عيسى جاد الكريم
القمح لمصر والدقيق لإفريقيا
منذ أيام أعلنت أوكرانيا استئناف تصدير القمح للعالم، بعد اتفاق تم بضغوط دولية مع روسيا، نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء نتيجة الأزمة، وبعد توقف التصدير منذ مارس الماضي، بعد أن فرضت روسيا حصارًا شاملًا على موانئ التصدير الأوكرانية الرئيسية على البحر الأسود.
واستئناف أوكرانيا تصدير القمح هو فرصة، يجب أن تستغلها مصر التي استطاعت خلال السنوات الماضية أن تحدث وتبني صوامع تخزين متطورة، على أحدث النظم العالمية بجميع المحافظات، حيث استطاعت بناء مدينة كاملة للصوامع بشرق قناة السويس وبعدد من محافظات القناة، بالإضافة لصوامع برقاش وبني سلامة الضخمة بالجيزة وشربين بالدقهلية والبحيرة وبرج العرب بالإسكندرية والحمام بمطروح وبني سويف والفيوم، ومصر يمكن أن تستغل إعادة تصدير الحبوب، لتكون مكانا لتخزين القمح والحبوب بل وتصدير دقيق القمح للدول العربية والإفريقية، حيث تمتلك مصر بنية تحتية ضخمة من مطاحن القطاع العام والقطاع الخاص، يمكن استغلالها في تصدير الدقيق، حيث إن لدى مصر فائض في الكهرباء يصل إلى 16 ألف ميجا واط سنويًا، وهذا يعطي مصر ميزة نسبية بقدرتها على تصدير الكهرباء في صورة منتجات منها دقيق القمح. وتصدير الدقيق سترحب به دول إفريقية كثيرة، لديها نقص في الكهرباء، كما أن دولًا عربية مثل ليبيا ولبنان سترحبان باستيراد الدقيق من مصر، وسوف يحقق تصدير دقيق القمح من مصر عدة فوائد منها تشغيل المطاحن، التي تأثرت نتيجة أسعار القمح، وأصبح الكثير منها يعمل بنصف طاقته، وبعضها مني بخسائر، سيكون تصدير الدقيق مصدرًا للعملات الأجنبية، التي تحتاجها مصر، وسيساهم في تشغيل سلسلة الإنتاج والنقل والشحن ومصانع إنتاج العبوات وتشغيل الآلاف من العاملين في هذا القطاع، كما أن إنتاج الدقيق في مصر سيوفر الردة التي تحتاجها مصر، والتي تستخدمها مصر كعلف الماشية، في حين لا تحتاجها الدول الإفريقية التي لديها مراعٍ طبيعية لمواشيها، بما يساهم في انخفاض أسعار اللحوم والدواجن والبيض ومنتجات الألبان في مصر، نتيجة توافر العلف بسعر منخفض.
مصر تمتلك بنية تحتية وموانئ وشركات نقل وشحن، قادرة على توفير الدقيق والدول العربية المجاورة بفضل الطرق المتطورة وقطارات البضائع، التي تستطيع أن تصل لجميع الموانئ المصرية من مطروح وإسكندرية شمالًا حتى العين السخنة وسفاجا على البحر الأحمر.
أجواء مصر الجافة ومناخها، مع القدرات التخزينية لصوامع القمح سيمكنها من أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في تصدير الدقيق لإفريقيا، حيث يقول بنك التنمية الإفريقي في تقربر له، إن أوكرانيا وروسيا تزودان إفريقيا سنويًا بأكثر من 40 في المئة من احتياجاتها من القمح، لكنه يؤكد أن الحرب أدت إلى نقص بواقع 30 مليون طن من الغذاء في إفريقيا. وأسهم هذا بزيادة بنسبة 40 في المئة بأسعار الغذاء في عموم القارة، ففي نيجيريا على سبيل المثال، ساعد ذلك في زيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الباستا والخبز بنسبة 50%، ونفس الأمر بالنسبة للسودان ولبنان الذي ارتفع فيه سعر الخبز بشكل غير مسبوق.
إعادة تصدير أوكرانيا للقمح سيفتح آفاقًا اقتصادية لمصر، وسوف أكون طموحًا ومحقًا في طموحاتي، إذا قلت إن مصر يمكنها أن تصدر الدقيق لأوروبا التي بدأت تعاني مصانعها من نقص الطاقة، في ظل منع الإمدادات من الغاز الروسي، وسيرحب الأوروبيون باستيراد الدقيق من مصر توفيرا للطاقة، بل إن بنك التعمير الأوروبي، صرح منذ عدة أسابيع بالفعل بأنه يعمل على توفير استثمارات في مصر وتونس والمغرب، لبناء صوامع لتخزين القمح، والأوروبيون بالتأكيد ينظرون نظرة بعيدة بأنهم سوف يستفيدون على المدى القريب أو البعيد، من ذلك، وبما يوفر لحليفتهم أوكرانيا ملجأ لتخزين حبوبها بعيدًا عن مخاطر الحرب، حيث تُعتبر أوكرانيا رابع أكبر دولة مصدرة للقمح في العالم، وهي تنتج ما يقرب من 42% من الإنتاج العالمي من زيت بذور عباد الشمس و16% من إنتاج العالم من الذرة و9% من إنتاج القمح.
السفن الأوكرانية، بدأت في نقل القمح للعالم من موانئها على البحر الأسود، وهو من محصول العام الماضي، والذي ستقوم أوكرانيا بتسريع تصديره قبل أن يدخل المحصول الجديد من القمح، الذي سيبدأ حصاده خلال أيام، فمخازن القمح الأوكرانية لن تستوعب تخزين كل هذه الكميات، التي تزيد على 90 مليون طن قمح، تقريباً، وسيبحث مصدرو القمح في أوكرانيا عن أماكن آمنة لتخزين حبوبهم، ونتمنى أن تكون مصر.
ولذلك فعلى صناع القرار في الحكومة المصرية، إعادة النظر في قراري وزيرة التجارة والصناعة، رقمي 141 و142 لسنة 2022، بعدم السماح بتصدير الفول الحصى والمدشوش والعدس والمكرونة والقمح والدقيق بجميع أنواعه، وزيوت الطعام بكل أنواعه، والفريك والذرة، إلا بعد موافقة وزارة التموين ثم التجارة والصناعة، وبما يسمح عادة بتصدير الدقيق مع وضع الضمانات لمنع تأثر السوق المحلية، وأن يقتصر تصدير الدقيق على الدقيق المنتج من أقماح مستوردة مع مراقبة الجودة والإنتاج، بما يجعل للدقيق المصري سمعة طيبة في الأسواق العربية والإفريقية.