عاجل
الأحد 9 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
مذكرات رجل ضد القانون (4)

مذكرات رجل ضد القانون (4)

بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني


يوم الإثنين 1 مايو 2008م
ذات ماضٍ ولد الحاضر

    حاولت أن أشعر عبثًا أن كل شئ على ما يرام كما كنت أشعر عادة فى أزماتى.. اعتدت أن أبتسم مهما كانت الكارثة وأبدأ فى التفكير بهدوء وكأن الأمر لا يخصنى.. ولكنى لم أستطع.. كنت شخصًا جديدًا غير الذى أعرفه.. غرق شاكر إلى جوارى فى صمت مهيب.. تكور جسده الضئيل فى كرسى السيارة وشخصت عيناه الخضراوين فى السماء.. كان يتمتم بعبارات هامسة لا تصل لأذنى واضحة.. يدعو الله من أجل الإنسان الوحيد الذى اختصر فيه حياته : (زوجته)..
    فى المستشفى فارقنى ورابط فى غرفة العناية المركزة.. طلب منى أن أبقى قليلًا حتى يطمئن.. فهو لن يتصل بأحد حتى الصباح.. هى دائمًا تفعل ذلك حين تمر بأوقات سيئة.. أما أنا فنسيتُ أمر أسرار تمامًا حتى فوجئت بها تقف أمامى..
   قاتل الله (الكعب العالى).. كيف جرؤت أن تاتينى بمثل هذا الطول.. صحيح أننى مازلت محافظًا على شعرى الناعم المصبوغ بنيًا بعناية كاملًا.. وصحيح أننى انتصرت على كل محاولات الزمن فى تغيير خارطة جسدى الرياضى إلا أننى لم أتمكن أبدًا من الانتصار على قامتى القصيرة التى تؤثر على قوة نظرة عينيّ السوداوين فى بحر وجهي الأسمر.. جاءت تهرول.. لم أقف طبعًا.. جلست إلى جوارى:
- كفى الله الشر.. أين حالة الولادة؟
- أى ولادة؟
- سألتنى عن تخصصى وأظنك تحتاجنى..
- زوجة الدكتور شاكر صديقي المقرب فى غرفة العناية المركزة.. كيف يمكننى أن (ألحقك)؟..
- مخطئة أنا كى تجرجرنى خلفك حتى هنا.. من تظننى؟
- الظروف لا تحتمل حدتك أرجوكِ.. لا أستطيع مساعدة فتاة لا أراها أمامى.. هذا طبعى..
   صمتت تحاول ابتلاع إهانة لحقت بها لا أعلمها.. هى فتاة معتدة بذاتها جدًّا وأنا رجل يحاول التركيز فى تقديم المساعدة وسط جلبة من الأحداث تربكه.. كان الأمر أكبر مما أحتمل لذا فضلت أن أعطل أذنيّ لكن عينيّ عملتا جيدًا رأيتها.. الدكتورة عبير حبي الأول وزوجته الأولى.. أقبلت فى جمالها الأشقر الذى لم ينقص طوال عشرين عامًا.. صافحتنى وأسرار فى هدوء مهيب.. قصدت أن تعرفنى على ابنها الشاب.. (صلاح ابنى.. أعتقد أنه آن الأوان أن تتعرف به)..
   نهضتُ فجأة مغادرًا مستأذنًا الجميع.. وأسرار تهرول خلفي : (هل (ستلحقنى) أم لا يا حضرة؟).. استقللتُ سيارتي وهى معي.. لم أشعر بها إلا بعد مرور دقائق.. قلتُ وأنا أنفث الزفير الأول من تبغيّ المستورد :
- إنه ابنى يشبهنى كثيرًا.. ماذا يجب أن أفعل كي أتأكد؟
- هى زوجتك؟
- ليوم واحد.. لا تسيئى فهمى.. أنا رجل فاضل.. كان الأمر كله رغمًا عنى.. وإلا لما كنت مرتبكًا كل هذا الارتباك الآن..
- أريد مكانًا أقضى فيه ليلتين.. لا يهمنى من تكون..
- أنا آخذ بيدك للمرة الثانية دون أن أعرف ما تورطينى به ومع ذلك لا تريدين حتى أن تسمعى فضفضاتى!!..
- لو أردت الحديث لن يمنعك أحد..
- طموحها الكبير أخافها من غيرتى الشديدة.. الآن لم أعد أرى فى أى امرأة شيئًا أملكه.. ربما خوفًا من ضياعهن مرة أخرى.. لكنى اليوم أغار جدًّا وأخاف جدًّا من جديد.. تزوجت بسرعة وغادرت بصحبة زوجها للإقامة فى الإسكندرية..
- سآتى لك بقرار القصة فقط جد لى مكانًا أقضى فيه ليلتين..
- هل تتاجرين بالمخدرات؟ هاربة من جريمة أجرى؟
- وهل ترانى (وش كده)؟
- الكارثة أننى أعرف علامات (وش كده) وهى ليست لديكِ..
- يا باشا.. إن غدًّا لناظره قريب.. غدًّا يظهر كل شئ..
   لم تمانع أن تقضى الليلة فى شقة والدتي القديمة بالعجوزة.. أما شاكر الذى بدأ يطمئن على حال زوجته مع بزوغ الفجر فكان غاضبًا جدًّا من رحيلي المفاجئ حتى أقلقه صوتيّ الحزين فى الهاتف.. وصدق شاكرحين كتب:
أنا مولود تبرأت منه الساعات
جرى بين العقارب عمرًا
حتى تبناه صباح حين غرة
سطع على كل عوراته
ذات ماضٍ ولد الحاضر



 
ملخص ما سبق:
قررت تقديم استقالتى بعد ثلاثين عاما من خدمة القضاء لأننى ببساطة لم أشعر بحريتى فى التعامل مع الحياة الجميلة ثم تورطت فى تحدى قوانينى القديمة كلها وقررت أن أعيش كما أريد... فتغيرت حياتى على نحو لا أتوقعه..
 
ملحوظة:هذه الشخصيات الأحداث خيالية وأى صلة بينها وبين الواقع قد تحدث بمحض الصدفة..

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز