القارئ د.عبدالفتاح الطاروطي: التجويد يضيف جمالاً وجلالًا على معانى القرآن الكريم
سلوي عثمان
حفظت الذكر الحكيم فى عمر الثامنة.. وأنشئت معهد لخلق جيل جديد من القراء حرب الأفكار أخطر من الدبابات والطائرات والمدافع.. وتجديد الخطاب الديني ضرورة لمواكبة تكنولوجيا العصر العودة للقيم وروح الدين الإسلامي أهم وسائل التصدي للكتائب الإلكترونية الرعيل الأول من القراء كانوا عظماء بأفعالهم وشبابنا اليوم يرفعون الكلفة
أكد الدكتور عبد الفتاح الطاروطي، رئيس هيئة تحفيظ القرآن بالمجلس الدولي الإسلامي، والقارئ بالإذاعة والتليفزيون، أن الخطاب الديني يحتاج إلي تجديد لأن ما كان يصلح في الماضي لا يصلح حالياً، وطالب الدعاة بالتعرف علي التكنولوجيا الحديثة لمجابهة الكتائب الالكترونية الإرهابية التي تحاول اختراق العقول، قائلاً إن الكتائب تحدث دماراً أكبر مما تحدثه الدبابات. وطالب "الطاروطي" بضرورة عودة "الكتاتيب" موضحاً أنها كانت سببا رئيسياً في بناء شخصية الإنسان والمقرئ، وتعلمه مبادئ القراءة والحفظ والقيم والأخلاق. وأشاد بالرعيل الأول من القراء، مستنكراً ما يفعله قراء شباب من رفع الكلفة والألقاب بينهم وبين من سبقوهم من مشايخ.
نبدأ الحوار من حيث نشأ القارئ الدكتور عبد الفتاح الطاروطي، هل أسهمت فى توجهك نحو العمل بقراءة القرآن وتدبره؟
والدي كان موظفا بوزارة الأوقاف، يعمل خادما لأحد المساجد الكبري في مدينة القاهرة، وهو مسجد الثورة بمصر الجديدة، وقد وضع كل اهتماماته وآماله وأمنياته في أبنائه من خلال التركيز علي حفظ القرأن الكريم، ولم يكن والدي قارئاً بل حافظاً ومحفظا للقرآن الكريم.
أنا من مواليد 29 إبريل ١٩٦٥ بقرية طاروط، مركز الزقازيق، محافظة الشرقية، وكنت أكبر أخوتي، والدي ذهب بي إلي "الكُتاب" وعمري 3 سنوات، وختمت القرأن في عمر 8 سنوات. وكنت أقرأ القرآن الكريم في طابور الصباح بالمدرسة الإبتدائية، فأشار أحد المعلمين علي والدي بأن التحق بالأزهر الشريف، وبالفعل التحقت بالمعهد الأزهري وأنا فى الصف الخامس الإبتدائى وبعد عمل معادلة دخلت الصف الأول الإعدادي الأزهرى، وكان ذلك الأمر فاتحة خير بالنسبة لي فبدأت أقرأ في طابور الصباح في معهد الزقازيق الديني، وهو ما أهلني وشجعني لارتداء الزي الأزهري، وأن أقرأ في المناسبات والمحافل العامة بجوار كبار القراء.
واكتسبت الثقة والشجاعة في مواجهة الناس والجمهور من خلال طابور الصباح في معهد الزقازيق، حيث يبلغ عدد الطلاب أكثر من 4 ألاف طالب، بالإضافة أن شيخ المعهد والمعلمين كانوا بمثابة المحكمين، وكانوا يثنون علي قراءتي ويعطونني الثقة في نفسى، فلم يكن صوتي يوحي بأنه صوت طفل، بل كان يتميز بالرخامة والبلوغ والنضج المبكر. كثير من القراء يتأثرون بأخرين، بمن تأثر الدكتور عبد الفتاح الطاروطي؟ نشآتي كانت بجوار الشيخ محمد الليثي، وتأثرت بالشيخ الطبلاوي، والشيخ أحمد شبيب، والشيخ الشحات محمد أنور, كان هؤلاء الكبار كبار بأفعالهم، ونادراً ما نجد الروح التي كان يتعامل بها كبار القراء القدامي مع بعضهم البعض ومع الأخرين. أما الجيل الحالي، فلكل قارئ منهم بطانة تلتف حوله، فإن كانت حسنه تدله علي الخير، وإن كانت سيئة تضلله وتقطع جميع أواصر المحبة بينه وبين زملائه وهذه كارثة، الجيل القديم كانوا عظماء في أفعالهم وأخلاقهم، وحتي عندما يتحدثون يشعروننا بأننا كبار.
أما الآن فنجد بعض القراء من صغار السن يرفعون الكلفة، وينادون من سبقوهم من القراء بدون ألقاب أو حتى لفظ شيخ، كنوع من أنواع الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعى، سافرت وطفت بلاداً كثيرة وكان صوتك مدخلاً لإسلام الكثيرين على يديك؟
العامل المساعد كان دراستي بالأزهر الشريف، وكوني خريج من كلية أصول الدين، قسم الدعوة الإسلامية، وهذا ما دفعنى لأكون داعية في تلك البلاد، فالصوت الحسن وحده ليس كافياً حتى يغير الإنسان ديانته، كنت أقرأ وأقوم بالدعوة وأقدم خطب كانت تترجم في المراكز الإسلامية بكافة اللغات، كنت في الولايات المتحدة الامريكية سنة ١٩٩٧ وقد أسلم في هذا العام عشرة، وبعدها بعام كنت في مركز الملك خالد بجزر الكناري بإسبانيا، وأسلم هناك خمسة، أكرمهم الله، وفي جنوب إفريقيا أسلم رجل في مدينة كيبتون، واعتقد أنه فعل عندما سمع قول الله تعالي (فاسجدوا لله واعبدوا....اقتربت الساعة وانشق القمر ) وقد صرخ صرخة فزع منها كل من في المكان، وعندما سألت قيل لي هنيئا لك أنه كان نصرانياً وأسلم.
باعتبارك خريج أصول دين قسم الدعوة، هل نحن بحاجة لتجديد الخطاب الديني؟ أولاً ما معني تجديد الخطاب الديني؟
إن اختيار موضوع يخدم الناس في زمانهم ومكانهم، وما كان يصلح في الماضي ربما لايصلح للأجيال الجديدة، كنا في الماضي نتحدث عن الصبر والتسامح، وخلافه، أما الأن في ظل العولمة والانفتاح واختراق الأقمار الصناعية للعقول ومواقع التواصل الاجتماعي، فنحن نحتاج إلى أن يكون لدى الداعية معرفة بالتكنولوجيا كى يواكب تلك المستجدات، وأن نتخلي عن القيود التي جعلتنا نحجم عن توصيل المعلومة بطريقة ميسرة وسريعة، فلم يعد هناك وقت كى أخطب ٤٥ دقيقة، يجب أن ألجأ لأساليب عصرية لإيصال المعلومة مباشرة للجمهور العادي والأمي والصغير والكبير.
كيف نتصدي للكتائب الإلكترونية التي تحرض للخروج عن النسق العام وعن قواعد الدولة؟ أساس الدعوة أن يسلم الناس من أذي بعضهم البعض، وإذا استطعنا إيصال معلومة أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، فلا تجسس ولا تلصص ولا اختراق لخصوصيات الناس، وألا نخضع وننساق وراء كلمات تنقل بطرق يستخدم فيها التكنولوجيا العلمية، فقد نجحنا، والكثير من المعلومات علي الإنترنت مغلوطة وتحتاج إلي تفنيد. حتي الفتوي لم تسلم من ذلك، حيث نجد الشباب يلجأون للإنترنت، ولا يرجعون لعلماء متخصصين، ونجد أكثر من إجابة للفتوي، ومتعارضة مع بعضها البعض، وهو ما يجعلنا نقول إن هناك متربصين لهذا الدين. والأخطر من ذلك نجد عدم الأمانة في النقل، من قبل بعض الباحثين، سواء فى الماجستير أو الدكتوراه، بعضهم يعتمدون في جمع معلوماتهم أثناء الإعداد للرسالة علي الإنترنت، دون تأكد من صحة المعلومة، كما أن هناك خطة ممنهجة لاختراق الفكر وتفتيت القيم والأخلاقيات الإسلامية، والعودة إلي الجاهلية، بحيث يقتل بعضنا بعضاً، ولذا نجد أن حرب الفكر أخطر من حرب الطائرات والدبابات والمدفعية. ويمكن أن نتصدي لهؤلاء عن طريق العودة إلي روح الدين الإسلامي، وأخلاقه، وأن نقتدي بصحابة رسول الله صلي اللي عليه وسلم، فقد كان يسافر أحدهم مسيرة شهر للتأكد من صحة حديث .
..حدثنا عن أكثر المواقف التي تعرضت لها أثناء تلاوة القرآن الكريم فى العزاءات؟
عندما كنت صغيراً في سن الثانية عشرة، رشحني صاحب محلات كهرباء تقوم بإنارة السرادقات، للقراءة في أحد العزاءات، واصطحبني الرجل كما يصطحب الأب ابنه، وكان صاحب العزاء من الأعيان، وعندما شاهدني حدثت له صدمة، ثم وجه حديثه للكهربائي (أنت بتستهتر بينا، جايب لينا عيل عشان يقرا) فرد عليه الكهربائي بتحدي: سوف يقرأ ربع واحد من القرآن الكريم، فإن لم يكن متمكنا فسوف أتنازل عن أجرتي كاملة.. فكان الأمر بالنسبة لي تحدي، وما إن هممت بقراءة الاستعانة والبسملة، حتى وجدت صاحب العزاء يهرول قائلاً: "يضع سره في أضعف وأصغر خلقه"، لم أكن أتخيل أن صوتك بمثل هذا الجمال ويضاهي كبار القراء.
وعندما استاذنته بالانصراف، صمم أن أتمم قراءتي لنهاية العزاء، وإلي الآن تربطني به صلة أخوة وصداقة، وأصبحت القارئ الأول لعائلته.
هل نحن بحاجة لعودة الكتاتيب؟
نعم، لقد تربيت في "الكُتاب"، وعمرى ثلاث سنوات، وكان له الفضل في تحفيظى القرآن الكريم، وإذا ما تم حصر مزايا الكتاتيب نجدها تتمثل في المقابلة والمشافهة للشيخ، حيث يستطيع أن يسمع ويري مخارج الحروف الصحيحة وحركات الشفاه، بالإضافة إلي أن الشيخ يقوم بتكرار الآية أكثر من مرة، وترديدها علاوة علي استخدام الألواح لكتابة الآيات أكثر من مرة أيضاً، يثبت الحفظ ويتحسن الخط، ولذا نلاحظ أن خريجي الكتاتيب خطوطهم جميلة، ويقومون بنسخ الآيات في الألواح، بالإضافة إلي أن "الكتاتيب" تكسب الأطفال القيم والأخلاق واحترام الكبير، حيث كنا نقوم بتوفير شيخنا وتقبيل يديه.
ما الذي دفعك لإنشاء معهد متخصص لتحفيظ القرآن الكريم والإنشاد والابتهالات؟
في زمننا لم نجد من يعلمنا ويطبطب علينا ويوجهنا، فأنا لم ألجأ لتعليم المقامات إلا بعد أن تم تأجيلي ٦ أشهر للالتحاق بالإذاعة، وكنت أعرف وأقوم بتطبيق المقامات واستخداماتها، ولكن لا أعرف المسميات، فأردت أن أكون سبباً في تعليم جيل من الشباب والأخذ بأيديهم، حيث نجد الكثير منهم من محبي القرآن الكريم، ولكن للأسف يفتقدون العلم والمعرفة، ولهذا أردت من خلال مكان واحد تعليمهم القرآن الكريم مجوداً، وبطريقة صحيحة، وأيضاً تعليمهم المقامات الموسيقية والإنشاد والابتهال الديني، بالإضافة للسلوكيات والأخلاقيات، والأمور الفقهية والدينية عن طريق متخصصين، وكذا بناء شخصية القارئ المحترف، وإعداد أجيال للمسابقات الدولية بطريقة احترافية وعلمية، ونقوم أيضاً بتقديم محاضرات طبية متنوعة.
هل هناك جديد ستقومون بتقديمه من خلال المعهد؟
نحن الآن بصدد تجهيز أحد الطوابق بالمعهد لعمل استديوهات يتم من خلالها تدريب الدارسين علي التلاوة أمام الكاميرات، حتي يكون لديهم الجرأءة، وذلك لتخريج قراء إذاعيين متمكنين وكذا خطباء مفوهين، ويوجد مكان مخصص لتحفيظ القرآن الكريم بطريقة حديثة، بجانب الحفظ، وذلك عن طريق شاشات عرض كبيرة، ويوجد سماعات الرأس لتكرار الآية أكثر من مرة، وبذلك يتم الجمع بين طريقة "الكُتاب" والطريقة الحديثة.
نجد متشددون يستنكرون علي القراء استخدام النغم ما تعليقكم؟ سوف استشهد بكلام سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال أحد الصحابة كلمات الآذان، فقال له النبي علمها بلال فإنه أندي منك صوتاً . فإذا ما خضعت المقامات إلي الأحكام التجويدية، أضفت جمالاً وجلالاً علي القرآن الكريم، ولكن إذا ما كانت الأنغام والألحان فقد تحول القرآن الكريم من معني إلي مغني.
ما تعليقك علي بعض القراء الذين يعتمدون علي اللحن والنعم دون التركيز علي أحكام التجويد؟ هذا ما نحذر منه، فالأصل (ورتل القران ترتيلاً) أي الالتزام بأحكام التجويد، فإذا ما انضبطت الأحكام مع الألحان وصل المعني غضاً طرياً جلياً مرضيا للآذان والقلوب، أما إذا افتقد القرآن الجلال، وارتكز علي اللحن والصوت تحول إلي أغان.