
قرارات جينا
بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني
ظنت جينا رمزى أن الهروب من الفردوس يكون لأجل البحث عن طريق ... تخيلت أن أى طريق سيكون أفضل مادام الطريق مصمم فى الأصل من أجل الحركة ... منذ ولدت حتى الآن تسمع جملة تغيظها (بنت حلال ... هادية ومالهاش حس) ... فهى لم ولن تكون هكذا وإنما تصمم نساء العائلة على تسويقها على هذا النحو حتى تتزوج ... عملت أخيرًا (كاشيرة) فى مركز لبيع ماركات العطور العالمية ... وبالفعل (من جاور السعيد يسعد) ... تغيرت حياتها بمجاورة فندق خمس نجوم لا تتوقف الوفود السياحية المختومة بختم الاتحاد الأوروبى عن التردد عليه ...
تتحدث الإنجليزية على نحو جيد ... ليس بطلاقة ولكنها تفهم وتُفهم دون صعوبة ... صادقت الكثير من الأوروبيين ... كانت أمها كلما سمعتها تتحدث فى (الموبايل) بهذه اللغة (التى لا يفهمها أحد) على حد قول الأم تضحك ضحكة ساخرة ثم تمضى ... ظلت هادئة كما تعودوها فى العائلة لكن مشاويرها كثرت وكذلك أسفارها ... فهم كرماء جدًا إذا ما شعروا بالصحبة الجميلة كعادة أى غريب ...
بدأت تشعر بالتحرر من الأوامر رويدًا رويدًا ... لم تخترق مبادئها ولم تخرج عن قواعدها التى اتبعت منذ شبت عن طوق الطفولة لتبحث عن حياة الأنثى الكاملة الملونة ... لكن علاقاتها بصديقاتها فترت كثيرًا بل إن بعضها دخل (الفريزر) فى حالة تجمد مؤقت لحين الإفراج عنه وإعادته للحياة ... ظل الأمر كذلك حتى تخلت عن كل شئ ركضًا وراء حلم تحقق ... كان جون بول الشاب الفرنسى العاشق للشرق هو الخيار المثالى لحياة كلها طرق لا جمود فيها ... كانت تشتاق لحياته أكثر من شوقها له وفى خضم الشوق لم تلتفت لشوقه هو أيضًا لحياتها ...
وسط محاولات مستميتة لاستتابتها نجحت فى الزواج به ... سافرت معه لباريس حيث يمارسون الحب 48 ساعة فى الـ 24 ساعة ... كل شئ كان مضيئًا وخلابًا ومثيرًا ... احتفل جون بول معها بصدور كتابه عن الشرق الجميل بعد الزواج بشهرين ... وفى ليلة الاحتفال طلب منها أن يعودا باكرًا لبيتهما على عكس ما خططا له ... وفى البيت طلب منها أن تكون شرقية كما قرأ عن (سيدات الشرق الخاضعات لأزواجهن) جدًا لليلة ... فوجئت بكل ما هربت منه يطاردها الآن وبقوة ... وحين رفضت قال لها : (حلمت بهذه الليلة طوال أعوام خمسة قضيتها فى صحرائكم ... ليس سهلًا أن تلغى الحلم بكلمة "لا") ...
خافت ... ولم تستطع الرفض لكنها لم تستطع القبول أيضًا ... أدركت بكل بساطة أنها أينما ذهبت تحمل ما يرونه عنها لا ما تريها هى لهم ... تظاهرا بالنوم باكرًا ... لكن أحدًا لم ينم ... فى الصباح قررت أن تعود لمصر ... لكنها خشيت أن يرفض بشرقية ... لذا جهزت كل إجراءاتها سرًا ... وعادت سرًا أيضًا ... فى شرقها ستعرف كيف تقول "لا" بعد أن تُعد لها ... كان يجب أن تقولها لأسرتها أولًا ولجيرانها ثانيًا ولزملائها ثالثًا ... لم يعد الأمر يروقها أن تتبع اللعبة الجميلة التى تستهويها ... ستصنع عالمها بيدها ... اكتشفت أنها ستنزف فى كلتى الحالتين ... فليكن النزف بلغة تفهمها ...