عاجل
الأربعاء 13 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ثورة 30 يونيو حياة كريمة المشروعات القومية تنمية الصعيد
البنك الاهلي
صعيد مصر.. بين روعة المكان وأوجاع الإنسان وعقل الدولة

30 يونيو.. ثورة بناء الجمهورية الجديدة 22

صعيد مصر.. بين روعة المكان وأوجاع الإنسان وعقل الدولة

صعيد مصر، منبت الرجولة والشهامة، كنز التضحيات، في معارك مصر التاريخية، العطاء في ميادين التعمير والبناء.



 

يمتاز الصعيد بخصائص جغرافية، ومناخية، ووحدة ثقافية، وقيم وعادات اجتماعية، وعُمق تاريخي وحضاري ضاعف تفرده ومزاياه.

 

بيد أن ترتيب الأولويات التنموية في الحقب التاريخية، السابقة على الجمهورية الجديدة، وضعته في مرتبة متأخرة، ما ضاعف معاناة قاطنيه، وجعل الباحثين عن فرص أفضل للعمل، يضطرون للهجرة داخليًا وخارجيًا، بحثًا عن حياة أفضل.

 

ومع تلك المعاناة، التي لا تتناسب مع قيمة الصعيد الحضارية، ومكانته الثقافية، ومقوماته الاقتصادية، تعالت المناشدات جيلًا بعد جيل، بحثًا عن آذان صاغية لحكومة تعي، وتملك قدرة تحقيق ما يستحقه الصعيد على أرض الواقع.

 

غير أن الحكومات التي صمت آذانها، أو للدقة كبلت أياديها ضغوط الحاجات ومحدودية الرؤية والتخطيط الاستراتيجي، خلّفت أزمات تراكمت، فأنجبت خللًا في التركيبة السكانية ومعدلات المعمور على خريطة الدولة المصرية، تبدو جلية، إذا ما تجولنا سريعًا بين سكان مصر ومساحتها الجغرافية.

 

نبدأ من الصعيد الذي يتشكل من ثلاثة أقاليم تمثل مُجمل محافظاته: شمال الصعيد، أسيوط، جنوب الصعيد، تشكل في مجملها 71.4% من مساحة جمهورية مصر العربية، تخيل يمثل الصعيد وحده ثلثي مساحة مصر.

 

فيما يبلغ سكان الصعيد نسبة 29.61% من إجمالي عدد سكان الجمهورية، أي أن ثلث شعب مصر يعيش على ثلثي مساحتها، ولكن في نطاقات جغرافية تنموية محدودة للغاية، قياسًا على حجم المساحة التي معظمها امتدادات صحراوية للمحافظات.

 

بمقارنة بسيطة نكتشف أن إقليم شمال الصعيد، الذي يضم ثلاث محافظات هي: الفيوم، وبني سويف، والمنيا، الإقليم الأقرب للقاهرة، يُشكل هذا الإقليم 4.9% من إجمالي مساحة مصر، بينما يعيش به 12.9% من إجمالي سكان الدولة.

 

ولإيضاح المقارنة ننظر إلى القاهرة الكبرى، التي تضم محافظات: القاهرة والجيزة والقليوبية، نجد أنها تشكل 1.7% فقط من مساحة مصر، ويسكن بها 25.11% من إجمالي سكان مصر، أي ربع سكان مصر يعيشون في ثلاث محافظات فقط، مساحتها 1.7% فقط من مساحة مصر.

 

وتزداد الصورة والفكرة وضوحًا عندما تعلم عزيزي القارئ، أن محافظات الدلتا مجتمعة تمثل 1.2% فقط من مساحة مصر، يقطنها 21.79% من سكان مصر.

 

إذًا القاهرة الكبرى والدلتا مجتمعة 2.9% فقط من مساحة مصر، يعيش بها 46.9% من سكان مصر.

 

هذا الخلل في التوزيع السكاني، ثمرة عقود طويلة من الخلل التنموي، فهو محصلة قوى طرد تحت ضغط انعدام الفرص، وضيق العيش، وقوى جذب التمدن وفرص العمل والحياة الأكثر رفاهية.

 

سنوات إهمال التنمية في صعيد مصر، جعلته طاردًا للكفاءات والقوى العاملة، وكلما زادت القوة الطاردة لمحافظات الصعيد، تضاعفت المعاناة، وتحديات خلل التوزيع السكاني والجغرافي والتنموي.

 

الخلل يهدد في أحيان كثيرة الأمن القومي، بقدر ما يهدد رفاهية العيش للمواطنين، ويتضح ذلك جليًا في إقليم قناة السويس الذي تمثل محافظاته، 8% من المساحة الإجمالية لمصر، بينما يقطنه 11% فقط من إجمالي السكان، شمال سيناء بكل ما تحويه من فرص استثمارية وأهمية استراتيجية كبوابة شرقية لمصر، عدد سكانها لم يتجاوز وفق آخر إحصاءات الساعة السكانية بالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أمس 450.528 نسمة.

 

ومن ثم فإن الذي يريد التخطيط لمستقبل مصر، ويريد لها النهوض والتقدم، لابد له من إعادة رسم الخريطة السكانية، التنموية، بما يحقق تنمية عادل شاملة متوازنة في كل أقاليم ومحافظات مصر، لعدة أهداف في مقدمتها:

 

١- منح هذا الشعب الذي قدم التضحيات حقه في حياة كريمة، في كل المحافظات بلا تمييز سلبي تنموي، فيقوى السلام الاجتماعي.

 

٢- معالجة آثار تعثر حكومات سابقة، وتمييزها السلبي لمحافظات دون غيرها، وهو ما ترتب عليه هجرة داخلية من المهملة، إلى غيرها فزادت الكثافة وتحديات التهمت التنمية غير المخططة، وبعدالة التنمية تتحول المناطق الطاردة إلى جاذبة، فتزيد معدلات التوازن السكاني الجغرافي.

 

٣- تحويل كل المحافظات إلى حاضنات لأبنائها بخلق مجتمعات إنتاجية، وصناعية وسياحية وفق الميزات النوعية لكل إقليم بما يعزز التنمية وجودة الحياة، وفي الوقت ذاته إزالة الأسباب الضاغطة للهجرة الداخلية وتوالد مجتمعات جديدة خاصة في المحافظات الحدودية مثل سيناء.

 

٤- التنمية الشاملة والمستدامة العادلة، تُضاعف من الدخل القومي، والتوازن السكاني، وتُعظم المتحقق من مستهدفات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بما تحققه من حياة كريمة، وفرص عمل للكسب الكريم، وحق في السكن والتعليم والعلاج وجودة الخدمات ومن الصعود التدريجي بمعدلات جودة الحياة.

 

يقيني أن عقل الجمهورية الجديدة، أدرك ذلك وما هو أبعد منه، ومن ثم شرع بعزيمة صلبة، وسرعة عالية، في وضع خطط استراتيجية، بمستهدفات زمنية محددة، لتنمية عادلة شاملة متوازنة ومستمرة في كل ربوع مصر، وفق استراتيجية 2030، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

 

بل وُضعت خطط عامة، واستراتيجيات فرعية معنية بتنمية وتطوير كل إقليم على خريطة مصر الممتدة لما يفوق مليون متر مربع، وفي القلب من ذلك صعيد مصر، الذي قدم لمصر الكثير من التضحيات، وتحمل سنوات المعاناة، ليجني اليوم ثمار دولة ذات عقل واعٍ، وقيادة سياسية تملك إرادة التنمية المتوازنة.

 

وليس أدل على ذلك من نصوص دستور الجمهورية الجديدة، وتطبيقاته على أرض الواقع، فالمادة 41 من الباب الثاني "المقومات الأساسية للمجتمع"، تنص على: أن "تلتزم الدولة بتنفيذ برنامج سكاني، يهدف إلى تحقيق التوازن بين معدلات النمو السكاني والموارد المتاحة، وتعظيم الاستثمار في الطاقة البشرية وتحسين خصائصها، وذلك في إطار تحقيق التنمية المستدامة".

 

وتكفل المادتان 78، 79 للمواطن الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان، ولكل مواطن الحق في غذاء صحي وكافٍ وماء نظيف.. فضلًا على المادة الثامنة التي تنص على أن يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سُبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون.

 

وتتجلى العدالة الاجتماعية، في مشروع "حياة كريمة"، الذي يستهدف تنمية شاملة لريف مصر، شاملًا كفالة الحق في سكن وعلاج كريم وإتاحة المنشأة التعليمية المجهزة، والمؤسسات الخدمية، والبنية التكنولوجية المتقدمة، بإتاحة الخدمات في عمق صعيد مصر، وريفها في وجه قبلي وبحري.

 

ولعل الإرادة السياسية للجمهورية الجديدة، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، تتجلى في إصدار القانون 157 لسنة 2018، الذي بمقتضاه تم إنشاء "هيئة تنمية الصعيد"، وهي هيئة عامة خدمية، تتمتع بشخصية اعتبارية، تتبع رئيس مجلس الوزراء، لها ميزانية خاصة ضمن ميزانية الدولة، تستهدف وضع خطة للإسراع بالتنمية الشاملة لمناطق الصعيد، وكفالة تنفيذها.

 

وتعمل تلك الهيئة بالتنسيق مع مؤسسات الدولة، وفق استراتيجية التنمية الشاملة، على التخطيط لمشروعات ذات عائد تنموي ونسب تشغيل مرتفعة، بمشاركة أهالي محافظات الصعيد في مشروعات تنموية تراعي أولوية الاستفادة منها لأبناء تلك المحافظات، وتراعي الأنماط الثقافية والبيئية، وذلك كله بحسب المادة الثانية من قانون إنشاء الهيئة "في إطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وبالتنسيق مع الوزارات والمحافظات والجهات المعنية".

 

وتكون الأولوية وفق المادة الثالثة: "في الخطط التي تضعها الهيئة للمشروعات المحققة لعائد تنموي ونسب مرتفعة من التشغيل، مع العمل على جذب الاستثمارات اللازمة؛ لتحقيق التنمية المستدامة والعوائد الاقتصادية والاجتماعية للمناطق المستهدفة".

 

ويُلاحظ هنا، الاهتمام بالمشروعات مرتفعة العائد التنموي المحققة لفرص عمل أعلى، وهذا يعكس فكرة تحويل المجتمعات بصعيد مصر لحاضنة تحمي قدراتها البشرية، وتخلق فرص عمل في المحيط الجغرافي للمحافظة، بما يتبعها من تعظيم القدرة على الكسب والحياة الكريمة، مع تنمية في البنية التحتية والخدمية، تتمثل في طرق ومواصلات ومدارس وتطوير لمنظومة السكك الحديدية، لتلافي الأخطاء البشرية التي دفع ثمنها أبناء الصعيد من دمائهم في عهود سابقة.

 

بالأمس القريب افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي، "طريق الكباش"، في حفل أبهر العالم، وهي خطوة متقدمة في تنمية القدرات السياحية لصعيد مصر، وقبلها بساعات كان يزور أسوان، ويلتقي أهالي قرى تضررت من السيول، ويوجه بأن تشملها مبادرة "حياة كريمة".

 

وفي الوقت الذي تستعد فيه المحافظات لافتتاح جملة من المشروعات القومية في مختلف المجالات، مشروعات قومية في مجالات الاستصلاح الزراعي، والاستثمار الصناعي، والبنية التحتية والخدمات، والمجتمعات العمرانية الجديدة، التي تُلبي احتياجات الزيادة السكانية.

 

ففي البحر الأحمر بالأمس القريب افتتح المرحلة الأولى من مشروع زراعة "الجوجوبا" على مساحة ألف فدان، بما يخلقه من آلاف فرص العمل، وما يخلقه من قيمة مُضافة لقدرات مصر في إنتاج الوقود الحيوي، بإنتاج زيت الجوجوبا، الذي يستخدم وقودًا حيويًا للطائرات وصناعة السماد الزراعي النظيف، وهو تطور كبير في صناعة الوقود والتحول نحو بيئة نظيفة.

 

وفي كوم أمبو بأسوان، تم تطوير زراعات قصب السكر لإنتاج ١٠ ملايين شتلة، لزراعة ١٥٠٠ فدان مرحلة أولى، على أن تنتهي المرحلة الثانية مارس 2022، وفي الفيوم مشروع الدواجن التكاملي، وزراعة النباتات العطرية، وما يتصل بتلك المشروعات من تصنيع ونقل وتغليف.

 

وفي المنيا، وغيرها من المحافظات، يواصل أبطال مصر، إنشاء وتدشين المشروعات في كل المجالات، ثروة حيوانية، داجنة، مدن جديدة، بنية تحتية، ثروة سمكية، تطوير أنظمة إدارة السكك الحديدية، تطوير الجامعات، إنجازات حقيقية يستحقها صعيد مصر، الذي انتظر سنوات طويلة من يحنو عليه ويقدر طاقاته ويعظم إمكاناته وثرواته.

 

 بهذه السباحة التحليلية المنطلقة من النصوص الدستورية والتشريعية، مستلهمة من الماضي القريب خبراته، ومعايشة الحاضر بتحدياته، والتدقيق في الاستراتيجية الوطنية للتنمية الشاملة، ومستهدفاتها وواقع المتحقق من إنجازات، يتضح أن الجمهورية الجديدة تسعى بخطى ثابتة على طريق التنمية العادلة المتوازنة، التي تعالج ثغرات الماضي، وتمنح صعيد مصر حقوقًا طالما انتظرها طويلًا.. جمهورية الإنجازات.. لا الشعارات.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز