقريبًا لاحظت كيف استدرجته الأماكن إليها.. كيف استدرجته كليته ثم مستشفاه ثم عيادته.. وكيف كان يحقق التفوق بأقل مجهود.. حتى أنه وجد من يساعده في تأسيس عيادته الأولى.. يتحدث وهو الآن يملك مستشفاه الخاص وكأنه أضاع عمره في ممارسة مهنة استنزفته.. ولكنني حين أتحقق في ملامحه لا أرى ذلك أبدًا.. بل أرى كيف عشقته الأماكن.. فقط أرى قصة عشق من طرف واحد.. هو معشوق بقوة لجاذبية الأماكن.. يُفترض أن يشعر ببعض الرضا..

 

    ولكن هل يعني ذلك أن الأماكن تسلبنا إرادتنا وأنها الأقوى بحكم جاذبية تشبه جاذبية نيوتن الأرضية؟!.. لا أظن ذلك.. فالأماكن تشبهنا.. أجسام مركبة شكلت مكانًا.. ونحن أيضًا أجسام مركبة شكلت إنسانًا.. وكلانا أجزاء من حركة القدر على الأرض.. إذن فكلانا له دور يوازي ويساوي دور الآخر.. ولكن المعركة تعتمد على الوقت والنفس الطويل إن كان أحد الطرفين أقوى من الآخر.. لا أستطيع أن أنسى تلك الفرحة الغامرة التي لاحظتها في عيون سيدة ستينية تقف أمام لوحات معرضها الأول للفن التشكيلي.. بعد أربعين عامًا تمكنت من افتتاح معرضها الناجح.. ظلت طوال أربعين عامًا تبحث عن ممول.. وتحقق الحلم حين التقاها صحفي بالصدفة والتقط صورة للوحتين من لوحاتها أثارا إعجاب متعهد معارض للحد الذي جعله يذهب لها عارضًا الحلم ليخضع المكان ويتحقق الحب من الطرفين..

 

    لا تبدو الأمور على كوكب الأرض كما نراها بعيوننا كثيرًا.. فنحن نحلم ونقرر ونريد ولا نرى أن الأشياء حولنا تحلم وتقرر وتريد.. نعم هي مسخرة لنا لكنها خلقت لما خلقت له.. أؤمن أن العالم وقع في العشق فتحرك.. فاعشقوا كي تتحركوا في مداراتكم التي تريدون وتحققوا قصة الحب من الطرفين..

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز