

عبد الرحمن غوري
محمد عبدالحليم عبدالله.. أيقونة الواقعية وعبقرية السرد
في الأدب العربي وخصوصا الرواية يبقى محمد عبدالحليم عبدالله رمزا خالدا وأيقونة لواقعية السرد كاتبا عايش آلام البسطاء وأحلامهم، وقدم أعمالا تشع دفئا وإنسانية.
في مكتبة الثقافة المصرية بمقديشو، وبين رفوف تحمل عبق الورق القديم، وجدتُ نفسي أمام عالمه الأدبي العذب. كان لقائي الأول برواياته اكتشافا لعالم يمزج بين بساطة الحياة وتعقيداتها ورغم أني قرأت كل أعمال ذلك الروائي الفذ بنهم غير أن رواية لقيطة اعتبرها ذروة إبداعه الأدبي وإحدى أعظم الشهادات على عبقريته الفريدة.
لم يكن محمد عبدالحليم عبدالله مجرد كاتب يروي حكايات بل كان شاهدا نابضا على واقع الناس البسطاء، بأفراحهم وأحزانهم. حملت رواياته واقعية مليئة بالتفاصيل، لكنها لم تسقط أبدا في قسوة تبدد الأمل. بل على العكس، أضفى عليها رحمة تسكن القلوب، ليجعل من الألم مساحة للتأمل ومن الحياة معبرا نحو الرجاء. في كل صفحة من نصوصه، كان الصدق يغمر السطور، والحكايات تنبض بحرارة كأنها مرآة تعكس تناقضات الحياة بكل ما تحمله من ألم وأمل.
رواية لقيطة، التي أعتبرها درة تاج أعماله، هي تجربة إنسانية مميزة تسبر أغوار النفس البشرية. ليست مجرد قصة عن فتاة منبوذة تسعى لاستعادة كرامتها، بل هي رحلة عميقة في دواخل النفس، تغمرها مشاعر متناقضة من الألم والرجاء. استطاع الكاتب أن يصور مأساة بطلة الرواية بأسلوب شفاف يمزج بين العمق والبساطة، لينقل صراعها الداخلي وآلامها وكأن القارئ يعيش تلك المأساة معها، فيشاركه مشاعرها ووجدانها.
ما يميز أعمال محمد عبدالحليم عبدالله هو لغته البسيطة والعذبة، تلك اللغة التي تمزج بين البلاغة والشاعرية دون أن تبتعد عن الواقع. كل كلمة في نصوصه كانت جوهرة توضع بعناية، لتبني نصوصا تتسم بالتماسك، وتنضح بإنسانية تجعل القارئ يعيش التجربة بكل أبعادها. أسلوبه الأدبي كان أقرب إلى عناق دافئ يجذب القارئ إلى أعماق السطور ويجعله أسيرا لجمال المعاني التي ينسجها.
في مقديشو، كانت قراءتي لرواياته نافذة أطل من خلالها على عوالم مليئة بالحب والحزن، الألم والأمل. أدبه لم يكن مجرد ترف فكري، بل كان تجربة تأملية في جوهر الحياة نفسها، وتذكيرا بأن الأدب العظيم هو مرآة للإنسان وآلامه وأحلامه، وهو أداة تمنح القارئ لحظات من الصفاء والتفكر.
سيظل محمد عبدالحليم عبدالله حيا في ذاكرة الأدب كأحد أعظم رواد الرواية العربية، وستظل أعماله شاهدًا حيًا على عمق تجربته الإنسانية. وستبقى روايته “لقيطة”، على وجه الخصوص، رمزا لعبقرية هذا الكاتب وروحه النبيلة. وأقول قولي هذا وأتوجه بالشكر والتقدير إلى أستاذي الفاضل في مادة اللغة العربية، محمد موسى أبو جبل، الذي كان له الفضل في إرشادي إلى عالم الأدب.
كاتب وباحث صومالي في الأدب والفلسفة