عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

بهجة الجنوب .. الدورة الـ 14 ملتقى الأقصر الدولى للتصوير (4-5 )

جانب من ملتقى الأقصر الدولي
جانب من ملتقى الأقصر الدولي

نكمل معًا الحديث عن أعمال فناني ملتقى الاقصر الدولى للدورة 14، فتلك مسطح اللوحة تلك المساحة البيضاء اشتبك معها الفنان بأدواته الفكرية وتقنياته، فجاء الناتج تنوعا وتعددية رؤية ومعالجة وصياغات وأساليب فنية بين المحاكاة والرمزية والتعبيرية واتجاهات أخرى.



 

من شباب الورشة (بلال قاسم، هدير زردق، ريهام قاسم، سلمى العشرى، محمود عاشور)

 

الفنان بلال قاسم اصغر الفنانين، قدم عملين كل منهما يكمل الآخر، مستخدمًا العنصر البشرى "امراة"، وزهور أقرب إلى نبات اللوتس، وطائر مستوحى من الطيورالمنتشرة فى رسوم المعابد والمقابر، وكم من الآلهة كانت على شكل الطيور.

حدد "بلال" مجموعة لونية محددة بطلها الأزرق. تمكن بجدارة وحبكة بنائية واتزان فى توزيع العناصر معتمدا فى وجود خط عرضى يقودك إلى براح الأرض، طائر يبدو أنه قادم من رحلة طويلة يقف بقدمية على "سور" متاملا نبات اللوتس المتشعبة، واللوحة الثانية امراة هيئتها ملكة ذات العيون متسعة، الظلال يخفى جزءا من ملامحها، حرص "بلال" على وجود رابط لونى بين الطائر وامراة الجنوب وزهور اللوتس فالكل برمزيته باقٍ بقاء الحياة.

 

الفنانة "هدير زردق" بدون اتباع النظم البناية النمطية فى بناء اللوحة، تسرد لنا تشكيليا بلوحاتها صراعا محايدا ورماديا الهوية البصرية، بين اثنين من رموز الحضارة المصرية الأولى "القطة باستيت ابنة معبود الشمس رع، والتي كانت تصور على شكل امرأة لها رأس قطة. رمزا للخصوبة والأمومة وراعية المرأة عند الحمل، ومعبودة الحنان والوداعة. والرمز الثانى "السمك" رسولًا من الفيضان، ومبعوث الآله حابى، رمزا للبعث وإعادة الحياة. إذًا هو صراع بين طرفين لهما أدوار متقاربة،  وكأنهما لايزال يتصارعان حتى الآن على نفس الأحجار التي سجلت حكايتهما.

 

الفنان محمود عاشور كلاسيكى التقنية مجموعة لونية مونوكروم “البنى” بمحاكاة اعتمد فى لوحاته على تواجد عنصرى الشمس والضوء ومحاولاتهما بين الاختفاء والظهور. وكلاهما عنصري الحضارة المصرية فلكيا حيثاحتفالية تعامد الشمس على قدس أقداس معبد الكرنك بالأقصر، الفنان "محمود" تصادف وجود مزرعة بجوار غرفته مكان الملتقى، والمزرعة بها حيوانات (بقر، حمار، حصان، وجمل) اختار بعضهم كلا فى لوحة مشهد أقرب إلى جداريات المعابد حيث تقف الطيور على ظهر الحيوانات فى تآلف يحرسهما نهر النيل فى الخلفية حيث صبغته الشمس بغروبها.

 

 الفنانة "سلمى العشرى" فنانة لها فلسفة خاصة، اعتادت أن تقرأ الروايات وتخلق نصا تشكيليا موزايا لنص الرواية فآخر رواية قرأتها "مزرعة الحيوان" حول صراع بين رجل قاسى الطباع صاحب مزرعة، من بين حيوانات المزرعة "الخنزير" أذكى الحيوانات وأكبرهم سنا ويطلق عليه "الحكيم"، القى "خطبة" عليهم وطلب منهم قيام الثورة بحثا عن العدالة بين الحيوانات، وعدم إرضاء صاحب المزرعة والخضوع له. وحدود مبادئ ثورتهم، تلك الرواية ظلت تراودها وتلح عليها ولأنها فنانة تصادق ذاتها، استمر مؤثر الرواية وظهر فى لوحاتها الجانب الخيالى فى توزيع عناصر النص توزيعا أقرب سيريالية التكوين.

الفنانة ريهام قاسم "فنانة تعبيرية اختارت مجموعة لونية محدودة بقصد توصيل رسالتها بدون تشويش بصري، فى لوحاتها الأولى "أيادى" من اتجاهات ومسارات مختلفة. الأيادى محملة بتفاصيل تشريحية توحى بالإرهاق والتعب ويسكنها الشقاء والمعاناة، تعبيرا عن مدى قسوة محاولات التقاء "الفاكهة" أو التقاء أنفاس الحياة والفوز والإنجاز الذي يحتاج إلى مجهود وتعب. واللوحة الثانية لعنصر بشرى صامت أو ربما نائم يحلم بماسحة أمل بأن الأيادى جاءت إليه تمنحه "الحياة".

 

بين الدراما والبهجة

 

من فنانى الملتقى الأساسين ومن لهم مسيرة فنية كل من (دعاء حاتم، رانيا فؤاد، كريم حلمى، أحمد سنبل).

 الفنانة أ.د. دعاء حاتم الباحثة عن البهجة، مشاركتها تعد المشاركة الوحيدة التي بعثت البهجة والدفء رغم برودة الجو. مزجت المجموعة اللونية السخنة والباردة معبرا عن مشاهد الطبيعية الساكنة على ضفاف النهر الخالد، ويلوح لها من بعيد جبال البر الغربى. طرحت بلوحاتها رسالتين. الأولى: تحاورات مع المصري القديم من الجانب الحالم والرومانسى، وهو اول من قدم الزهور كهدايا فى المناسبة المختلفة منها المناسبات الرومانسيةللتعبير عن مشاعره وعشقه. مثل الملك "توت عنج أمون" يتهادي الزهور لزوجته. 

 

وأبرزنقوش الزهور ومفردادت الطبيعة  فى مقبرة عالم النباتات "نخت" بالبر الغربي بالاقصر ومنها ما كان يستخدم بوضعه على القبور وهذا ما نفعله نحن إلى يومنا هذا، والثانية: رسالة تفاءل للجنوب وللجميع أننا اقتربنا من استعادة بهجة أيامنا بعد أعوام الافتقاد التي عشناها بسبب جائحات كورونا.

 

أما الفنانة د. رانيا فؤاد صارت فكريا وفنيا على خطى الخلود فى المصري القديم، حيث "فلسفة الموت" أو الرحلة من الموت للخلود. الفكرة هى بلوغ المتوفى حياة جديدة تضمن له الخلود بسلام. المصريون لم يتقبلوا الموت، ولم يقصوه. لذا كان يتم تحنيط الجسد للاحتفاظ به سليما ليتمكن من خوض رحلته في مملكة الموتى.  

 

كما فعلت إيزيس مع أوزوريس.فلسفة درامية عبرت عنها الفنانة بعملين كلاهما يسكنها مومياوات رمادية، تلك الدرجة اللونية تخالف ماعلية مومياوات بعد سنوات تحنيط لرمزية محايدة فلسفة الموت. وعبرت عنها فبعث بها الحياة نسبيا. لازالت المومياء محتفظة وملامحها وكأن سنوات التحنيط لم تفقدها سماتها. فى اللوحة الثانية تاثرت الفنانة بوجود المومياوات حبيسة فى صندق زجاجى شفاف الكل يراها ليسأل هل عادت لك الحياة بعد الموت.

الفنان د. كريم حلمى غرد خارج السرب، فبعد أن اقتحمنا تاريخ الفن فى التعبير عن مناسبات واحتفالات وكلها أيضا أحد ادوار الفن الهامة، إلا أننا بين الحين والحين نفتقد دور الفن فى التعبير عن الإنسان وصراعاته مع متناقضات الحياة، من منا لم يقل يوما ما "ما باليد حيلة" كناية عن بتر الفعل وبتر الإرادة حيث يجد الإنسان نفسه عاجزا أمام إشكاليات الحياة ، البعض يملك أطراف كفيفة لا تبصر طريقها  قدم الفنان عملين درامية اللون والمضمون الأول امراة جميلة الملامح، وبجانبها كرسى ينتظر وصول ضيفا، رغم الحسم البصرى أنها بدون أطرافها إلا أن للاختفاء قيمة فنية وجمالية وحالة تعبيرية سيكولوجية. وأمامها مجموعة عناصر طبيعية صامتة تنبض بالروح كالفاكهة. والثانية لرجل أيضا مبتور الإرادة يجلس ربما ينتظرها، كلاهما قد تم تجميد إرادته وكلاهما ينتظر الآخر لذا أطلق الفنان على لوحاته "الموعد" .

 

الفنان د. أحمد سنبل رغم اقترب لوحاته من تسجيل لمشهد فليس هدفه استنساخ بل تعبير، يميل الى التجريد والتبيسط واختزال التفاصيل بخطوات محسوبة. قدم عملين من وحى تمثالا "ممنون" في البر الغربي بالاقصر وكلاهما لتخليد لـ"أمنحتب الثالث" جعل امنحتب الثالث يتحدث مع ضيوفه. فى اللوحة الأولى أحد تمثالى "ممنون" والمتضرر بعوامل الزمن. ويقف امامة رجل يرتدى "كاب أحمر" تلك اللون الأحمر إشارة بصرية وتشكيلية إن هنا حدث أمر ما، الشخص فى وضعية تأويلية وحركة تنم عن أنه كان قد اتخذ قرارا بالرحيل من المكان، وإذا به يتوقف فجاة عند سماع "صوت ممنون"، واللوحة الثانية لطائر فى وضعية عودة وليس رحيلا يقف بعظمة. استخدم مجموعة لونية محدودة متوافقة، وبتقنية السكين أظهر طبقات متراكمة للون حمل بها مسطح اللوحات حكايات من زمن الماضى.

 
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز