
تعرّف على مسار التحول إلى التطرف وفقًا للدليل المرجعي لمواجهة التطرف
08:47 م - الجمعة 5 نوفمبر 2021

دار الإفتاء المصرية
كتب
السيد علي
رصد الدليل المرجعي لمواجهة التطرف، الصادر عن دار الإفتاء المصرية، مسار التحول إلى التطرف، والتي تتمثل فى مرحلة الدفع والأدلجة والجذب.
مسار التحول إلى التطرف
وذكر الدليل المرجعي لمواجهة التطرف أن معظم استراتيجيات مكافحة التطرف والإرهاب في السنوات الأخيرة آمنت بضرورة فهم مسارات التطرف فهما حقيقيا بعيدا عن التنميط التي اعتادت اعتماد مقاربات أولية تربط بين مجموعة من السلوكيات الظاهرية وبين احتمالية حدوث التطرف، وذلك لأن تعدد الدوافع المؤدية للتطرف، وتنوعها بين نفسية واجتماعية ودينية وثقافية، وسياسية أيضا، جعل من تحديد بيئة بعينها للتحول أمرا بعيدا، فتعدد الدوافع جعل من التحول أمرا ممكنا فى كل المجتمعات والبيئات، بغض النظر عن التقدم والتحضر، أو التخلف والرجعية، بالاضافة إلى أن التحول إلى التطرف قد يحدث فجأة بلا انتقال أو تدرج، وقد تقدم أن مراحل التطرف لا تمثل درجات متعاقبة يلزم من الوصول للأخيرة تخطي الأولى، بل قد ينتقل المتطرف من مرحلة التطرف الفكري، إلى التطرف العنيف مباشرة، وقد لا ينتقل من مرحلة التطرف القولي إلى مرحلة التطرف العنيف أبدا.
وليس أدل على ضرورة عدم التسرع في تصور مسارات التطرف، من الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "بيو"، حول رؤية المسلمين في أمريكا، وفي بعض الدول الاوربية حول الهجمات الانتحارية، عامي 2007م، و2011م فقد أظهر الاستطلاع أن 7%من المسلمين في أمريكا يرون أن التفجيرات مبررة أحيانا، بينما يرى 1% أنها مببرة غالبا، أما في أسبانيا وفرنسا، فرأى 10% أن التفجيرات مبررة أحيانا، ورأى 6% أنها مبررة ، وفي بريطانيا كانت نسبة 12% يرون أنها غالبا مبررة أحيانا، ويرى 3% أنها مبررة غالبا.
إشكال المرحلة الأولى في مسار التحول إلى التطرف
"مرحلة الدفع"
أشار الدليل المرجعي لمواجهة التطرف، إلى أن مسارات التحول متشعبة، وأن الجزم بمسار سطحي فيه مجازفة وخطورة، ولكن من الممكن تصور المسار والطريق المنطقي والأغلبي، الذي يمكن من خلاله تحول الشخص العادي إلى شخص متطرف، وممارسته للتطرف العنيف، ويمكن تصور هذا المسار في الخطوات التالية:
الدفع:
يمكن القول إن تلك المرحلة لا يتدخل فيها دعاة التطرف، وإنما هي نتيجة لتفاعل الشخص مع بيئته وتعاطيه مع إشكالاته الفكرية والاجتماعية والسياسية، فقد يتعرض الشخص في تلك المرحلة إلى عدة إشكالات تدفعه إلى حالة التهيؤ والاستعداد لاستقبال خطوة تالية على مسار التطرف، وأبرز الإشكالات الدافعة
ما يلي:
الشعور بالاغتراب
سواء كان مجتمعيا، نتيجة شعوره بعدم قدرته على التفاعل مع بيئته أو ذاتيا فيشعر الشخص أنه ليس ذاته، وهو ما يعرف بتبدد الشخصية، أو سياسيا بشعوره أنه ليس له مكان أو دور في العملية، بشعوره أن تلك
السياسية، أو وظيفي الوظيفة التي يشغلها لا تناسبه.
العزلة
التي تحدث نتيجة اتباع أساليب خاطئة في التنشئة الاجتماعية كالتعنيف والتهديد والعقاب على تواصل الطفل مع غيره، أو نتيجة القلق والتوتر الدائم، أو نتيجة اضطراب نفسي يشعر من خلاله الشخص بخطأ الآخرين على الدوام مقابل صوابه هو ، وأي ما كان المسبب للعزلة، فإنه فعل وقرار إرادي يتخذه الشخص ويقطع به
آلته مع المحيطين به.
افتقاد الهوية:
فتحقيق الهوية رسالة وهدف يسعى إليه الفرد، وقد يفشل الشخص في تحقيق هويته نتيجة المتغيرات
العنيفة الثقافية والاجتماعية من حوله، ومن ثم يشعر بفقدان هويته.
الشعور بعدم المساعدة:
حيث يشعر الشخص بأنه يواجه أزماته ومشكلاته دون مساعدة ممن يجب عليهم مساعدته، سواء كانوا الاهل أو الدولة، مما يفقده الثقة في أولئك، ويشعر برغبته الشديدة في الحصول على طرف مستعد لتقديم المساعدة إليه.
الشعور بالإحباط:
نتيجة لعدم إشباعه لكم الحاجات التي كان يظن أنه بمقدوره إشباعها، فيشعر الشخص بإحباط شديد، ورغبة في مسلك آخر يستطيع من خلاله إشباع تلك الحاجات.
الأدلجة:
وفي تلك المرحلة من مسارات التحول يبدأ التدخل المعرفي لمصادر التطرف، عن طريق الأدلجة، والمقصود بالادلجة هو اعتناق أفكار وقيم معينة، ومحاولة ترسيخ البناء المفاهيمي والقيمي لكل جماعة من الجماعات المتطرفة في اعتقاد الشخص، هي محاولة ربط ذلك
الشخص بتلك المنظومة المعرفية وإحساسه بأنه ينتمي إليها، وأنه جزء منها.
وفي هذه المرحلة تتشكل قناعات جديدة لدى الشخص، ويبدأ في الإيمان مفردات ومدلولاتها الجديدة، كالإيمان بتقسيم العالم إلى كفر وإيمان، ومقتضيات ذلك من تكفير مجتمعه، أو الحكم بجاهليته، والإيمان بالحاكمية بمدلولها الجديد وما يقتضيه من تكفير الحكام المسلمين، وضرورة إزاحتهم لتحكيم الشريعة، إلى آخر تلك المفاهيم الجديدة، وتلك المفاهيم بطبيعة الحال قاطعة لا تقبل النقد، أو المناقشة، ومن ثم فإن الايمان بها كما أثبتها منظروها واجب حتمي، لا يسع
المؤمن التشكيك فيه، أو التوقف عنده، وفي تلك المرحلة يفقد الشخص جانبا كبيرا أدوات التفكير المنطقي، ويجنح إلى اللامعقول في التفسير، بحيث إن الشخص المؤدلج من قبل جماعة الإخوان الإرهابية على سبيل المثال يؤمن بفساد النظام السياسي ومخالفة المشاركين فيه للشرع، بل وكفرهم أحيانا، وفي الوقت نفسه يمارس السياسة بذات الادوات التي يمارسها بها كافة الأحزاب والقوى، السياسية، دون أن يرى في ذلك تناقضا ظاهرا أو براجماتية جلية.
الجذب:
والمراد بتلك المرحلة، هو انجذاب الشخص المؤدلج واستقطابه لاحدى الجماعات والتنظيمات المتطرفة، وهي مرحلة الاستقطاب التي تسعى كل جماعة فيها للتجنيد وفق استراتيجيتها، والتي غالبا ما تشبه فى
المرتكزات الرئيسة للاستقطاب والجذب، وأهم تلك المرتكزات:
الإخوة والانتماء:
فتحاول الجماعات المتطرفة نقل شعور لدى الشخص بأنه "أخ" لهم، ينتمي إليهم، وأنه يهمهم أمره، ويسعون إلى مساعدته، ولعل جماعة الاخوان الإرهابية قد برعت في استعمال ذلك النوع من الاستقطاب والجذب.
البطولة:
وهي من أهم عوامل الجذب التي تسعى التنظيمات إلى ترسيخها في عقول الاشخاص، وإيهامهم بأن دور البطولة مقدر لهم بالانضمام إلى تلك التنظيمات وممارسة العمل العنيف، ولذلك حرصت التنظيمات الارهابية لا سيما تنظيم داعش في إصداراتها المرئية على إظهار جنودها في مواقف بطولية، ورصدت على ألسنتهم خطابات حماسية وشعارات
بطولية.
الهدف الروحاني:
ويمثل الهدف الروحاني أبرز عوامل الجذب للجماعات المتطرفة، والجماعات المتطرفة تعلم مدى أهمية ذلك، والتي تنفك عن التذكير به، فتقدم نفسها دائما على أنها إنما قامت وتقوم بما تقوم به من أجل إغاثة المسلمين المستضعفين والمظلومين، وإقامة دولة الاسلام، وتحكيم الشريعة، ونحو ذلك من الأمور التي تشكل
أهدافا روحية جاذبة للأشخاص.
الشعور بالتفوق والتميز
وهذا ما يشعر به بعض المنتمين لتلك الجماعات، فهو في الحقيقة يشعر بأنه متميز عن سائر الناس لكونه من "الطائفة المنصورة" و"الفرقة الناجية" بخالف غيره من المسلمين، ولكونه يحمل أعباء نصرة الاسلام، بخلاف "الغثاء"، الذي يتمثل في سائر المسلمين سواه هو وجماعته، ولذلك يظهر دائما في سلوكيات المنتمين لتلك الجماعات التعالي والغرور، وإحساسهم بأنهم أوصياء على غيرهم، وأنهم يمتلكون الحق المطلق، وأنهم فقط من يستحقون لقب المدافعين عن الأمة الحاملين
لأعباء رفعتها وتقدمها.
تابع بوابة روزا اليوسف علي