عاجل
الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
التطبيق العملي لأخلاق النبي
البنك الاهلي

من عصر الخلفاء الراشدين إلى العصر الحديث

آل البيت فى أحضان مصر .. "مزار المحبين"

ضريح الإمام الحسين
ضريح الإمام الحسين

مع احتفالات المصريين بالمولد النبوي الكريم، تهفوا القلوب لزيارة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، الذين لجئوا إلى مصر وأقاموا بها في عصر الخلفاء الراشدين، وبعد معركة يوم عاشوراء، وعاشوا وماتوا ودفنوا في أرضها.



 

 

ولدى المصريين تقدير كبير لآل بيت النبي، يحتفون بهم ويقدرونهم ويحبونهم كما لم يحبوا من قبل، وسنويًا يتم تجديد أضرحتهم وصيانة مرافقها، بالإضافة لأعمال الصيانة والتجديدات اليومية. وكان أهل مصر قديمًا يذهبون أفواجًا وجماعات إلى مجالس آل البيت، وقرب خلواتهم للاستفادة من رحيق علمهم وبركة ورعهم وتقواهم، ومثل الأجداد يذهبون الآن أفواجًا وجماعات لمساجد وأضرحة آل البيت، فهناك ترتاح النفوس وتستكين الأبدان وتثلج صدور المتعبين، وتوضع الأوزار عن القلوب المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكريم، وهناك ترفع الأكف بالدعاء طلبًا للمدد الإلهي.

 

 

وكما أحب شعب مصر وأهلها آل البيت، أحبهم حكامها على مدار التاريخ، فكان الاهتمام بمساجدهم وأضرحتهم إحدى الثوابت للحكومات المصرية المتتابعة، وحول الأضرحة مهدت الطرق، وقربها أنشئت الأسبلة والحدائق العامة والتكايا والمساجد، وزينت جميعها لتبدو في أحسن صورة. وكان الحكام يوزعون العطايا والهبات ويطعمون الفقراء المتواجدين بالقرب من تلك الأضرحة، التي تحولت عبر السنين إلى ملاذ كل محتاج، وسند كل صاحب حاجة.

 

 

ومن أشهر من اهتموا بالأضرحة الأمير عبد الرحمن بن حسن جاويش القازدغلي "كتخدا مصر، أي محافظ مصر" واشتهر باسم عبد الرحمن كتخدا، وكان من أمراء المماليك في عصر على بك الكبير، وقد عين بعد أن تدرج في المناصب العسكرية حتى أصبح مسؤولا عن الجيش، وتوفى في عام 1776 بعد قدومه من المنفى بقليل، ودفن في ضريحه بالجامع الأزهر. وكان الأمير عبد الرحمن كتخدا واحدًا من أعظم الراعين للحركة المعمارية خلال العصر العثماني، وربما كان الأنشط في تاريخ القاهرة كله.

 

عبد الناصر والسيسي

 

العصر الحديث.. عبد الناصر والسيسي اهتمام وتجديد وتطوير من الحكام الذين اهتموا في العصر الحديث بمقامات آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، الرئيس جمال عبد الناصر، حيث اهتم بعمارة مسجد الإمام الحسين رضى الله عنه، وقد أحبه ناصر حبًا كبيرًا، فقد نشأ وعاش بالقرب منه، وقرر بعد وصوله لسُدة الحكم توسعة المسجد، وكان ذلك في شهر مارس 1962. كما زاره بصحبة الرئيس العراقي عبد السلام عارف في عام1965، وطلب أن يتبرع بإنشاء منبر للمسجد فقبل ذلك عبد الناصر، ومازال المنبر موجود حتى الآن ومنقوش على أحد جوانبه أنه إهداء من الرئيس عبد السلام عارف.

 

ولم تنقطع زيارات عبد الناصر للمسجد في أشد وأحلك أزماته، فقد زاره بعد تنحيه بـ10 أيام، وعندما رفضت الجماهير التنحي صادف ذلك حفل ذكرى المولد النبوي بمسجد الإمام الحسين بالقاهرة، فتوجه عبد الناصر لحضور الاحتفالية.

 

ولم يقف اهتمام جمال عبد الناصر عند مسجد الحسين فقط، بل أمر في العام‏ 1964‏ بتوسعة مسجد السيدة زينب، حتى أصبحت مساحته الكلية‏ 450‏ مترًا مربعًا وذلك عام 1969.

 

واهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بأضرحة ومساجد آل البيت واضحًا، ففي عام 2021 اتخذ قرارًا بضرورة ترميم وتجديد مقامات وأضرحة آل البيت، خاصة ضريح السيدة نفيسة، والسيدة زينب، والإمام الحسين، وذلك بشكل شامل ومتكامل.

 

وقالت الرئاسة في بيان لها صدر في يوليو الماضي، إن الرئيس السيسي اجتمع مع رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، اللواء إيهاب الفار، ووجه بترميم الصالات الداخلية للمساجد، وما بها من زخارف معمارية راقية وغنية، تماشيًا مع الطابع التاريخي والروحاني للأضرحة والمقامات، وذلك جنبًا إلى جنب مع تطوير كافة الطرق والميادين والمرافق المحيطة والمؤدية لتلك المواقع. وقرارات الرئيس السيسي بتطوير وترميم مساجد آل البيت، لقيت استحسانًا كبير من الشعب المصري ومحبي آل البيت، ومن أعضاء الطرق الصوفية ونقابة السادة الأشراف، حيث يأتي التطوير ضمن التطوير الكبير الذي يشمل مصر التاريخية، ومناطقها القديمة، والمناطق الأثرية.

 

مسجد وضريح سيدنا الحسين ضريح ومسجد الإمام الحسين من الأماكن السياحية المعروفة بالقاهرة، وهو يقع بحي الجمالية قرب منطقة خان الخليلي، وعلى بعد أمتار من شارع المعز لدين الله الفاطمي، ويعد المسجد من أهم معالم القاهرة التاريخية، وقد أطلق الكثير من المؤرخين عليه مسجد الحرم المصري، نظرًا لإيمان المصريين المطلق بأن رأس الحسين مدفون به، رغم اختلاف الروايات حول ذلك.

 

بُني المسجد في عهد الفاطميين سنة 549 هجرية الموافق لسنة 1154 ميلادية، تحت إشراف الوزير الصالح طلائع، ويضم ثلاثة أبواب مبنية بالرخام الأبيض تطل على خان الخليلي، وبابًا آخر بجوار القبة ويعرف بالباب الأخضر. وهو مبنى بالحجر الأحمر على الطراز الغوطي، بينما بنيت منارته على نمط المآذن العثمانية، فهي أسطوانية الشكل ولها دورتان وتنتهي بمخروط، وللمشهد ثلاثة أبواب بالوجهة الغربية، وباب بالوجهة القبلية، وآخر بالوجهة البحرية يؤدى إلى صحن به مكان الوضوء، ومكتوب أعلى أحد أبوابه "أحب أهل بيتي إلى الحسن والحسين".

 

ويشتمل المسجد على خمسة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية ومحرابه من الخردة الدقيقة التي اتخذت قطعها الصغيرة من القاشاني الملون، بدلًا من الرخام، وهو مصنوع عام 1303 هـ وبجانبه منبر من الخشب يجاوره بابان يؤديان إلى القبة، وثالث يؤدى إلى حجرة المقتنيات التي بنيت عام 1311 هـ / 1893، حيث أودعت فيها المقتنيات النبوية. وداخل المسجد أكبر نجفة في العالم العربي، والتي يصل وزنها إلى خمسة أطنان من الكريستال المحلى بالذهب الخالص، وقوائمه من الفضة الخالصة.

 

 

 

ويضم المسجد الحجرة النبوية التي يتوافد عليها المسلمين للتبرك، وإن كانت مغلقة طوال الوقت ولا تفتح لعامة الناس، ويجب الحصول على تصريح من وزارة الأوقاف لفتحها، وتضم الحجرة بعض من كسوة الكعبة التي كانت تصنع في مصر، ومصحف الخليفة عثمان بن عفان الذي يزن 80 كيلو جرامًا وارتفاعه 40 سم، ويعود تاريخه إلى القرن الأول الهجري، بالإضافة إلى مقتنيات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي قطعة من قميصه الذي أهدته له أم ابنه إبراهيم المصرية ماريا القبطية، وهو من الكتان المصري، بالإضافة إلى "العضب والقاطع" وهو سيفه الخاص، كما يوجد أربع شعيرات من شعره المبارك، ومكحلته الخاصة والمرود التي كان يستخدمها لوضع مسحوق حجر السد لتكحيل عينه للوقاية من الأوبئة، وقطعة من عصاه التي حملها عند فتح مكة واستخدمها في هدم الأصنام التي كان يعبدها الكفار والمشركون.

 

 

 

وعادة ما تقيم الطرق الصوفية احتفالية كبيرة تنطلق من المسجد في المولد النبوي الشريف، بأزياء خاصة، وفى صفوف وجماعات حاملين البيارق والرايات مرددين أناشيد المديح في موكب رائع يسعد القلوب وينتظره الناس من العام للعام، وتوقف منذ ظهور فيروس كورونا للأسف الشديد، ولا نعلم هل سيقام هذا العام أم لا. مسجد وضريح السيدة عائشة من المساجد المهمة، مسجد السيدة عائشة رضى الله عنها، وهو موجود بمنطقة الخليفة بأول طريق صلاح سالم، وضريح السيدة عائشة ينسب لعائشة بنت جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام على زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهي أخت الإمام موسى، كما أنها من العابدات المجاهدات. توفيت عام 145 وكان على القبر لوح رخامي مكتوب عليه: (هذا قبر السيدة الشريفة عائشة من أولاد جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه).

 

 

 

وظل قبرها مزارًا بسيطًا حتى القرن السادس الهجري، وكان يتكون من حجرة مربعة تعلوها قبة ترتكز على صفين من المقرنصات، وأعاد بناء المسجد الأمير عبد الرحمن كتخدا في القرن الثامن عشر، ويتكون المسجد من مربع يتوسطه صحن وتحيط به الأروقة. واهتم بعمارته الفاطميون والأيوبيون، حيث أنشأوا بجوار الضريح مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، وعندما أحاط صلاح الدين الأيوبي القاهرة، والعسكر والقطائع والفسطاط بسور فصل بين قبة السيدة عائشة وبين القرافة، ثم فتح باب في السور إلى القرافة سمي بباب عائشة، ويعرف الآن بباب القرافة، وقد ألحق بالضريح مسجد يعرف بمسجد السيدة عائشة، وأعاد عبد الرحمن كتخدا بناءه سنة 1176 هجرية / 1762 م، ثم هدم المسجد وأُعيد بناؤه سنة 1971 ليظهر كما هو عليه الآن. وجددت مصر في العصر الحديث المسجد بالكامل، حيث نقلت له أحجار مسجد (أولاد عنان) الذي بني مكانه الآن (مسجد الفتح) بميدان رمسيس، كما نُقل إلى مسجدها الجديد المقصورة النحاسية التي كانت على قبر السيدة زينب بنت علي، قبل إهداء المقصورة الفضية الموجودة الآن على قبرها من طائفة "البهرة".

 

 

وعند بناء كوبري السيدة عائشة، تم هدم باب منه، وقامت النائبة فايدة كامل، بتجديد مسجد السيدة عائشة على الصورة الحالية التي أصبح عليها الآن، وهي أجمل من الصورة التي كان عليها في عهد الأمير عبد الرحمن كتخدا، وكل جمعة يحتفى الناس بزيارة مقام السيدة عائشة في ظل إقامة السوق الكبير بمنطقة الإمام الشافعي، المعروف بسوق الجمعة. ضريح السيدة سكينة ضريح السيدة سكينة واحدًا من أشهر أضرحة آل البيت، حيث عشقها المصريين سيرًا على درب "محبة آل بيت النبي"، وحين عرفوا أن بينهم زهرة من الروضة المحمدية سكنت نفوسهم، فقد فازوا بالقرب من الأنوار، إنها السيدة سكينة الإمام الحسين، وجدها أمير المؤمنين على بن أبي طالب، وأمها السيدة الرباب بنت أُمرئ القيس، ويذكر النسابة العبيدي رواية في كتابه أخبار الزينبات بأن سكينة بنت الإمام الحسين، رضى الله عنه، رحلت لمصر قائلًا: "حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّي، عن محمّد بن عبد اللّه، عن جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه، عن الحسن بن الحسن، قال: لمّا خرجت عمّتي زينب من المدينة خرج معها من نساء بني هاشم فاطمة ابنة عمّي الحسين، واُختها سكينة"، وعلى المشهور بأنها سكينة بنت الإمام الحسين، نقل الأجهوري عن الشعراني أنه قال: إن المدفونة هي سكينة أخت الحسين، وفي قول آخر أنها سكينة بنت الإمام على السجاد زين العابدين.

 

 

 

 وبنى لها المأمون البطائحي، وزير الآمر بالله الفاطمي، ضريحا بُنيت قبته بعد سنة 510 هـ، ثم ألحق بالضريح مسجد أقامه الأمير عبد الرحمن كتخدا سنة 1173هـ (1760م)، وعمل على الضريح مقصورة من النحاس سنة 1266هـ، ثم أمر الخديوي عباس حلمي الثاني بتجديده سنة 1322هـ، وأصبح له ثلاثة أبواب غير الميضأة، اثنان على الشارع والثالث الباب المقبول في الجهة القبلية يفتح على درب الأكراد، وهذا المسجد يشتمل على 6 أعمدة من الرخام ومنبر من الخشب النقي، والضريح مجلل بالبهاء والنور عليه تابوت من الخشب من داخل مقصورة كبيرة من النحاس الأصفر متقن الصنع، من إنشاء المرحوم عباس باشا، ثم جددته وزارة الأوقاف، ويقع مسجد السيدة سكينة في شارع الأشراف قرب ضريح السيدة نفيسة. وقيل إن السيدة سكينة ولدت في رجب عام 47 هـ، ولقبتها أمها باسمها "سكينة" لهدوئها وسكونها، أما اسمها الحقيقي، فقيل: أميمة أو أمينة، وكانت "سكينة" بيت النبوة، الزهرة التي تفتحت في أرض المحروسة.

 

 

كانت قدوة للمرأة المسلمة في الظاهر والباطن، فتيات مكة يقلدنها في طهارتها وعبادتها، وفي هندامها وأناقتها، وعُرفت بجمال الأخلاق والخلقة، متعبدة "مستغرقة" مع الله، وعاصرت أباها الحسين في فترات الجهاد والشدائد، فكانت له نعم العون، محبة للغة ولدراسة آدابها وقواعدها، واهتمت بتعليم المسلمين، فكان لها في ميادين العلم والفقه والأدب شأن كبير، وكان لها مجلس علم في القاهرة يستقى منه الناس العلم والعلوم الشرعية. وتزوجها مصعب بن الزبير بن العوام، فولدت له طفلة سمتها على اسم أمها "بضعة النبي" فاطمة الزهراء، لكن مصعب لم يلبث أن قُتل، فتزوجت بعده عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام فولدت له عثمان. وبعد رحيل الحسين، عاشت "سكينة" إلى أن توفيت سنة 117هـ عن عمر سبعين عامًا، وتضاربت المعلومات حول وفاتها في مصر أم في المدينة المنورة، فقد ذكر الإمام عبد الوهاب الشعراني في طبقاته "أنها مدفونة في مصر بالقرافة، قرب السيدة نفيسة"، وكذلك في طبقات الناوي والحلبي.

 

ومسجد ومقام السيدة سكينة الموجود حاليًا يرجع إلى عهد عبد الرحمن كتخدا سنة 1173هجرية، ثم جددته بعد ذلك وزارة الأوقاف في القرن الثالث عشر الهجري، وعلى باب المقصورة النحاسية نجد لوحة تذكارية مؤرخة سنة 1266 هجرية. أما ضريح السيدة سكينة الذي يقع بحي الخليفة بالقاهرة بالشارع المسمى باسمها، فقد اختلف المؤرخون في صحة وجودها به.

 

مسجد ومحراب السيدة نفيسة بالمقطم هي نفيسة العلم العالية القدر، ابنة الإمام الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الإمام الحسن بن على بن أبى طالب رضي الله عنهم أجمعين، ولدت بمكة سنة 145 هـ، حـجـت رضي اللـه عنهـا ثـلاثـين حـجـة أدت معـظـمـهـا ماشـية. أسس مسجد السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب في 1314 هجرية الموافق 1897 ميلادية، ويقع ضمن الطريق المشهور بـ "طريق أهل البيت" والذي يبدأ بمقام زين العابدين وينتهي بمشهد السيدة زينب بنت على مرورا بالسيدة نفيسة والسيدة سكينة بنت الحسين والسيدة رقية بنت على بن أبي طالب وسيدي محمد بن جعفر الصادق والسيدة عاتكة عمة الرسول، عليه الصلاة والسلام. ويحرص المصريون على زيارة المسجد والمقام يوم الأحد من كل أسبوع، ويطلقون عليه يوم الحضرة، حيث يشعر المصريين بالراحة النفسية وتعلو الأصوات بالدعاء والتكبير، ولا يعرف أحد ما هو السر وراء ارتباط الزيارة بيوم الأحد أو بصلاة العصر بالتحديد، لكن بعض عشاق المكان يقولون إنه اجتهاد توارثه المصريين جيلا بعد جيل، ومن منطلق حبهم لآل البيت خصصوا لكل ضريح يوما للزيارة، أطلقوا عليه الحضرة.

 

 

ويقع مسجد السيدة نفيسة قرب قرافة المقطم، وعلى بعد بضع مئات الأمتار من مسجد السيدة عائشة. ولعل الكثيرين لا يعلمون انه كان للسيدة نفيسة رضى الله عنها، خلوة في جبل المقطم، كانت تتعبد فيها، وهي واحدة من الأماكن الروحانية المعروفة بجبل المقطم، وتقع الخلوة على مقربة من مسجد العارف بالله أحمد بن عطاء الله السكندري، وبجوار سلطان المشرق والمغرب القطب الصوفي واحد جماع الحديث عبد الله بن أبي جمرة. وعلى باب الخلوة مكتوب: "محراب السيدة نفيسة رضي الله عنها.. بسم الله الرحمن الرحيم لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون صدق الله العظيم".

 

 

وكان للسـيدة نفيسة من زوجـها اسحاق، ولدان هـما القاسم وأم كلثوم، وأقامت بمصـر بضـع سنين، وفى أول جـمـعة من شهر رمضـان سنة 208هـ، توفـيت وهي تقرأ سـورة الأنعام، وذلك عـند قوله تعالى: (لهم دار السـلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون)، وذلك في القبر الذي حفرته بيديهـا، وهـو قبرهـا الحالي في هـذا المـسـجد. أول من بنى على قبرهـا هو السري والي مصر من قبل الدولة الأموية، ثم أعيد بناء الضـريح في عـهـد الدولـة الفاطـمية، وفى عهد الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله حدث تصـدع للقـبة، فجددت وكسي المحراب بالرخام وكان ذلك سنة 532 هـ.

 

 

و يقول الجبرتي إن الأمير عبد الرحمن كتخدا، قام بعمارة المشهد النفيسي، ومسجده وبني الضريح على هـذه الـهـيئـة الموجـودة، وجـعل لزيارة النساء طريقًا بخلاف طريق الرجال، وذلك سنة 1173 م، كما كتب على باب الضـريح بالذهـب على الرخام: "عرش الحقائق مهبط الأســـرار.. قبر النفيسة بنت ذي الأنـوار". مسجد السيدة رقية اختلف المؤرخون حوله، بعضهم أكد أنه مسجد، وآخرون أكدوا أنه مجرد مشهد، والسيدة رقية بنت الرسول من زوجته خديجة، زوجها النبي عتبة بن أبي لهب، وقامت عنده إلى أن نزلت الآية (تبت يدا أبي لهب) ففارقها، فزوجها الرسول لعثمان بن عفان رضي الله عنه، فهاجر بها إلى الحبشة، وولدت رقية لعثمان عبد الله. ويعد ضريح السيدة رقية من مشاهد الرؤيا المشيدة بمصر، فالسيدة رقية هي ابنة سيدنا على بن أبى طالب حيث أنشئ سنة 1133م أيام الحافظ لدين الله ثامن الخلفاء الفاطميين بمصر، ولم يبق منه سوى إيوانه الشرقي الذي يتكون تخطيطه من رواق أمامي محمولة عقوده على زوجين من الأعمدة الرخامية، وله باب يؤدى إلى حيز مربع أمام المحراب تغطيه قبة مضلعة محمولة على رقبة مثمنة، ويحف به من الجانبين إيوانان صغيران بكل منهما محراب. ويرى وسط الإيوان أمام المحراب الكبير تابوت من الخشب حلى بزخارف بارزة جميلة وازدان بكتابات كوفية مزخرفة اشتملت على آيات من القرآن الكريم، وعلى تاريخ صنعه سنة 1138: 39م وقد صنع لهذا المشهد محراب متنقل من الخشب بين سنتي 1154 – 1160م حافل بشتى الزخارف والكتابات بلغت فيه صناعة النجارة وزخرفتها مستوى رفيعا من الروعة والبهاء، وهو مودع الآن بدار الآثار العربية مع محرابين آخرين صنع أحدهما بين سنتي 1137 – 1147 لمشهد السيدة نفيسة، والثاني أمر بصنعه الآمر بأحكام الله الفاطمي للجامع الأزهر سنة 1125م.

 

 

وأهم ما يسترعى النظر في المشهد محرابه الجصي الكبير، الذي يعتبر قطعة زخرفية رائعة الجمال، فهو يتكون من تجويف تغطيه طاقية مضلعة تتشع أضلاعها من جامة مزدانة في الوسط بكلمة – على – يحيط بها كلمة – محمد – مكررة، وتنتهي هذه الأضلاع عند حافة عقد الطاقية بمقرنصات وعلى توشيحتي العقد زخارف جميلة يعلوها طراز من الكتابة الكوفية المزخرفة يميل قليلا إلى الخارج، فوقه طراز آخر مزخرف بوحدات مضفرة. كما يتكون ضريحها من مستطيل يتوسط ضلعه الغربي المدخل، وينقسم إلى ثلاثة أقسام، والمتوسط توجد به المقبرة وتغطيها قبة، ويفصل هذا القسم عن القسمين الآخرين عقدان، ويتوسط كل قسم محراب مجوف، ويعتبر المحراب الرئيسي في مشهد السيدة رقية تحفة فنية رائعة، وتبلغ سعته ثلاثة أمتار وعرضه 20. 1 متر وارتفاعه 6 أمتار. مسجد وضريح السيدة زينب يقع مسجد وضريح السيدة زينب بنت الإمام علي، وأخت الحسنين عليهم السلام، في حي السيدة زينب بالقاهرة، حيث أخذ الحي اسمه من صاحبة المقام، وهو يتوسط الحي، ويعرف الميدان المقابل للمسجد بميدان السيدة زينب. ويعتبر الحي الذي يقع فيه المشهد من أشهر الأحياء الشعبية بالقاهرة، حيث يكتظ بالمقاهي ومطاعم الأكلات الشعبية، ومن أشهر معالم هذا الحي شارع زين العابدين، وهو شارع موازي للمسجد، ويعد من أكبر الشوارع التجارية في القاهرة. ويتوافد على المسجد أُناس من جميع البقاع للتبرك والدعاء، خاصة أنه مشهور بإجابة الدعاء فيه، حيث يضع كل من له شكوى شكوته بصندوق السيدة، لينظر كما يعتقد في شكواه، وترفع عنه مظلمته وتستجاب حاجته. تشرف الواجهة الرئيسة للمسجد على الميدان، وبها ثلاثة مداخل تؤدي إلى المسجد مباشرة، وترتد الواجهة عند طرفها الغربي، وفى هذا الارتداد باب آخر مخصص للسيدات يؤدى إلى الضريح، وتوضع المئذنة على يسار هذا الباب، ويحيط بالركن الغربي البحري سور من الحديد.

 

 

وتقع الواجهة الغربية على شارع السد، وبها مدخل على يساره من أعلى ساعة كبيرة، وللمسجد واجهتان أخريان، إحداهما على شارع العتريس، والأخرى على شارع باب الميضة. والمسجد من الداخل مسقوف جميعه، ومنقوش بزخارف عربية على عقود مرتكزة على أعمدة من الرخام الأبيض، ويعلو الجزء الواقع أمام المحراب شخشيخة، كما يعلو الجزء الأوسط من المسجد قبل التوسيع شخشيخة بها شبابيك زجاجية، بوسطها قبة صغيرة فتح بها شبابيك من الجص المفرغ المحلى بالزجاج الملون.

 

 

ويقع الضريح بالجهة الغربية من المسجد، وبه قبر السيدة زينب تحيط به مقصورة من النحاس، تعلوها قبة صغيرة من الخشب، ويعلو الضريح قبة مرتفعة على الطراز المملوكي، وهي حافلة بالزخارف العربية والمقرنصات والكتابات، وترتكز في منطقة الانتقال من المربع إلى الاستدارة على أربعة أركان من المقرنص المتعدد الحطات، ويحيط برقبتها شبابيك جصية مفرغة محلاه بالزجاج الملون.

 

شاهد أيضًا

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز