أيمن عبد المجيد
اختباران يخوضهما العالم والأسئلة إجبارية ومصر من الناجحين
جلست دول العالم على مقاعد الاختبار، في لجنة الامتحان، الأسئلة موحدة بتحدياتها، إجبارية على الجميع، لا يملك أيٌ من الخاضعين للاختبار رفاهية الاختيار.
هكذا مرت دول العالم باختبارين عالميين، مفاجئين، جائحة كورونا والحرب الروسية الأمريكية الأوروبية على الأرض الأوكرانية، وكما يُقال للطلاب الذين لم يستعدوا مسبقًا لامتحان نهاية العام "اللي ذاكر ذاكر من بدري"، "ويوم الامتحان يُكرم المرء أو يُهان"، وهكذا كان الامتحان لدول العالم مفاجئًا وبتحديات إجبارية فلا أسئلة اختيارية.
مصر كانت من المستعدين، بجد واجتهاد سابق، دون علم بما يخبئ القدر، لكنها عكفت على وضع استراتيجية تنمية شاملة 2030، تستهدف تغيير واقع تباطؤ معدلات التنمية في 50 عامًا، فسبقت الزيادة السكانية، وتراخت الإرادات السياسية، عن الإصلاحات الجذرية اللازمة لتلافي الضريبة السياسية للإصلاح، فتراكمت جبال التحديات، ظهرت العشوائيات، وتزايدت فجوة العجز في الإنتاج فتنامى الاستيراد، بما يلتهمه من مصادر الميزانية.
وفي محاولة للبقاء على مقاعد الحكم، استمرت الحال على ما هي عليه، دعم عشوائي للسلع، وتراجع في كفاءة الخدمات، وتنامي الفجوات بين الزيادة السكانية وما يتبعها من احتياجات نمو في البنية التحتية العمرانية والزراعية والسلع والخدمات، فازدادت المعاناة.
حتى جاءت قيادة حكيمة للدولة المصرية، فعكف الرئيس عبدالفتاح السيسي وفريق حكمه على وضع استراتيجية الحلول الجذرية، برؤية تنموية شاملة تعظّم القدرة الشاملة للدولة، في مواجهة التحديات وتلبية الاحتياجات وتنمية جودة الحياة، بأساليب عالمية ومشروعات قومية عملاقة، وكانت الانطلاقة برؤية وإرادة سياسية اتخذت قرارات مصيرية وأنجزت مشروعات قومية غيّرت واقع مصر.
دخلت مصر امتحان كورونا، ولديها إنجازات عبر إصلاحات اقتصادية، وخطوات ثابتة لإصلاح المنظومة الصحية، واستراتيجيات علمية لإدارة الأزمات، ومنظومة صوب زراعية وملايين الأفدنة المستصلحة حديثًا، وطفرة في صوامع الغلال بأحدث التقنيات العالمية، فنجحت مصر في الوقت الذي رسبت فيه في الاختبار دول عظمى، عانت شعوبها ويلات الأزمة وآثارها.
ليأتي الاختبار العالمي الثاني، الحرب الروسية الأوروبية على الأراضي الأوكرانية، والمشترك في تحديات الاختبارين المفاجئين، تمثلا في وقف سلاسل الإمدادات، خاصة الغذاء، حيث تعد روسيا وأوكرانيا أكبر مصدرين للقمح لدول العالم، وتزايد معدلات التضخم في أسعار السلع والوقود والخدمات.
وفي حين تصدر دول كبرى مناشدات لمواطنيها، بالتخلي عن الاعتماد على الخبز وتخفيف معدلات استهلاك سلع مهددة بالاختفاء من الأسواق في ظل الأزمة، فقد نجحت مصر في توفير كل متطلبات شعبها، حتى مع زيادات الأسعار كانت أقلها في معدلات التضخم العالمي، فنجحت في الاختبار العالمي الثاني، بـ"امتياز".
لا يأتي النجاح مصادفة، بل بالعمل والعرق، والدماء، ففي سبيل تثبيت أركان الدولة المصرية ضحى قرابة 3290 شهيدًا من رجال القوات المسلحة والشرطة بأرواحهم فداءً لوطنهم في معارك مكافحة الإرهاب منذ العام 2013، وحتى الآن، بدمائهم وإخلاص أشقائهم، قضت مصر على الإرهاب وثبّتت أركانها، بالتزامن مع جهود البناء والتعمير.
لا يأتي النجاح مصادفة، بل بتحقيق مستهدفات استراتيجية، بدأت بإرادة سياسية ورؤية شاملة علمية، وإنجاز سلسلة من المشروعات القومية، التي تحقق في مجملها مقومات التنمية الشاملة، فقد بدأت مصر بمشروع قومي عملاق، حفر مجرى جديد لقناة السويس، ورفع كفاءة المجرى التاريخي، في مدى زمني لم يتجاوز 12 شهرًا، ليكون باكورة المشروعات القومية العملاقة، بما حمله من رسائل سياسية، ومكاسب اقتصادية، عززت مصادر تمويل ميزانية الدولة لمواصلة حلقات جديدة في مشاريع البناء.
عكست قناة السويس الجديدة، قدرة الدولة المصرية على البناء، بالتزامن مع مكافحة الإرهاب، فكانت الرسالة لن يفلح الأعداء في تعطيل التنمية والبناء، وكانت الرسالة الثانية، شعب مصر خلف قيادته موّل مشروعه القومي بشراء شهادات القناة، وبسواعد وخبرات مصرية خالصة شقت القناة، وعلى محوريها تنمية غير مسبوقة، فضلًا على شرايين الحياة التي ربطت سيناء بالوادي والدلتا.
ثم توالت المشروعات التي عززت ثقة المصريين، فيما ذهبت إليه الدولة، فتم القضاء على العشوائيات، واستصلاح ملايين الأفدنة والشروع في رفع كفاءة البنية التحتية الزراعية في الدلتا القديمة وكفاءة الخدمات والطرق والمواصلات في كل ربوع الوطن.
وصولًا إلى آخر المنجزات التي تم افتتاحها بالأمس، منظومة الإنتاج الحيواني من لحوم وألبان بمدينة السادات، على مساحة 1000 فدان، ليعكس ذلك المشروع العملاق، فكر الدولة المصرية فيما تنجزه.
أولًا: المشروع صناعة متكاملة، بأحدث المتاح مما توصل إليه العلم، فتشمل عنصر البنية التحتية، مزارع متقدمة، ومراكز بحثية، ومستشفيات بيطرية، ومصانع للألبان والأعلاف، وبنكًا لحفظ الأجنة والتلقيح الصناعي، ثم أحدث السلالات التي تنتج ثمانية أضعاف الإنتاج المحلي، بما يُعادل في مزارع الألبان 145 لتر حليب، تنتجه يوميًا الرأس الواحدة.
ثانيًا: توطين التكنولوجيا المستخدمة بمركز الأبحاث، فالمركز الذي تم افتتاحه بالأمس يُصنف من الجيل الثالث عالميًا، بينما الرابع والخامس تحتفظ به الدول التي توصلت إليه للانفراد بتحسين السلالات وتصديرها، والثالث معدل متقدم يتيح للمراكز العلمية البحثية المصرية العمل به؛ لاكتساب الخبرة والتحديث والتطوير المحلي.
ثالثًا: المشروع يتيح فرص عمل في التربية والإنتاج وصناعة الألبان واللحوم والأعلاف وكل ما له صلة، حتى أساطيل نقل المنتجات وتوزيعها.
رابعًا: ترتبط هذه المشروعات مع الاستصلاح الزراعي في تحقيق معدلات أعلى من الأمن الغذائي، تلاحق تنامي الطلب الناتج عن الزيادة السكانية المقدرة بـ15 مليونًا في السنوات السبع الأخيرة، فضلًا على تحديات الأزمات العالمية التي عطّلت سلاسل الإمداد.
خامسًا: مضاعفة الإنتاج المحلي، كمًا وكيفًا، يتوازى معه جهود في تصنيع الأعلاف محليًا، عبر مئات الآلاف من الأفدنة المستصلحة حديثًا، والتي تُستخدم في زراعتها تكنولوجيا حديثة تخفّض معدلات كلفة الإنتاج، ومن ثم ينعكس ذلك على السعر النهائي للمنتج في الأسواق، فيتحقق هدف إتاحة السلع والسيطرة على الأسعار، بما يخفف الأعباء عن كاهل المواطنين.
الرؤية شاملة، والإنجازات على الأرض نراها رؤية العين، يبقى الانتباه فيما يخص الثروة الحيوانية، أهمية دراسة أثر البيئة والتغيرات المناخية على السلالات المستوردة، والعمل على التهجين بين القادم والسلالات المصرية؛ لرفع الكفاءة الإنتاجية، مع الاستفادة من الصفات الوراثية لـ"المصري"، المتمثلة في التأقلم مع البيئة المحلية.
تحيا مصر ناجحة بامتياز في جميع الاختبارات ومواجهة التحديات.