بقلم
إيهاب الشيمي
داعش و كوباني .. و الحلم الأردوغاني !
12:00 ص - الأربعاء 22 أكتوبر 2014
بقلم : إيهاب الشيمي
"خيانة .. خيانة" هكذا صرخ الجنود في فيلم الناصر صلاح الدين حين اكتشفوا تواطؤ والي عكا مع الصليبيين.
و هذا المشهد الذي ترسخ في ذاكرة المصريين و الكثير من العرب الذين يعشقون هذا الفيلم، لا يؤكد سوى على شيئين:
أولهما .. أن الأكراد دائما ما كانوا هدفاً للخيانة و الغدر سواء على أرض الواقع كما يحدث في كوباني الآن، أو على شاشات السينما كما حدث مع "السلطان الناصر صلاح الدين" الكردي الأصل أيضاً..
و ثانيهما .. و هو أن ليس كل ما نسمعه أو نراه هو الحقيقة، فكما تم تشويه والي عكا و وصمه بالخيانة و التحالف مع الأعداء في الفيلم، إلا أن الحقيقة تقول أن الرجل و هو الأمير "بهاء الدين قراقوش" كان أعظم من دافع عن المدينة و الذراع اليمنى لصلاح الدين في هذه الحرب، و هذا تماما ما يمكن إسقاطه الآن على أرض الواقع فيما يحدث في الحرب على تنظيم "داعش" حيث يدعي الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"أنه أحد أعضاء التحالف الدولي ضد التنظيم، بينما يقدم من خلف الستار كل دعم ممكن لضمان عدم هزيمته.
و لكي تفهم لماذا يفعل "أردوغان" ذلك، عليك أن تعلم عزيز القارئ أن تعداد القومية الكردية في العالم يتجاوز الآن 25 مليون كردي، يتوزعون بشكل رئيسي بين سوريا التي يبلغ تعدادهم فيها حوالي مليوني شخص، و العراق و إيران اللتان تحتضنان حوالي أربعة ملايين كردي في كل منهما، بينما يتركز معظمهم في جنوب شرق تركيا بعدد يصل إلى خمسة عشر مليون شخص يشكلون 20% من تعداد سكان تركيا و 60% من مجموع الأكراد في العالم.
و في أعقاب الحرب العالمية الأولى و سقوط الخلافة العثمانية انتهج مؤسس تركيا الحديثة "أتاتورك" سياسة طمس و محو هويات الأقليات العرقية و القوميات المختلفة في تركيا لصالح اللغة و الثقافة التركية، و تم في إطار ذلك منع الأكراد من التحدث بلغتهم أو كتابتها في المحافل الرسمية و على جميع الأصعدة السياسية و الثقافية و التعليمية، و امتد ذلك ليشمل حظر تشكيلهم للجماعات و الأحزاب، بل و تجريم التحدث بالكردية حتى عام 1991.
و كحال كل الشعوب و الأقليات التي تتعرض لمثل هذا الظلم قرر الأكراد مقاومة الحكومة المركزية، و كانت أبرز محطات هذا الصراع هو انتفاضة عام 1925 بقيادة الزعيم الكردي سعيد بيران و التي انتهت بإعدامه و البدء في حملة تطهير عرقي ضد الأكراد و العرب و الشراكسة قتل خلالها ما يقرب من مليون و نصف المليون شخص، و تم بعدها حظر وصف "الأكراد" و استبدال ذلك بمصطلح "شعب شرق الأناضول"، بينما كانت المحطة الأبرز في مواجهات الطرفين هو ما يحدث منذ إنشاء "حزب العمال الكردستاني" في عام 1978، و هي حركة تحررية مسلحة أنشأها الزعيم الكردي "عبد الله أوجلان" و تدعو لقيام وطن قومي للأكراد، و قامت بإدارة صراع مسلح مع الجيش التركي أسفر عن تدمير آلاف القرى الكردية و تشريد ما يقارب النصف مليون شخص، وبالرغم من اعتقال "اوجلان" في عام 1995 في عملية مشتركة بين المخابرات التركية و الأمريكية و الموساد الإسرائيلي في كينيا، و إعلان الرجل وقف إطلاق النار من جانب الحزب في عام 2006 لبدء محادثات سلام مع أنقرة، إلا أن التنظيم مازال يتمتع بالكثير من القوة، و ما زال يحتفظ بالكثير من القواعد في جنوب تركيا و شمال العراق.
و في مقابل هذه الخلفية التاريخية للصراع الكردي التركي، علينا ألا نغفل عن حلم تنظيم "الإخوان المسلمين" في إقامة دولة الخلافة الإسلامية من جديد، و التي يرى"اردوغان" بشكل خاص أنها يجب أن تكون بقيادته هو، و بالشكل العثماني الذي اتخذته الخلافة الإسلامية لأكثر من خمسة قرون قبل سقوطها في بدايات القرن الماضي.
و في ظل هذه المعطيات، يمكنك عزيز القارئ أن تتبين بعض ملامح الصورة، و أن تبدا في بلورة الأمور التي بدت متشابكة و غير مفهومة للكثيرين، فعلى "أردوغان" في سبيل تحقيق حلم الخلافة أن يقوم بإسقاط الأنظمة القائمة في البلاد المحيطة و التي تقف عائقاً أمام تحقيق ذلك الحلم، و عليه أن يبدأ بنظام الأسد في دمشق الذي يشكل هدفاً سهلاً و منطقياً في الوقت ذاته، فإسقاطه سيكون بداعي حماية المدنيين السوريين من بطش قوات النظام، كما أن إزاحته ستكون على هوى العديد من الدول الخليجية التي ترى في تحالف الأسد مع إيران الشيعية خطراً داهماً على وجودها، خاصة مع تدخل إيران في لبنان و العراق و أخيراً في اليمن.
و في سبيل تحقيق ذلك يجب على "اردوغان" أن يدعم تنظيم "داعش" في سوريا لسببين، الأول هو أنه سيكون رأس حربة ضد نظام الأسد في معركة إسقاطه، و الثاني هو أن "داعش" ستضمن عدم استيلاء معارضة ليبرالية سورية معتدلة على الحكم حال سقوط نظام الأسد، و ستعمل بشكل أو بآخر على تولية نظام تهيمن عليه جماعات الإسلام السياسي التي تتحالف مع "أردوغان"، و على رأسها جماعة "الإخوان المسلمين" بدعم من الميليشيات المسلحة المتحالفة معها و من وراء هؤلاء جميعاً أموال قطر و دعم تركيا اللوجيستي و السياسي و العسكري، و هو ما ستراقبه الولايات المتحدة برضا لما سيحققه على المدى الطويل من تفتيت للمنطقة و تحويلها لدويلات أو ولايات يسهل السيطرة عليها، و لو اضطرت في سبيل ذلك لاستغلال حلم "أردوغان" و لو بشكل مؤقت.
و في هذا الإطار وفر أردوغان ملاذاً آمنا لقادة "داعش" على الأراضي التركية، بل و ساهم بشكل كبير في علاج مصابي التنظيم في المشافي التركية و هو ما أكدته تقارير و استجوابات المعارضة داخل البرلمان التركي نفسه قبل تنصيب "أردوغان" رئيساً للبلاد. إلا ان "اردوغان" في الوقت نفسه وجد أن عليه أن يواجه معضلة أخرى ستعمل على خلط الأوراق في مخططه بل و ربما انهياره بالكامل، و هي ضرورة الإذعان لمطالب الدول الغربية، و على رأسها الولايات المتحدة، و الاشتراك في تمثيلية تحجيم قوة "داعش" الذي خرج فيما يبدو عن السياق المحدد له سلفاً في كل من العراق و سوريا، و أثار مخاوف الدول الخليجية من تنامي خطر التنظيم على حدودها بما يفوق في تقديراتها خطر التمدد الشيعي المتمثل في نظام الأسد المتحالف مع إيران.
و هنا تكمن مصيبة "اردوغان" الكبرى، فلكي يستجيب لتلك الضغوط الأمريكية، و مخاوف الخليجيين، فعليه أن يقوم بدعم أعداءه التاريخيين من الأكراد في الشمال السوري و في بلدة "كوباني" تحديداً التي لجأ إليها مئات الآلاف من النازحين السوريين ذوي الأصول الكردية، و هو ما يعني في حال انتصار الأكراد، تنامي الروح القومية لديهم، و عودة تهديدهم للأمن القومي التركي، بل و إمكانية مطالبتهم من جديد بإنشاء وطن قومي لهم يضم شمال سوريا و جنوب تركيا و دولة الحكم الذاتي في شمال العراق. و هنا لم يتردد "أردوغان" لحظة واحدة في تنفيذ حيلته و خيانة الأكراد من جديد بإعلانه الاشتراك في التحالف، بينما يقوم من خلف الستار بتسهيل عبور مقاتلي "داعش" من تركيا إلى سوريا، بل و منحهم معلومات استخبارية عن خطط التحالف و مواقع الأكراد، ناهيك عن منعه الأكراد الأتراك من عبور الحدود إلى "كوباني" لمناصرة إخوتهم و منع مذبحة مروعة ضدهم.
و رداً على كل ذلك العبث "الأردوغاني" انتفض ملايين الأكراد الأتراك ضد سياسته التي ترسخ لحقيقة عداء الدولة التركية للاقلية الكردية، و اندلعت مظاهرات عنيفة سقط فيها عشرات القتلى من الأكراد، في مشهد أعاد للأذهان حقبة التسعينات التي شهدت أعنف التوترات العرقية و أوامر حظر التجوال و انتشار الجيش في المدن التركية، و هو ما أضطر "اردوغان" لنشر اكاذيبه من جديد أن ما يحدث هو ثورة كردية جديدة، و أمر قواته الجوية و مدفعيته الأسبوع الماضي بقصف و مهاجمة مواقع لحزب العمال الكردستاني في جنوب البلاد بدلاً من ان يوجه نيرانه جهة "داعش".
و في هذا الإطار يمكنك أن تتفهم لم كان الدبلوماسيين الاتراك المختطفين في الموصل هم الوحيدون الذين نجوا من مسلسل الذبح الذي تمارسه "داعش" ضد الجميع، و أن تتفهم لم أطلقت تركيا سراح أكثر من خمسين قياديا في التنظيم في استجابة غير مسبوقة لمطالب جهة إرهابية، و أن تتفهم كذلك لماذا تشتري الشركات التركية البترول الذي استولت عليه "داعش" من الحقول السورية، و لماذا تسمح الحكومة التركية بمروره عبر الحدود التركية إلى موانيها و منه إلى الولايات المتحدة في دعم صريح لاقتصاد التنظيم و موارده!
في النهاية أرى أن كل ما على الجميع أن يفعله هنا هو الاستفاقة و إدراك حجم المخطط الذي تحاك خيوطه لكل دول المنطقة، أو أن نستسلم ببساطة لهذا المخطط لكي يتم تقسيمنا و فرض الوصاية علينا، على أمل أن يأتي "صلاح الدين" من جديد ليعيد الأمور إلى نصابها!
"خيانة .. خيانة" هكذا صرخ الجنود في فيلم الناصر صلاح الدين حين اكتشفوا تواطؤ والي عكا مع الصليبيين.
و هذا المشهد الذي ترسخ في ذاكرة المصريين و الكثير من العرب الذين يعشقون هذا الفيلم، لا يؤكد سوى على شيئين:
أولهما .. أن الأكراد دائما ما كانوا هدفاً للخيانة و الغدر سواء على أرض الواقع كما يحدث في كوباني الآن، أو على شاشات السينما كما حدث مع "السلطان الناصر صلاح الدين" الكردي الأصل أيضاً..
و ثانيهما .. و هو أن ليس كل ما نسمعه أو نراه هو الحقيقة، فكما تم تشويه والي عكا و وصمه بالخيانة و التحالف مع الأعداء في الفيلم، إلا أن الحقيقة تقول أن الرجل و هو الأمير "بهاء الدين قراقوش" كان أعظم من دافع عن المدينة و الذراع اليمنى لصلاح الدين في هذه الحرب، و هذا تماما ما يمكن إسقاطه الآن على أرض الواقع فيما يحدث في الحرب على تنظيم "داعش" حيث يدعي الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"أنه أحد أعضاء التحالف الدولي ضد التنظيم، بينما يقدم من خلف الستار كل دعم ممكن لضمان عدم هزيمته.
و لكي تفهم لماذا يفعل "أردوغان" ذلك، عليك أن تعلم عزيز القارئ أن تعداد القومية الكردية في العالم يتجاوز الآن 25 مليون كردي، يتوزعون بشكل رئيسي بين سوريا التي يبلغ تعدادهم فيها حوالي مليوني شخص، و العراق و إيران اللتان تحتضنان حوالي أربعة ملايين كردي في كل منهما، بينما يتركز معظمهم في جنوب شرق تركيا بعدد يصل إلى خمسة عشر مليون شخص يشكلون 20% من تعداد سكان تركيا و 60% من مجموع الأكراد في العالم.
و في أعقاب الحرب العالمية الأولى و سقوط الخلافة العثمانية انتهج مؤسس تركيا الحديثة "أتاتورك" سياسة طمس و محو هويات الأقليات العرقية و القوميات المختلفة في تركيا لصالح اللغة و الثقافة التركية، و تم في إطار ذلك منع الأكراد من التحدث بلغتهم أو كتابتها في المحافل الرسمية و على جميع الأصعدة السياسية و الثقافية و التعليمية، و امتد ذلك ليشمل حظر تشكيلهم للجماعات و الأحزاب، بل و تجريم التحدث بالكردية حتى عام 1991.
و كحال كل الشعوب و الأقليات التي تتعرض لمثل هذا الظلم قرر الأكراد مقاومة الحكومة المركزية، و كانت أبرز محطات هذا الصراع هو انتفاضة عام 1925 بقيادة الزعيم الكردي سعيد بيران و التي انتهت بإعدامه و البدء في حملة تطهير عرقي ضد الأكراد و العرب و الشراكسة قتل خلالها ما يقرب من مليون و نصف المليون شخص، و تم بعدها حظر وصف "الأكراد" و استبدال ذلك بمصطلح "شعب شرق الأناضول"، بينما كانت المحطة الأبرز في مواجهات الطرفين هو ما يحدث منذ إنشاء "حزب العمال الكردستاني" في عام 1978، و هي حركة تحررية مسلحة أنشأها الزعيم الكردي "عبد الله أوجلان" و تدعو لقيام وطن قومي للأكراد، و قامت بإدارة صراع مسلح مع الجيش التركي أسفر عن تدمير آلاف القرى الكردية و تشريد ما يقارب النصف مليون شخص، وبالرغم من اعتقال "اوجلان" في عام 1995 في عملية مشتركة بين المخابرات التركية و الأمريكية و الموساد الإسرائيلي في كينيا، و إعلان الرجل وقف إطلاق النار من جانب الحزب في عام 2006 لبدء محادثات سلام مع أنقرة، إلا أن التنظيم مازال يتمتع بالكثير من القوة، و ما زال يحتفظ بالكثير من القواعد في جنوب تركيا و شمال العراق.
و في مقابل هذه الخلفية التاريخية للصراع الكردي التركي، علينا ألا نغفل عن حلم تنظيم "الإخوان المسلمين" في إقامة دولة الخلافة الإسلامية من جديد، و التي يرى"اردوغان" بشكل خاص أنها يجب أن تكون بقيادته هو، و بالشكل العثماني الذي اتخذته الخلافة الإسلامية لأكثر من خمسة قرون قبل سقوطها في بدايات القرن الماضي.
و في ظل هذه المعطيات، يمكنك عزيز القارئ أن تتبين بعض ملامح الصورة، و أن تبدا في بلورة الأمور التي بدت متشابكة و غير مفهومة للكثيرين، فعلى "أردوغان" في سبيل تحقيق حلم الخلافة أن يقوم بإسقاط الأنظمة القائمة في البلاد المحيطة و التي تقف عائقاً أمام تحقيق ذلك الحلم، و عليه أن يبدأ بنظام الأسد في دمشق الذي يشكل هدفاً سهلاً و منطقياً في الوقت ذاته، فإسقاطه سيكون بداعي حماية المدنيين السوريين من بطش قوات النظام، كما أن إزاحته ستكون على هوى العديد من الدول الخليجية التي ترى في تحالف الأسد مع إيران الشيعية خطراً داهماً على وجودها، خاصة مع تدخل إيران في لبنان و العراق و أخيراً في اليمن.
و في سبيل تحقيق ذلك يجب على "اردوغان" أن يدعم تنظيم "داعش" في سوريا لسببين، الأول هو أنه سيكون رأس حربة ضد نظام الأسد في معركة إسقاطه، و الثاني هو أن "داعش" ستضمن عدم استيلاء معارضة ليبرالية سورية معتدلة على الحكم حال سقوط نظام الأسد، و ستعمل بشكل أو بآخر على تولية نظام تهيمن عليه جماعات الإسلام السياسي التي تتحالف مع "أردوغان"، و على رأسها جماعة "الإخوان المسلمين" بدعم من الميليشيات المسلحة المتحالفة معها و من وراء هؤلاء جميعاً أموال قطر و دعم تركيا اللوجيستي و السياسي و العسكري، و هو ما ستراقبه الولايات المتحدة برضا لما سيحققه على المدى الطويل من تفتيت للمنطقة و تحويلها لدويلات أو ولايات يسهل السيطرة عليها، و لو اضطرت في سبيل ذلك لاستغلال حلم "أردوغان" و لو بشكل مؤقت.
و في هذا الإطار وفر أردوغان ملاذاً آمنا لقادة "داعش" على الأراضي التركية، بل و ساهم بشكل كبير في علاج مصابي التنظيم في المشافي التركية و هو ما أكدته تقارير و استجوابات المعارضة داخل البرلمان التركي نفسه قبل تنصيب "أردوغان" رئيساً للبلاد. إلا ان "اردوغان" في الوقت نفسه وجد أن عليه أن يواجه معضلة أخرى ستعمل على خلط الأوراق في مخططه بل و ربما انهياره بالكامل، و هي ضرورة الإذعان لمطالب الدول الغربية، و على رأسها الولايات المتحدة، و الاشتراك في تمثيلية تحجيم قوة "داعش" الذي خرج فيما يبدو عن السياق المحدد له سلفاً في كل من العراق و سوريا، و أثار مخاوف الدول الخليجية من تنامي خطر التنظيم على حدودها بما يفوق في تقديراتها خطر التمدد الشيعي المتمثل في نظام الأسد المتحالف مع إيران.
و هنا تكمن مصيبة "اردوغان" الكبرى، فلكي يستجيب لتلك الضغوط الأمريكية، و مخاوف الخليجيين، فعليه أن يقوم بدعم أعداءه التاريخيين من الأكراد في الشمال السوري و في بلدة "كوباني" تحديداً التي لجأ إليها مئات الآلاف من النازحين السوريين ذوي الأصول الكردية، و هو ما يعني في حال انتصار الأكراد، تنامي الروح القومية لديهم، و عودة تهديدهم للأمن القومي التركي، بل و إمكانية مطالبتهم من جديد بإنشاء وطن قومي لهم يضم شمال سوريا و جنوب تركيا و دولة الحكم الذاتي في شمال العراق. و هنا لم يتردد "أردوغان" لحظة واحدة في تنفيذ حيلته و خيانة الأكراد من جديد بإعلانه الاشتراك في التحالف، بينما يقوم من خلف الستار بتسهيل عبور مقاتلي "داعش" من تركيا إلى سوريا، بل و منحهم معلومات استخبارية عن خطط التحالف و مواقع الأكراد، ناهيك عن منعه الأكراد الأتراك من عبور الحدود إلى "كوباني" لمناصرة إخوتهم و منع مذبحة مروعة ضدهم.
و رداً على كل ذلك العبث "الأردوغاني" انتفض ملايين الأكراد الأتراك ضد سياسته التي ترسخ لحقيقة عداء الدولة التركية للاقلية الكردية، و اندلعت مظاهرات عنيفة سقط فيها عشرات القتلى من الأكراد، في مشهد أعاد للأذهان حقبة التسعينات التي شهدت أعنف التوترات العرقية و أوامر حظر التجوال و انتشار الجيش في المدن التركية، و هو ما أضطر "اردوغان" لنشر اكاذيبه من جديد أن ما يحدث هو ثورة كردية جديدة، و أمر قواته الجوية و مدفعيته الأسبوع الماضي بقصف و مهاجمة مواقع لحزب العمال الكردستاني في جنوب البلاد بدلاً من ان يوجه نيرانه جهة "داعش".
و في هذا الإطار يمكنك أن تتفهم لم كان الدبلوماسيين الاتراك المختطفين في الموصل هم الوحيدون الذين نجوا من مسلسل الذبح الذي تمارسه "داعش" ضد الجميع، و أن تتفهم لم أطلقت تركيا سراح أكثر من خمسين قياديا في التنظيم في استجابة غير مسبوقة لمطالب جهة إرهابية، و أن تتفهم كذلك لماذا تشتري الشركات التركية البترول الذي استولت عليه "داعش" من الحقول السورية، و لماذا تسمح الحكومة التركية بمروره عبر الحدود التركية إلى موانيها و منه إلى الولايات المتحدة في دعم صريح لاقتصاد التنظيم و موارده!
في النهاية أرى أن كل ما على الجميع أن يفعله هنا هو الاستفاقة و إدراك حجم المخطط الذي تحاك خيوطه لكل دول المنطقة، أو أن نستسلم ببساطة لهذا المخطط لكي يتم تقسيمنا و فرض الوصاية علينا، على أمل أن يأتي "صلاح الدين" من جديد ليعيد الأمور إلى نصابها!
تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز