
الجنوب ملهمًا.. الدورة الـ14 ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (1-5)

سوزى شكرى
بعيدًا عن ضوضاء القاهرة وصخب البشر وخلافات في أمور أقل ما يقال عنها إنها عبثية، جئت إلى الأقصر عاصمة مصر القديمة، التي تضم ثلث آثار العالم. بلد أجدادي فأنا وبكل فخر واحدة من حفيدات الحضارة المصرية العريقة.
وكطفلة صغيرة ذهبت مسرعة في لهفة، وجلست على ضفاف "النهر الخالد" الذي أبهر المؤرخ القديم المشهور "هيرودوت" صاحب مقولة "لولا النيل ما كانت مصر"، هو الشاهد الوحيد على حضارة من أعظم الحضارات.
على ضفاف النيل مكان إقامة الملتقى، يجلس حولي إلى طاولات متفرقة فنانو ملتقى الأقصر الدولي للتصوير الدورة الـ14. أجيال مختلفة من الفنانين والفنانات شباب وكبار ورواد، وهم: ميلكـا فويوفيتش "صربيا"، فاسيليـس جالانيـس "اليونان"، ميجل بومر "كولومبيا"، د. صبيح كلش "العراق"، عوض أبو صلاح "السودان"، كمال أبو حلاوة "الأردن"، فنانون مصريون هم: أحمد سنبل، حسام صقر، دعاء حاتم، رانيا فؤاد، فارس أحمد، كريم حلمي، ماهر جرجس، محمد بنوي، محمد عرابي وشباب الورشة: أحمد يحيى البدوي، آية عبد المنعم، بلال قاسم، خالد العجيزي، ريهام قاسم، سلمى العشري، محمود عاشور، هدير زردق.
ويتوسط إحدى الطاولات الناقد المصاحب للدورة الـ14 الكاتب الصحفي والناقد الأدبي والفني "سيد محمود" يملك جاذبية خاصة في التحاور والحكي والسرد ومنظم ومرتب في طرح النقاش، ينصت قبل أن يجيب عن التساؤلات، لا يزعجه مقاطعة التحاور، مرونة في التعامل مع كافة المستويات الثقافية، نتجت عن رصيد خبرة حصدها من سنوات عمله.
أما الفنان التشكيلي الدكتور عماد أبو زيد قوميسير الدورة فلا يمكث في مكان ثابت ويصعب توقع مكانه فبالرغم من بردوة الجو في ذلك التوقيت بالأقصر- كما يطلق عليها أهالي الجنوب إنها "برد الأربعيني" أو الأربعين يوما من نهاية كل سنة- ومع ذلك فإنه دائم الحركة بين الفنانين في أماكن العمل يمنح الجميع طاقة إيجابية، ويتابع بشغف مترقب انتهاء الفنانين والفنانات من لوحاتهم استعدادًا للمعرض. لا يملي على فنان ما يجب أن يفعله وما لا يجب أن يفعله فنيا، منح الجميع حرية التعبير.
فهمت من حديثهم أن فترة الملتقى وهي 14 يومًا لم تكن فقط لتبادل الخبرات الفنية أو لإنجاز لوحات فنية تصويرية، كل بحسب رؤيته البصرية أو الفلسفية، بل أصبح الجميع أصدقاء على المستوى الشخصي كأنهم تقابلوا من قبل لقاء الملتقى، وهذه أحد أهداف الملتقى الإنسانية والاجتماعية بجانب الأهداف الفنية ودعم حضارة الجنوب.
يستعد الجميع لتنسيق العرض إلا أن مناقشهم وأطروحات حول الفن وإشكالياته ومصطلحاته لم تتنهِ بعد.
وكلما حاولت الاقتراب منهم كصحفية لمعرفة ما تم خلال فترة الملتقى أتراجع خطوة للوراء، حتى لا أقطع نقاشاتهم الحماسية المغلفة بالتفاهم وبقبول الرأي والرأي الآخر. لذا قررت أن أجلس بينهم كمستمعة ومستمتعة وشغوفة لمزيد من المعرفة، ولأن النهر الخالد يجيد الحديث بكل لغات العالم، لذا اختلاف اللغة واللهجات لا يعوق تواصلهم، جميعا يتحدثون بلغة التعبير الفني البصري بمفرداته وعناصره.
ورغم التحذيرات العالمية من خطورة (كوفيد- 19) إلا أن الجميع التزم بالإجراءات، والفيروس لا يجرؤ على الاقتراب من الفن.
وإلى طاولة بعيدة نسبيا يجلس الدكتور فتحي عبد الوهاب، رئيس صندوق التنمية الثقافية المشهود له بأدائه العالي ومهارته في التصدّي للكرات التي تلقى على مرماه بين الحين والحين. الحارس الأمين على العديد من المشروعات الفنية والثقافية المتنوعة والمتعددة الأهداف ذات القيمة التي يقدمها الصندوق. وليس فقط حارسا بل أضاف وجدد في الفعاليات وأضفى بصمته الخاصة.
يجلس د. "فتحي عبد الوهاب" أمامه أوراق تشبه شكل الخرائط، تحوي خطوات تنسيق لحفل افتتاح معرض الملتقى، وأرواق أخرى عن استعدادات افتتاحات مهرجان التحطيب وقرية المعماري حسن فتحي بمدينة القرنة. وإذا به فجأة ومن دون مقدمات يترك طاولته ويحمل أوراقه ويذهب لقاعة العرض لمتابعة تجهيزات معرض الملتقى.
وعلى طاولة أخرى مزدحمة بالفنانين والفنانات يجلس أستاذنا الفنان السكندري القدير د. "عبد السلام عيد" أستاذ التصوير الجداري بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، الفنان المكرم بالدورة يلتف حوله الفنانون ينصتون إليه عن آرائه في الفن، عن مسيرته على مدار أكثر من أربعين عاما شارك بأعماله في العديد من قاعات المتاحف والبيناليات في مصر ومختلف دول العالم. وقام بتنفيذ العديد من الجداريات على واجهات أهم المباني والمنشآت في مصر والوطن العربي.
ولم يمض على وصول الفنانة د. أمل نصر، والفنانة د. جيهان فايز عضوتي لجنة ملتقى الأقصر للدورة الـ14 سوى دقائق معدودة وذهبتا معا في جولة لرؤية الأعمال الفنية ولقاء مع فناني الملتقى ونقاش حول أعمالهم التي أنجزوها في فترة الملتقى.
وتفرعت مسارات الحوارات إلى نقاش عام حول الفنون والاتجاهات الفنية والتعبيرية وعن الحضارة المصرية وتأثيرها على العمل الفني والفنان. وتابعهم في لقاء الفنانين والنقاش الجاد الفنان الدكتور خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية وعضو لجنة ملتقى الأقصر، وبعد تأمله جذب انتباهه وإعجابه بأعمال الفنانين واستبشر لبعضهم وبالأخض الشباب بأنهم سوف يحملون على عاتقهم الفن المصري المعاصر مستقبلا.
ولحقت بهم في قاعة العرض جذبني شباب كلية الفنون الجميلة بالأقصر تعاون وتفانٍ في العطاء والمشاركة، ويرافقهم الفنانة التشكيلية د. "نجاة فاروق" تعمل في صمت وهدوء تنجز سياق العرض برؤيتها الفنية رغم قلة مساحة العرض ومحدوديتها إلا أنني لا أعرف كيف اتسعت مساحات العرض لتكفي أعمال كل فناني الملتقى، حيث إن بعضهم قدم ثلاثة أعمال وليس عملين.
أما أنا فقد انفصلت عن مهنتي كصحفية واستدعيت الجانب الآخر من شخصيتي كفنانة تشكيلية تسعد عندما ترى عملا فنيا يحمل جماليات معبرة وفلسفة تشير إلى أن صاحب العمل له أسلوب فني وتقني وفكري وفلسفي. فبعض الأعمال ظهرت فيها مفردات الحياة الإنسانية والبشرية، وأعمال أخرى أكدت مضمون الحضارة المصرية، والنجوم الفلكية التي رسمت على أسقف مقابر ومعابد الأقصر، وسوف نتناولها بالتفاصيل. حيث أجريت بعض الحوارات مع فناني الملتقى من بينهم د. "محمد عرابي"، د. "حسام صقر"، "أحمد البدوي"، رانيا فؤاد"، دعاء حاتم، وآخرون، وأيضا مع قوميسير الدورة الفنان د. عماد أبو زيد.
للحديث بقية في حلقات قادمة.